الشويكي .. صياد استبدل بكرسي الإدارة شبكة وسنارة

يلجأ إلى هذه المهنة رغم مصاعبها وانخفاض ما تجود به

الشويكي حاملا سمكتين خلال إحدى رحلات الصيد («الشرق الأوسط»)
TT

بسبب «البحر ومشاكله» لا يرغب صياد السمك السعودي خالد الشويكي، 46 عاما، تعليم أحد من أبنائه الأربعة مهنته وأسرارها وما يحيط بها من مغامرات وأساطير، خصوصا بعد أن دخلت مهنة صيد الأسماك في دائرة خطر الانقراض. فبحر جدة الأشهر سعودياً لم يعد يملك في أعماقه وبواطنه تلك الأحجام والأنواع من الثروة السمكية، وبمعنى أوضح أصبح «شبه فارغ». ويتأكد هذا الأمر في حديث الشويكي الذي ترك رفاهية الوظيفة المكتبية بعد أن كان مديراً للموارد البشرية في إحدى شركات القطاع الخاص، وبراتب شهري يبلغ 7000 ريال، لأجل أن يصبح صياداً يكسب قوت يومه من تعبه وبحثه وصبره على البحر وما يجود به، حيث يقول «كانت حصيلة ما اصطاده تتراوح ما بين 300 إلى 700 كيلوغرام لرحلة الصيد الواحدة، والتي تستمر لمدة يومين، ولكن هذا الأمر كان قبل 15 عاماً».

وانخفض حجم ما يصطاده من أسماك حالياً، إلى ما يتراوح ما بين 40 و 50 كيلوغراما للرحلة الواحدة وبنفس المدة السابقة أيضاً. ويحدد الشويكي بوادر الفترة الزمنية لهذا الانخفاض المفجع في كنوز بحر جدة إلى ما قبل ثلاثة أعوام.

ولكن المشاكل المحيطة بمستقبل هذه المهنة لا تتوقف على قلة ثروات «بحر جدة» السمكية فقط، فهناك مشكلة كبرى أخرى تتعلق بقلة عدد الصيادين السعوديين الذين لا يزيد عددهم في منطقة مكة المكرمة على 3000 صياد، منهم ما بين 800 إلى 1000 صياد ما زالوا يمارسونها بأنفسهم.

بينما يكتفي الآخرون بإحدى طريقتين لتحقيق المكسب، مثل تأجير مراكبهم للصيادين الوافدين الذين يتهمون من نظرائهم السعوديين بأنهم السبب الحقيقي وراء «الفقر» في كنوز بحر مدينتهم، وذلك مقابل أجر مادي مقطوع يتسلمه مالك المركب، والطريقة الأخرى في تعليم المهنة للوافدين، وخاصة من الجنسيات الجنوب شرق آسيوية، العازمين على امتلاك «مهنة في اليد» والعمل لديه مقابل أجر شهري.

وقصة الصياد السعودي خالد الشويكي، وهو بالمناسبة كان عضوا في المنتخب السعودي للسباحة في وقت سابق، في امتهان هذه المهنة التي لم يرثها كمعظم الصيادين السعوديين الحاليين عن أب وجد، كونها تقدم نظرة تقديس العمل اليدوي الذي يكفي الإنسان حاجة الناس، وعدم السقوط في بئر الوظيفة والمكتب المكيف الراقي. يقول الشويكي «علاقتي مع البحر بدأت في سن الثامنة، بعد ما علمني والدي السباحة التي أدت بعد ذلك إلى تطور علاقتي في البحر، بأن أكون منقبا عن روائع ما يحتويه، وسحر أساليب التنقيب عنها».

بيد أن تلك العلاقة الناشئة منذ سنوات الطفولة، والتي ظل يمارسها عبر مراحله السنية حتى الآن، بقيت ضمن دائرة الهوايات له، واحتاجت سنوات حتى صدور القرار الحاسم، وبالتحديد مع العام الأول من الألفية الثانية، في اعتمادها مهنة ومصدر دخل وحيدا له في الحياة.

وكان لقرار اعتماده على مهنة الصيد كمصدر دخل نقلة نوعية كبيرة في حياته، بعد أن تحول المركب الصغير «لانش»، الذي يبلغ طوله 8 أمتار وحجمه طن ونصف الطن، واشتراه خلال مرحلة الهواية لممارسة صيد الأسماك التي كانت تكفيه من الذهاب إلى أسواق السمك، إلى ثلاثة مراكب كبيرة يتراوح طول الواحد منها من 15 إلى 20 مترا وحجم يصل إلى 70 طنا، الآن.

والمفاجأة لدى من ليس على اطلاع على مكاسب هذه المهنة للفرد قد يستغرب حين يعلم أن هذا التحول تم في ثماني سنوات فقط، موضحا الشويكي أن سنوات عمله الخمس الأولى «كان لا يوجد منافسة كبيرة، كما هو حادث الآن بعد أن صار عدد الصيادين الوافدين يفوق 24 ألف صياد، وكان الدخل الشهري الصافي لا يقل عن 20 ألف ريال أيامها».

ويضيف «ولكن الأمر بدأ في التحول نحو الأسفل منذ ثلاث سنوات، خاصة أن العديد من الصيادين الوافدين لا يهتمون بأهمية الحفاظ على حياة الثروة السمكية، فهم يصطادون ما يفوق حاجتهم بهدف الكسب المادي، وكذلك عدم تمكنهم من أساليب الصيد».

وتتمثل تلك الأساليب في أهمية معرفة الصياد عن معرفة المواقيت الخاصة بكل نوع من الأسماك المفضلة لصيدها، فمثلا، والحديث هنا يعود للشويكي، أسماك «الناجل» و«الهامور» و«الشعور» أفضل وقت لصيدها هو بعد صلاة الفجر «وطبعاً هذا النوع من الرحلات القصيرة التي تتم في نفس اليوم بحلول الظهر أو العصر يكون الصياد في المرسى لبيع صيد يومه».

وهناك النوع الثاني من الرحلات التي تستغرق ما بين يومين وثلاثة أيام، بحيث يصطاد أنواعا مختلفة من الأسماك. وهكذا قام خالد الشويكي بترك الوظيفة التي يلهث وراءها ملايين الشبان السعوديين والتحول نحو الصيد، وليتم اختياره مديرا عاما لجمعية الصيادين التعاونية في منطقة مكة المكرمة حالياً.

وعن العبرة التي تعلمها من قصصه مع البحر والصيد، يقول إن «البحر خطير، فهو مليء بالأسرار والمفاجآت، كالشعب المرجانية والصخور، والأسماك التي تعيش في الصخور، والأسماك التي تعيش على أكل الطين».