الدراجات والمشي اختيار أهالي مراكش المغربية

يقطنها 20 ألف فرنسي وتجوب شوارعها 210 آلاف دراجة و120 ألف سيارة

شارع جليز بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن جاذبية مراكش وتحولها، في السنوات الأخيرة، إلى وجهة مفضلة لسياح الداخل والخارج بدأت تترتب عنها آثار جانبية، انعكست بشكل واضح على جودة هوائها، الشيء الذي يحتمل أن ينعكس، أيضاً، على جودة الحياة فيها.

لعلها أهم خلاصة يمكن الوصول إليها بعد قراءة دراسة أنجزها مكتب دولي تناولت معضلة السير في مراكش، نبهت إلى الآثار المترتبة عن التحولات المتسارعة التي تعيشها المدينة منذ سنوات، وما تلحقه من أضرار على مستوى تلوث مناخها، وهو ما يعني أن «للتطور الذي تعرفه مراكش سلبياته». وهي جملة لخصت، بامتياز، كلمة أحمد الشهبوني، رئيس مركز التنمية لجهة تانسيفت، ألقاها في إطار ملتقى «السير والجولان بمدينة مراكش»، الذي تم خلاله تقديم نتائج هذه الدراسة، والذي يشكل، إلى جانب «ولوجية الخدمات الاجتماعية بالنسبة لسكان مدينة مراكش» و«استراتيجية للعمل الثقافي بالمدينة»، أحد المحاور الثلاثة، التي برمجها المركز، على مدى ثلاثة مواعيد يؤطرها سؤال «مراكش، إلى أين؟».

وبعد أن أرجع الشهبوني النمو السريع، الذي تعرفه المدينة الحمراء، منذ عشر سنوات، إلى «عوامل كثيرة، بينها تزايد السكان، سواء منهم المحليون أو الأجانب»، وقال إن المدينة «تضم ما يقارب 20 ألفا من الفرنسيين، يقيمون فيها بصفة دائمة أو مؤقتة»، رأى أن «ارتفاع عدد السكان وعدد زائري المدينة رافقه تزايد كبير في حركة السير، التي تضاعفت حدتها بسبب ارتفاع عدد السيارات الفردية، مشيرا إلى أنه توجد بمراكش 120 ألف سيارة، يضاف إليها سنويا 6 آلاف سيارة جديدة، تقريبا.

وشدد الشهبوني على أن «المشاكل زادت تفاقما بسبب نموذج التعمير الذي تم اعتماده بالمدينة في السنوات العشر الأخيرة، حيث تم تشييد عمارات كثيرة مكان المساكن الفردية، في أغلب الأحياء بوسط المدينة، وهي بنايات ضاعفت الكثافة السكانية خمس مرات. كما أن الطرق الضيقة وغياب المرآب في قبو العمارات ساهمت بدورها في هذا التفاقم». ونبه الشهبوني إلى أن «مشاكل السير مرشحة للتفاقم أكثر في ارتباط بالمشاريع السكنية الكبيرة التي توجد طور الإنجاز بالمدينة، والتي تهم طاقة إيوائية جديدة لما يناهز 400 ألف ساكن»، الشيء الذي انعكس على جودة الهواء بالمدينة.

وأشار الشهبوني إلى أنه في إطار حملة القياس، التي تم إنجازها في مايو (أيار) 2006، برعاية مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، تم تسجيل مقادير للمواد السامة أقل من معايير المنظمة العالمية للصحة. أما بالنسبة للأوزون فإن تركيزه يفوق هذه المعايير، وهو ما «يفرض درجة عالية من اليقظة في موضوع جودة الهواء».

واستعرض الشهبوني مجموعة إحصائيات جاء فيها أن «مراكش، التي تمثل رمزا للدراجات، يوجد بها ما يقارب 170 ألف دراجة نارية و40 ألف دراجة هوائية، كما يظهر من دراسة مخطط التنقل الحضري. ولكن غياب ممرات خاصة بالدراجات، يؤدي بأصحابها إلى استعمال نفس الطريق إلى جانب باقي السيارات، مما يؤدي إلى الازدحام، والى ارتفاع خطر الاصطدامات وبالتالي الحوادث». وأكد الشهبوني أن مدينة مراكش «تتوفر على الرقم القياسي في حوادث السير، حيث تم تسجيل 2.800 حادثة سنة 2008، أي حوالي 6 حوادث في اليوم. وهو معطى يرجع إلى غياب الحس المدني وعدم احترام قوانين السير يساهمان بلا شك في هذه الوضعية».

وأشار الشهبوني إلى أن «وسائل النقل العمومي، التي عرفت تطورا ملحوظا، منذ تفويتها إلى القطاع الخاص، تنقل ما يقارب 150 ألف شخص يوميا، وهو رقم لا يمثل سوى ثلث الأشخاص الذين يصلون يوميا إلى المدينة، مما يعني أن استعمال السيارة الفردية ما زال هو الوسيلة المهيمنة في التنقل داخل المدينة». واعتبارا لأهمية جودة الهواء، ودوره الرئيسي في جودة الحياة عموما، تساءل الشهبوني عن الإجراءات التي تعتزم المدينة اتخاذها لمحاربة التلوث، والتدابير التي ينبغي اتخاذها للتخفيض من حوادث السير، وبالتالي لدفع مختلف مستعملي الطريق إلى التحلي بالروح المدنية، وذلك انطلاقا من رؤية تستشرف المستقبل، للتحكم في آفاق تطور مدينة مراكش، من خلال تحديد وضبط الخطوات الملموسة التي يجب اتخاذها بهدف مرافقة هذا التطور وتسليط الضوء على أهمية موضوع السير على المدى البعيد وانعكاسه على حياة السكان، والوقوف على طبيعة استعداد المدينة لاستقبال حركة سير بـ 200 ألف سيارة في حدود 15 سنة المقبلة، إضافة إلى حركة السير الإضافية التي يمثلها زوار المدينة من الأجانب والمغاربة، والتي يتوقع أن يصلوا إلى حدود 10 ملايين شخص سنة 2025.

وكان السير والجولان قد تحول، في السنوات الأخيرة، إلى مصدر قلق بالنسبة لسكان وزوار مراكش، خاصة أن تنقل العربات بين مختلف الأحياء يتم من دون احترام الضوابط التنظيمية، في أغلب الأحيان، كتحديد أوقات مرور شاحنات توزيع المواد الغذائية والسلع، أو استعمال عربات التي تجرها الدواب، أو التوقف العشوائي لسيارات نقل الأشخاص في الطريق العام، إلى غير ذلك من المظاهر التي تتسبب في عرقلة السير ووقوع حوادث، بالإضافة لما أصبحت تعرفه بعض الشوارع وملتقيات الطرق من نسب مرتفعة للغازات الملوثة التي لها آثار على الصحة العمومية.