محمد بلخالي.. صانع الديكور المغربي الذي منح حياة جديدة لعجلات قديمة

يصنع منها طاولات وكؤوساً وأحذية وإطارات الصور والمرايا

محمد بلخالي أمام محله في مراكش («الشرق الأوسط»)
TT

لم يتخيل محمد بلخالي، يوماً، أن تقف أمام محله الصغير المتواضع، أميرة هولندية لتصافحه وهي تبتسم في وجهه، تماماً كما تفعل، حين تلتقي نجوم السينما وأبطال الرياضة ومشاهير وقادة العالم.

داخل محله، الذي بالكاد يبلغ عرضه متراً وطوله ثلاثة أمتار، يجلس بلخالي، وإلى جانبه براد (إبريق) وكأس شاي نصف ممتلئة، وبين يديه مقص تقليدي من الحجم المتوسط وبقايا عجلات مطاطية قديمة لدراجات نارية وهوائية. على واجهة المحل يعلق بلخالي مجموعة صور أخذت له في مناسبات سابقة، بينها صورة مع الأميرة الهولندية ماكسيما، في لباسها الوردي، وهي تصافحه مبتسمة، وصورة جمعته مع وزير مغربي، في لقاء سابق، تسلم خلاله شيكـاً بمبلغ 12 ألف درهم (حوالي ألف دولار)، على هامش مشاركته في إحدى التظاهرات المخصصة للصناع التقليديين.

بعد أن يرحب بك ويقدم إليك بطاقته، حيث تتعرف على اسمه الشخصي والعائلي: محمد بلخالي، وتحته جملة «صانع الديكور والإطار بالعجلات»، وتحت كل ذلك عنوان المحل بـ«رياض الزيتون القديم»، الموجود في عمق المدينة القديمة، على بعد أمتار من قصر البديع الشهير، يعرض عليك بلخالي حكايته مع آلاف الإطارات المطاطية التي منحها حياة جديدة، ووظيفة تختلف عن الغاية التي تم تصنيعها من أجلها.

يتحدث بلخالي بـراحة بال ورضا عن النفس، وبين جواب وآخر يردد أمامك عبارة «الحمد لله»، دليل قناعة وشكر لله على «الشهرة» التي يحظى بها بين السياح الأجانب، إلى درجة أن مصنوعاته وصلت إلى أميركا وفرنسا وإيطاليا والسويد.

في البداية، كان بلخالي يصنع من الإطارات المطاطية القديمة دلاءً، تحت طلب أرباب الحمامات الشعبية. وبعد أن توقف أصحاب هذه الحمامات عن شراء ما يقترحه عليهم من دلاء، نزولا عند إغراء المصنوعات البلاستيكية، تعرضت تجارة ومصنوعات صاحبنا للكساد.

يسترجع بلخالي، في حديث مع «الشرق الأوسط»، الظروف التي نقلته من حال إلى آخر، فيقول: «تراجعت مبيعات الدلاء وصرت أجد صعوبة في تسويق ما أصنعه، وذات يوم، رأيت أن أغلف إطار صورة كانت معلقة على الحائط بقطع من إطار مطاطي. ومن حسن حظي، أنه كان هناك سائح أجنبي يراقب ما أقوم به، قبل أن يقترب من محلي الصغير ويجالسني. وحين انتهيت من العمل الذي كنت «أضيع فيه الوقت»، سألني عن ثمن ما صنعته، وحين قلت مائة درهم، فاجأني وهو يعطيني مائتين. لن أنسى ما حييت فضل هذا السائح الأجنبي، فقد شجعني وفتح أمامي أبواب الرزق بعد أن ضاقت أمامي طرق تسويق دلائي للحمامات الشعبية التي كنت أتعامل معها، وهي الصنعة التي كنت لا أتقن غيرها. رأيت، وقتها، أن ما قام به هذا السائح الأجنبي يمكن أن ينقذ حرفتي ويضمن لي سبل العيش الكريم، ولذلك شرعت، ابتداء من اليوم الموالي، في صنع إطارات توضع فيها الصور والمرايا. كان هذا قبل سبع سنوات، ومع الأيام عملت على تطوير ما أقوم بتصنيعه، حتى صرت أصنع الكؤوس والطاولات والأحذية والثريات، وغيرها».

وحيث إنه نجح في تسويق مصنوعاته فقد قلده آخرون. يقول «كنت أول من أخذ المبادرة، ثم تبعني آخرون، حيث قلدوني في ما أقوم به، بعد أن لاحظوا إقبال السياح على مصنوعاتي. (ثم، ضاحكا) لا أدري إن كان من حقي أن أطالب بحقوق الملكية الفكرية والصناعية، لكني، على الأقل، لا أطلب منهم إلا أن يبيعوا ما يصنعونه بعـزة نفس. إنه لشيء مؤسف أن تطلب مقابلا في بضاعة ثم تجد من يطلب، في مثلها، أقل من الثمن الذي تقترحه أنت».

