من أجل إعداد مجموعة جديدة من الطهاة

«نعم سيدي العريف» استبدلت بـ «نعم سيدي رئيس الطهاة»

متنافسون في برنامج «توب شيف» (رويترز)
TT

مطبخ المطعم هو آخر مكان يلجأ إليه صاحب المزاج السيئ. يخاطر مديرو المصانع، الذين يوبخون عمالهم، بمواجهة اتهامات بالتحرش، وينال أساتذة الجامعة، الذين يضعون درجات الطلبة بشدة مبالغ فيها، عقابهم من خلال تقارير الطلاب مجهولة الأسماء، ويواجه محررو المجلات المتعجرفون، الذين يتنمرون على مساعديهم، موضوعات صحافية تكشف أسرار كل شيء، مثل «الشيطان يرتدي برادا». وحتى نجوم السينما، لم يعد متاح لهم أن يظهروا كمنزهين من العيوب، مثلما تعلم كريستيان بال مؤخرا.

ولكن عندما يصرخ طاهٍ شهير، ويتفوه بألفاظ مسيئة، أو يلقي بالأطباق في وجه طاهٍ مساعد، لقيام الأخير بعمل لا يرضي سيده، يرد ضحيته في خنوع: «نعم سيدي رئيس الطهاة». ويعد هذا الأسلوب القديم في تعليم المهنة من أكبر عوامل الجذب في مسابقات الطهي، مثل «هيلز كيتشين» و«توب شيف».

الضغوط والمشاحنات وجهود الفريق حتى اللحظة الأخيرة أشياء اعتدنا عليها، وأصبحت تصاحب المنافسات الواقعية. وتقدم المطابخ الأنيقة صورة جديدة من الاستبداد والخنوع، الذي لم يعد محتملا حتى في تدريبات قوات المارينز الأساسية في جزيرة باريس. وأصبحت «نعم، سيدي رئيس الطهاة» هي النسخة الجديدة من «نعم سيدي الرئيس».

ويبدو أن برنامج الطهي الواقعي الجديد، «ذا تشوبينغ بلوك» على قناة «إن بي سي» يقدم صورة مشبعة للنظام الاستبدادي في المطبخ، والنجم هو ماركو بيير وايت، أكثر رؤساء الطهاة القاسيين المريعين، الذين يتلفظون بأبشع الألفاظ، الذين لعبوا دورا مهما في التحولات التي طرأت على المطبخ والمطعم البريطاني في التسعينات من القرن الماضي.

وايت ألف كتبا خاصة به، ويقدم برامج تلفزيونية، وله مطاعم تحمل اسمه، في بريطانيا. وما يميزه عن غيره من الطباخين هو أنه مدرب غوردون رامزي، الذي أصبح أشهر من معلمه، وأثرى منه. ليس هذا كل شيء، لقد اشتهر بعباراته البذيئة في برامجه التلفزيونية المتعددة، ومطاعمه المنتشرة في كل عواصم العالم. ويقال إن المنافسة بينهما وكرههما لبعضهما بعضا ما زالتا في أوج عزهما. رامزي يقدم برنامج «هيلز كيتشن» على قناة «فوكس» وغيرها من القنوات البريطانية. وايت مثل تشاك بيري، في تفاخره المتهور في المطبخ. لكن يتفوق عليه في عالم الطهي رامزي، وماريو، وحتى جيمي اوليفار، ويمثل هؤلاء في عالم الطبخ ما يمثله مايك جاغار في عالم الموسيقى.

ومن المثير أن وايت، ورامزي، اللذين كانا أصدقاء في السابق، لم يعودا كذلك.

وتقدم قناة «إن بي سي» وايت في صورة ترضي غروره، حيث يقول أحد المتسابقين: «يبدو وكأنه اخترع الطعام تقريبا». لا يدعو برنامج «ذا تشوبينغ بلوك» فعلا مشاهديه للمقارنة بين أساليب الطهي والإدارة، التي يتبعها الطاهيان المتنافسان.

