فنان الغرافيك شيبرد فيري.. من معاد للسلطة إلى مروج لها

صاحب ملصق حملة باراك أوباما للرئاسة في معهد الفن المعاصر

ما يزيد على 80 في المائة من المعروضات أنتج منذ عام 2003 («نيويورك تايمز»)
TT

شيبرد فيري مصمم غرافيك موهوب من لوس أنجليس حقق نجاحين كبيرين مع الجماهير. وتظهر صلات مثيرة بين القصتين عندما تلقي نظرة على أعمال فيري في معهد الفن المعاصر هنا، وكذلك أيضا الحدود المدهشة لهذه الأعمال.

وكان تأثير فيري الأول تجاريا، تحت عنوان «أطع العملاق»، وهو مشروع لفن الشارع أطلق عام 1989 وتطور ليصبح سوقا شبابية منتعشة من الملصقات والزينة والمفكرات والمنتجات الأخرى. وكان مشروعه الثاني سياسيا، وهو عبارة عن ملصق لعام 2008 مصمم خصيصا لتأييد طموحات باراك أوباما الرئاسية، الذي سريعا ما تبناه المرشح وأعداد متزايدة من مؤيديه.

لقد أصبح «أطع العملاق» مشروعا مدرا للربح، وأصبح ملصق «أمل أوباما» صورة تعبر عن الحملة الناجحة.

ويمتلك المصمم، 39 عاما، الذي تعرض أعماله تحت اسم «شيبرد فيري: العرض والطلب» في معهد الفن المعاصر، مفردات تصويرية محدودة. ولكن لا يمكن إنكار النجاح المستمر منذ 20 عاما لمشروع «أطع العملاق»، ولا تأثير ترسيخ ملصق «أمل أوباما» في الوعي الشعبي خلال الحملة الانتخابية. وإذا لم يضف أي من العملين أي شيء إلى الفن أو السياسة المناهضة للثقافة، فمن المؤكد أن كليهما يستحق التقدير.

وتعد أعمال فيري في مجال تصميم الغرافيك مثل التوزيع الموسيقي في موسيقى البوب. وتحتوي قائمة مصادره على مذهب الفن البنائي الروسي الدعائي (للفنانين فارفارا ستيبانوفا والأخوين ستينبرغ وأليكساندر رودشينكو)، وأسلوب أندي وارهول في الطباعة على نسيج حريري والتباين الشديد في الألوان، وصور إخبارية لمصورين مجهولين (فمثلا تسبب استخدام صورة من «أسوشييتد برس» لأوباما في رفع دعوى قضائية ضده)، ومطبوعات الحكومة الأميركية (من طوابع وعملات وكتيبات)، وصور بارابارا كروغر المصغرة بالألوان الأحمر والأبيض والأسود مع نصوص وإعلانات وورشة عمل لصور غرافيك شعبية مكسيكية ترجع إلى الأربعينات، وإعلانات عن الحرب الباردة، والكثير.

وجميع هذه الأشياء صور شعبية. يجمعها فيري ويقصها ويلونها، ودائما ما يطبعها على الحرير وأحيانا يضيف تلوينا يدويا. وفي بعض الأحيان يطبعها على ورق أبيض أو أبيض ضارب إلى الصفرة. ومن المثير للاهتمام أن جميع المطبوعات يغطى بقوالب تزيينية.

وتتميز هذه الأسطح بهالة من الحنين إلى الماضي. وكأنها ورق حائط قديم الطراز في غرف قديمة، تتذكرها جزئيا من زيارات الطفولة إلى منزل جدتك. ويزداد الشعور بالتآكل وبقايا الملصقات الممزقة.

وبدأ مشروع «أطع العملاق»، عندما كان فيري، الذي ولد في كارولاينا الجنوبية، طالبا يبلغ من العمر 19 عام في كلية جزيرة رود للتصميم في بروفيدنس، التي تبعد 50 ميلا جنوب بوسطن. وقد صنع ملصقات من اللونين الأبيض والأسود تحمل صورة مصارع محترف وزنه 520 رطلا وطوله 7 أقدام و4 بوصات، بالإضافة إلى العبارة الأسطورة: «أندريه العملاق لديه جمهور». ووضع فيري وأصدقاؤه الملصقات على جميع الأسطح المتاحة: نوافذ المحلات وكبائن الهواتف والجدران والأسوار. وامتزج هوس مرحلة ما قبل المراهقة بالملصقات في الثمانينات بفترة ميلاد علامات زرقاء للألبومات وشيء ما غريب ورائع.

إذا كنت تعرف من هو أندريا، يمكنك أن تقبل أو ترفض أن تكون من جمهوره، أي نادي مشجعيه. وإذا لم تكن تعرف، فيبقى لك أن تتعجب من مغزى هذه الثقافة الغامضة.

وفي النهاية أصبحت الصورة مصقولة. وظهرت صورة واضحة بالحبر الأسود على خلفية بيضاء فوق كلمة «أطع»، على خلفية حمراء براقة. ومع اختلاف العناصر تحول هذا لفكرة رئيسة في صورة أوباما.

