حكاية الفلسطيني وائل زعيتر غير المكتوبة تعرض في متحف غوغنهايم

ترويها ابنة بلده الفنانة أميلي الجاسر

لجأت الفنانة إلى عرض قاعة لرفوف مكتبة تحتوي على ألف كتاب جميع صفحاتها بيضاء، وقد ثقبت كل الصفحات بعد أن أطلقت عليها الرصاص مستخدمة مسدسا من عيار 22 ملم، وهو المسدس نفسه الذي استخدمه القتلة في اغتيال وائل زعيتر («الشرق الأوسط»)
TT

كان المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ، في فيلمه «ميونيخ»، الذي روى قصة عمليات الاغتيالات، التي استهدفت قيادات وشخصيات فلسطينية، التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية (الموساد) إثر العملية التي قامت بها جماعة أيلول الأسود، في خطف وقتل مجموعة من رياضي إسرائيل المشاركين في صيف ميونيخ للألعاب الأولمبية عام 1972، قد تجاهل الجانب الروحي والثقافي والفني للفلسطيني وائل زعيتر، الذي اغتالته الموساد في روما عاصمة إيطاليا سنة 1972. لكن في معرضها الذي استضافه متحف غوغنهايم المتميز ببنايته ذات الطوابق الحلزونية، التي تذكرك بتصميم مئذنة ملوية مدينة سامراء بنيويورك، حرصت الفنانة الفلسطينية آميلي الجاسر على توثيق وسرد حكاية وائل زعيتر، كمثقف وكفنان وشاعر وممثل للقضية الفلسطينية في روما، وأرادت الفنانة الجاسر، التي تقيم في نيويورك، أن تحكي حكاية وائل زعيتر، التي لم تكتب. وقد حرصت في معرضها المقام تحت عنوان (مادة لفيلم) على جمع كل ما يتعلق بالشهيد وائل زعيتر، منذ طفولته وحتى يوم مقتله وحيدا في العاصمة الإيطالية. ولجأت في معرضها الذي ضمته إحدى قاعات متحف غوغنهايم، إلى أسلوب فن التراكيب في جمع المادة، التي تنوعت بين الصور الفوتوغرافية وشريط الفيديو إلى الرسائل وإلى التدوين. وشاءت الفنانة آميلي الجاسر، الحاصلة على جائزة «الأسد الذهبي» في بينالي فينيسيا، وعلى جائزة «هوغو لوس» الشهيرة لعام 2008، التي يمنحها متحف غوغنهايم مرة كل سنتين بالاشتراك مع المؤسسة الألمانية، التي تحمل اسم الجائزة نفسها، أن تجعل من المعرض نصبا تذكاريا لوائل زعيتر، الذي اغتيل مع شخصيات فلسطينية أخرى مثل غسان كنفاني، وكمال ناصر، ومحمود الهمشري، وآخرين. وعن اختيارها لوائل زعيتر، توضح الجاسر، في حديث مع «الشرق الأوسط"» قائلة: «نظرا للقرابة الروحية التي وجدتها مع وائل زعيتر، لكونه عاش في روما التي عشت فيها، ونظرا للجانب الثقافي والفني في شخصية زعيتر». والفنانة، التي تقيم في نيويورك، توزع وقت عملها ما بين روما ومدينة رام الله ونيويورك، وهي تحرص على توثيق الحياة اليومية للمنفى الفلسطيني، وهي تجد في فن التراكيب آلية لتوثيق حكايات المنفى بكل تفاصيلها وتجلياتها. وربما من المفارقات التراجيدية في حياة وائل زعيتر، أنه كان يحمل في جيبه جزءا من حكايات ألف ليلة وليلة بطبعة مصرية قديمة، يوم أطلق عليه عملاء الموساد 13 رصاصة لاغتياله، وكان يخطط لترجمة الحكايات إلى اللغة الإيطالية، وقد اخترقت إحدى الرصاصات صفحات ذلك الجزء من الحكايات. وقامت آميلي الجاسر، بتصوير تلك الصفحات التي احتلت جدارا كاملا من جدران المعرض. ولجأت الفنانة إلى عرض قاعة لرفوف مكتبة تحتوي على ألف كتاب جميع صفحاتها بيضاء، وقد ثقبت كل الصفحات بالرصاص، بعد أن أطلقت عليها آميلي الجاسر الرصاص، مستخدمة مسدسا من عيار 22 ملم، وهو المسدس نفسه الذي استخدمه القتلة يوم اغتيال وائل زعيتر. وكأنها تحاول في هذا التركيب أن تعيد رواية إحدى حكايات ألف ليلة وليلة التي تروى، وهي حكاية الحكيم اليوناني، الذي أهدى للملك الذي أراد قتله كتابا بصفحات بيضاء مسمومة. وهي بهذا التركيب تأخذ المتلقي نحو البياض المجهول المفتوح على كل الاحتمالات، أو نحو المطلق ببياضه الشاسع، الذي يواجه مصير الفلسطيني. وقد استلهمت آميلي الجاسر، مشروع عرضها الساحر من فصل من كتاب أعده السينمائيان إليو بيتري، وأغو بيرو، تحت عنوان «الفلسطينيين: في ذاكرة وائل زعيتر». والكتاب يضم مجموعة من المقالات والقصائد إضافة إلى حوارات أجريت مع أصدقاء وائل زعيتر. وكان يتطلع المخرجان إلى إنتاج فيلم عن زعيتر، ولكن لم يتمكنا من تحقيق المشروع، وشرعت آميلي الجاسر في تحقيق المشروع بجمع كل الوثائق والصور وأشرطة وكتب ورسائل وبوسترات ومنشورات لجمعها في هذا المعرض، الذي يقدم سردا تاريخيا لحياة وائل زعيتر، وتقدم كل ما هو حميمي وخاص في حياة الضحية، فنجد رسائل مكتوبة بخط يده، وصورة تجمعه مع الكاتب الإيطالي البرتو مورافيا، وجزءا من فيديو لفيلم أميركي لعب فيه وائل زعيتر دور النادل، يضاف إلى ذلك أغلفة لكتب باللغة الإنجليزية والفرنسية وجدت في شقته بعد اغتياله. ونجحت آميلي الجاسر في معرضها الروائي أن تعيد حياة وائل زعيتر، بعد مضي 37 عاما على رحيله في أشهر متحف من متاحف نيويورك.