وفي الأغلب، يأتي البرنامج على نقيض من اتجاهين مختلفين خاص بشبكتين. ويحمل برنامج «هيلز كيتشين» جميع سمات البرنامج الواقعي على قناة «فوكس»، من طعن المتسابقين في ظهورهم، ولقطات الكاميرا سريعة الحركة، ونجم تمثيلي مسل. وتظهر مسابقة «إن بي سي» في مظهر فخم ونبرة أخلاقية، من نوعية استرجاع أحداث سابقة عاطفية، والبكاء في أحاديث مع الذات، كما يوجد في برنامج «الخاسر الأكبر». ومن المفاجئ أن وايت لا يطهو في البرنامج، ولا يستعمل حتى لغة مسيئة ولا يصف مساعديه بـ«الأغبياء». وبين كل حين وآخر، يدخل إلى المطبخ ويقدم بعض التعليمات. («لماذا لا تشتري المنتج الكبير فقط وتقدمه في بساطة؟»). وفي الأغلب يجلس في مقعد جلدي بذراعين، مشيرا بإصبعه وهو يحكم بين المتسابقين في رباطة جأش وحيادية صارمة، في نسخة أكثر اهتماما بالتفاصيل من دونالد ترامب، في برنامج «ذا أبرنتايس» (المبتدئ).

ويتخذ وايت موقفا أكثر احتراما من رامزي، ويبدي عدم موافقته على شيء ما بإصدار صوت يعبر عن الامتعاض فقط. ويقول أحد المتسابقين بعد أن قطب وايت جبينه لدى رؤية طبق شريحة اللحم الذي صنعه: «لو كانت هناك لحظة ينفذ فيها شخص آخر إلى روحك، لكانت هذه اللحظة».

وبطريقة ما، تتناسب طبيعة البرنامج الجادة مع هذه الفترات التي تشهد ركودا. ويتكون الفريقان البالغ عدد كل منهما 16 متسابقا من أزواج، متزوجين وأقارب وأمهات وبنات، وجميعهم لديهم قصص عن الحظ السيئ، والعقبات المالية التي تضفي أثرا فاضلا على سعيهم من أجل افتتاح مطعم في نيويورك. ولا يؤثر المتسابقون في الموسم الخامس من «هيلز كيتشين» بمثل تلك الطريقة، فهم يدخنون ويسبون طوال الوقت، والجائزة عبارة عن عمل كرئيس للطهاة في كازينو وفندق بورغاتا في أتلانتك سيتي.

ولا تعتمد أي مسابقة في الطهي تماما على الطهي فقط في إمتاع المشاهدين. ويكلف كل فريق من «ذا تشوبينغ بلوك» بإعادة مطعم مهجور إلى سابق عهده. (ولم يكن البحث عن أماكن يمثل تحديا نظرا لكثر أعداد المطاعم المقفلة في نيويورك). وفي ليلة الافتتاح، يأتي كوربي كومير ناقد الأطعمة في مجلة «أتلانتك» متخفيا. وبعد أن يقترح أحد المتسابقين، الذي يقدم الطعام على الموائد، يتقمص كومير شخصية انتون ايغو، ويشير إلى خطأ النادل في النطق، ويهمس لرفاقه في استهجان حول نطقه لبعض أنواع الطعام. وتتميز مسابقات الواقع، على الأقل الجيد منها، مثل «بروجيكت رانواي» وحتى «أميركا نيكست توب موديل» (أفضل عارضة أزياء في أميركا)، بتأثير أشبه بالتنويم المغناطيسي، ويوجد شيء مؤثر في وضع مجموعة من الغرباء معا من أجل غرض مشترك صعب، إنه دور هيئة المحلفين دون شك.

ولكن توجد خدعة أكبر في برامج الطهي، وهي أن المشاهدين يعيشون مع جميع التوترات، ما بين تقطيع الخضراوات وطهيها، ولكنهم لا يصلون مطلقا إلى المشاركة في النتيجة. وعلى النقيض من المشاهدين الذين يمكنهم رؤية الثياب في برنامج «بروجيكت رانواي»، يعتمد مشاهدو «ذا تشوبينغ بلوك» على رأي الحكم في الطعام. ولا يحلم الجميع بافتتاح مطعم صغير لجميع أنواع الأطعمة، أو الإبداع في صنع الكانابيه، ولكن يشعر الكثيرون بأنهم يجدون أوقاتا أصعب في تعلم مهنتهم عن محدثي النعمة المدللين الأصغر سنا. وبالنسبة لهؤلاء، يناسبهم تماما برنامج «ذا تشوبينغ بلوك».

* خدمة نيويورك تايمز