وكان مصدر الإلهام في «أطع العملاق» هو فيلم الخيال العلمي الكوميدي المثير «إنهم يعيشون» لجون كاربنترن، وهو فيلم من عصر ريغان كانت فيه الطبقة الحاكمة الأميركية مكونة بالفعل من مجموعة من الغرباء، الذين يحتفظون بالثروة والسلطة من خلال استغلال أساليب دعاية لا يمكن إدراكها. ويكتشف بطل الفيلم الأسمر جورج نادا، الذي لعب دوره المصارع رودي بيبر، نظارة سحرية تسمح له لدى ارتدائها برؤية كلمة «أطع» على كل لوحة إعلانات في الشارع.

ماذا كان يعني مشروع «أطع العملاق» الذي أقامه فيري؟ لا شيء فعلا. وكانت الملصقات واللوحات تشكل تعبيرا عاما عن الحماس الخاص الذي يتحدث عنه بحرية ومن دون إذن اجتماعي من السلطات في ساحة محفوظة غالبا من أجل البيع والأعمال التجارية. وكان هذا كافيا في أميركا.

وكتبت إميلي مور بروليت، أمينة المعرض المساعدة (مع بيدرو ألونزو) في كتاب كبير: «يستخدم مشروع أطع العملاق لغة وجماليات الدعاية، ولكنه لا يدعو إلى شيء». وهي على حق نسبيا. عندما كان فيري مغمورا، كانت الصورة تمتلك القوة للتسبب في الارتباك، لينتج عنها سؤال بسيط في ذهن المشاهد: «ما هذا الشيء؟» وتسبب غياب إجابة واضحة، بعيدا عن جميع صور الغرافيك التي تحيط بنا كل يوم، في اضطراب الذهن.

ولكن بالنسبة لمشروع «أطع العملاق»، انتهى هذا الاضطراب. وأجاب النجاح عن السؤال: «ما هذا الشيء؟»، «إنه عمل لشيبرد فيري.» وحل محل الاضطراب اسم تجاري تقليدي. وكان وجود اسم تجاري قوي جيد من أجل العمل، ولكن أيضا هناك إدعاءات بأن أعماله غير لائقة اجتماعيا وتشجع على التمرد.

وبعد تقديم المعرض تفسير «أطع العملاق»، يظهر المعرض وفقا للمواضيع. وتسود فيه صور تقليدية عن الحرب والسلام وموسيقى البوب، مع تصميمات لأغلفة الكتب، روايتي جورج أورويل «1984» و«مزرعة الحيوانات»، بالإضافة إلى أغلفة مجلات «ماد» و«تايم». ويعرض المعرض الأخير أعمالا هائلة تدور أفكارها حول المال والسلطة، والعملة القوية التي وضعت إلى جانب السلطة الخاصة والأشغال العامة كوجه آخر للعملة الفيدرالية.

وبسبب أسلوب التوزيع، يبدو المعرض مألوفا تماما، على الرغم من أن المصدر قد يكون أكثر إبهاما من وارهول وستيبانوفا.

منذ ما يزيد على أربعين عاما، قام روبرت دود، الفنان الصغير من لوس أنجليس الذي تعرض أعماله حاليا في متحف ويزمان في جامعة بيبيردين، بإنتاج أعمال مشابهة سياسية الاتجاه باستخدام عملة أميركية مبدلة. ويظهر طابع بريد من صنع دود عام 1964 في ملصقات فيري المناهضة لحرب العراق، والتي تحيل صورة نبع ماء أولد فايثفول في يلوستون إلى انفجار قنبلة على جانب الطريق.

وقد تم تناول التوترات السياسية غير المتناغمة بين الفن والدعاية أيضا بصورة أكثر قوة في الماضي. لقد أدخل إعلان «كريس بردن برومو» التلفزيوني عام 1976 اسم الفنان الشاب الطموح المغمور إلى قائمة المشاهير التي تضم ليوناردو ومايكل أنجلو وفان غوخ. واليوم، يظل أسلوب «ما هذا الشيء؟» مؤثرا.

وعلى النقيض، تعد إدعاءات فيري بالتشكيك في السلطة عبر تدخلات معادية للمؤسسة الحاكمة غير ممتعة. إن فكرة «أطع العملاق» أصبحت صناعة الآن، مثل «هيلو كيتي» (مرحبا كيتي). وفي الحقيقة، فإن أكثر ما يميز تصميمات فيري هو اعتبار الدعاية صورتها الوظيفية. وهو يستخدم أسلحة الدعاية من تكرار وطلب من السلطات وأوامر مباشرة وتحريك للأعلام والمزيد. ولكن لم يحقق مثل هذا التأثير الجيد كما فعل مع ملصق أوباما الرائع بالألوان الأحمر والأبيض والأزرق، وما يريده المرشح السياسي أن تكون صورته مميزة في أكبر نطاق ممكن من الإدراك العام. ويأتي هذا نقيض التشكيك في السلطة، في ملصق يحشد المؤيدين، أوباما لديه جمهور، وهو ما يجعل للصورة غرضا سياسيا.

وفي معرض معهد الفن المعاصر، إنه المتحف وليس الفن، الذي يقاوم التأثير السياسي. وعلى الرغم من أنها نظرة على أعمال تمتد على مدار عشرين عاما، فإن ما يزيد على 80 في المائة من المعروضات أنتج منذ عام 2003. ويقدم المعرض فيري في عصر يعرفه الغزو الأميركي الذي يمكن وصفه بغير الشرعي للعراق، وهو ما يظهر فقط أن هذه الأعمال بلا أنياب.

* خدمة «نيويورك تايمز»