يتحدث بلخالي عن مصنوعاته بفخر لافت، فيقول: «مصنوعاتي وصلت إلى أميركا والسويد. السياح، الذين يملأون أزقة المدينة القديمة بمراكش، يقفون متعجبين، وهم يشاهدون كيف أن الإطارات المطاطية التي قطعت آلاف الكيلومترات وهي تنقل ركابها، من مكان إلى آخر، وجدت من يمنحها حياة أخرى ويوظفها في غير الحاجة التي صنعت من أجلها».

يوسع بلخالي من مشهد حديثه عن صنعته فيقول: «مسؤولو بعض الجمعيات المغربية، فضلا عن السياح والصحفيين الأجانب، يقولون إنني أساهم في حماية البيئة، ويشددون على أن هذه الإطارات القديمة كان يمكن أن تلوث البيئة، حين يتم حرقها أو إتلافها وإهمالها من طرف أصحابها، وأنني بجمعها وإعادة تصنيعها أمنحها حياة أخرى».

وفي الوقت الذي يتعجب فيه الأجانب ويشجعونه على ما يقوم به، فإن العكس هو ما يحدث مع المغاربة. يقول: «في البداية، كان بعض المغاربة يضحكون ويستهزئون مما أقوم به. ومنهم من لا يزال يقوم بذلك إلى اليوم. ذات يوم سألتني إحدى السيدات المغربيات عن ثمن إطار مرآة مصنوع من إطارات الدراجات النارية، كنت أعرضه ضمن ما أعرضه من مصنوعات. طلبت منها ثمناً «مغربياً»، في حدود 350 درهما. كان إطاراً كبيراً تطلب مني ثلاثة أيام من العمل. حين سمعتْ السعر المقترح استنكرته، واستهزأت مني قائلة: «ألم تجد ما تقوم به غير صنع هذه التفاهات؟». والطريف أني سأبيع هذا الإطار لسائح أجنبي، بعد أيام من ذلك، بمبلغ 800 درهم».

يشتري بلخالي عجلات الدراجات بدرهم ونصف وعجلات السيارات بخمسة دراهم، قبل أن يجلس في محله الصغير ليصنع منها مصنوعات من دون تخطيط مسبق. يقول: «أضع الإطار المطاطي بين يدي وأحرك المقص بتلقائية قبل أن أنتهي إلى شكل يمكن أن يكون كأساً أو صندلا أو إطار صورة أو مرآة».

يقول بلخالي إن أغلب زبائنه هم السياح والأجانب الذين استقروا بالمدينة الحمراء، وأنه يتعامل مع أصحاب دور الضيافة، ممن يوظفون الديكورات التقليدية في التأثيث لهذه الدور، قبل أن يضيف، قائلا: «صار هناك أجانب يطلبون مني أن أصنع لهم كميات كبيرة ليعيدون بيعها في بلدانهم. وأنا أشتغل هذه الأيام على طلبية تقدم بها أحد المغاربة المستقرين بالسويد. والطريف أن سويديين، سبق لهم أن زاروا مراكش واشتروا مني مصنوعاتي، هم من دلوه على محلي، هنا في مراكش».

وجواباً عن سؤال إن كان ممثلو ومندوبو ووكلاء الشركات العالمية المصنعة للإطارات المطاطية أخذت علما بما يقوم به، قال بلخالي: «أحد الصحفيين الفرنسيين حاورني، قبل أسابيع، وأخذ نماذج من أعمالي، وقال لي إنه سيعرض ما أقوم به على مسؤولي شركة «ميشلان»، وأنهم قد يبعثون لي هدية، تشجيعا لي وشكراً على ما أقوم به من إشهار (إعلان) لشركتهم، خاصة وأني أحتفظ باسم هذه الشركة الفرنسية على الإطارات التي أصنعها».

وحيث إن مراكش تشتهر بأنها مدينة لا يخلو بيت فيها من دراجة نارية أو هوائية، وذلك لسهولة التنقل بها عبر أرجاء المدينة، فإن الأزقة بقدر ما تمتلئ بالراجلين تختنق بضجيج الدراجات النارية. وحين تمر الدراجات النارية والهوائية أمام محله، يكتفي بلخالي بتركيز عينيه على عجلاتها. وحين تسأله عن شعوره وهو يتابع كل تلك الدراجات تمر أمامه، يجيبك ضاحكا: «مهما قطعت من كيلومترات، ستنتهي إطاراتها المطاطية بين يدي لأحولها إلى كؤوس وطاولات وصحون وإطارات للصور والمرايا».