ماذا يريد أطفال ديزني؟

خبيرة بالمؤسسة تدخل إلى عقولهم ودواليبهم بحثا عن الإجابة على السؤال

الشركات الإعلامية تتنافس فيما بينها منذ فترة من أجل التعرف على عناصر الجذب في إطار سوق الترفيه المعنية بالصبية («نيويورك تايمز»)
TT

في مساء قريب، كانت كيلي بينا، أو «هامسة الأطفال»، مثلما يحلو لبعض منتجي هوليوود أن يطلقوا عليها، تفحص دولابا يخص صبيا في الثانية عشر من عمره. وتمثلت المهمة السرية التي كانت تقوم بها في الكشف عن الأشياء التي تجذب انتباهه، واستغلال النتائج في مساعدة شركة «وولت ديزني» على تعزيز مكانتها كقوة ثقافية مؤثرة في أوساط الصبية. وخلال مهمتها الاستكشافية، ركزت بينا، التي تعمل باحثة لدى شركة «وولت ديزني» ولها خبرة بالعمل في قطاع الكازينوهات، اهتمامها على قميص رث المظهر أسود اللون. وعن هذا القميص، قال دين، وهو صبي خجول طلب والداه الإشارة إليه باستخدام اسمه الأول: «عند ارتدائي هذا القميص أشعر وكأنني في طريقي نحو مشاهدة أفلام لا يسمح لمن هم دون السابعة عشر بمشاهدتها دون رفقة شخص بالغ». قضت بينا وفريق العمل المعاون لها من الخبراء بمجال علم الأنثروبولوجيا 18 شهرا في محاولة التسلل إلى داخل أذهان الصبية الكتومين بحثا عن أي محفز سيكولوجي. يذكر أن «ديزني» تعتمد على آراء بينا في إنتاج مواد ترفيهية جديدة للصبية الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والرابعة عشر، وهي فئة عمرية اعتادت الشركة الهيمنة على المشاهدين المنتمين إليها عندما كانت تطلق أفلاما من نوعية «ديفي كروكيت». أما الآن، فقد خسرت الشركة هذه الهيمنة نتيجة تحولها لإنتاج أفلام تولي اهتماما أكبر بالبنات عن البنين، مثل «هنا مونتانا». وباستطاعة الأطفال التعرف على نتائج البحث الذي أجرته بينا على قناة «ديزني إكس دي»، وهي قناة كابل جديدة، وكذلك على الموقع الإلكتروني disney.go.com/disneyxd. وعلى سبيل المثال، لم يكن من قبيل المصادفة أن تتمثل الشخصية الرئيسية في مسلسل «آرون ستون» لاعب كرة سلة عادي. ويرجع اختيار هذه الشخصية إلى أن بينا (45 عاما)، أشارت على المنتجين بأن الصبية يميلون إلى التعلق بالأبطال الذين يكدون من أجل الوصول إلى النجاح. وفي هذا الصدد، أعربت بينا عن اعتقادها بأن: «الفوز من منظور الصبية ليس على ذات القدر من الأهمية الذي يظنه مسؤولو هوليوود». والآن، صدرت تعليمات إلى الممثلين بحمل ألواح التزلج على نحو عكسي، بحيث تصبح الجهة السفلى باتجاه الخارج. (يذكر أن بينا توصلت إلى أن الصبية يحملون ألواح التزلج على هذا النحو في الحياة الواقعية، سعيا لإضفاء طابع شخصي مميز). ويعمد موقع «ديزني إكس دي» على شبكة الإنترنت في الوقت الحاضر إلى عرض المزيد من قصص النجاح والإنجاز. (توصل البحث إلى أن اهتمام الصبية ينصب بدرجة أقل على المستوى الذي تم تحقيقه في إطار مباراة ما، بينما ينصب قدر أكبر من اهتمامهم على التشارك في الإنجازات الصغيرة). وجدير بالذكر أن الشركات الإعلامية المعنية بالشباب على نحو خاص، غالبا ما تنأى عن مناقشة نتائج مثل هذه الأبحاث خشية اتهامها باستغلال البحث العلمي لممارسة قدر مفرط من التأثير على عقول الشباب. ومع ذلك، يبدو أن «ديزني» تشعر بفخر بالغ حيال «مقر رئاستها الجديد المعني بشؤون الصبية» لدرجة دفعتها لاتخاذ إجراء استثنائي بالكشف عن عناصر الجذب العاطفي التي يجري دمجها بحرص داخل المواد الإعلامية الترفيهية الموجهة للأطفال. والملاحظ أن الجهود البحثية التي بذلتها الشركة بهذا المجال بنفس ضخامة الأرباح المحتملة، ذلك أن الصبية ما بين 6 و14 عاما يمثلون مصدر قرابة 50 مليار دولار من الإنفاق على مستوى العالم، طبقا لما توصل إليه باحثون معنيون بالسوق. حتى الآن، تقتصر المبادرة التي أطلقتها «ديزني» على قناة «إكس دي»، لكن الشركة تأمل في أن تنجح القناة في عرض برنامج يحرز نجاحا هائلا على غرار ما حققه فيلم «هاي سكول ميوزيكال». باستثناء «كارز»، تعاني «ديزني»، التي أنتجت للعالم «الأميرات» و«جوناس برازرز» و«بيكسي هولو»، الذي يعد بمثابة عالم كامل جرى بناؤه حول عالم الجنيات، من ضعف واضح في المواد الترفيهية الموجهة للصبية التي حققت نجاحا تجاريا كبيرا. كلا فيلمي «قراصنة الكاريبي» (كاريبيان بايرتس)، و«قصة دمية» (توي ستوري) يمران بحالة أشبه بالسبات في الوقت الراهن.

وبالرغم من أن الصبية يشكلون 40 في المائة من مشاهدي قناة «ديزني»، تعد الفتيات المحرك الرئيسي وراء المبيعات التجارية المرتبطة بالقناة. على الجانب الآخر، تمكنت بعض الجهات المنافسة مثل «نيكلوديون»، و«كارتون نتورك» من إحراز نجاحات كبيرة في اجتذاب الصبية بإنتاجها مسلسلات عنيفة مثل «ذي فيلري أودبيرنتس»، و«ستار ورز: ذي كلون ورز». وتبدي «نيكلوديون» على نحو خاص استهزاءها بمحاولات «ديزني» الأخيرة. في هذا الصدد، قالت كولين فاهي رش، نائبة رئيس شؤون الأبحاث لدى «إم تي في نتوركس»، التي تشمل «نيكلوديون»: «لقد وضعنا كتابا يتناول هذا الأمر برمته». والواضح أن الشركات الإعلامية تناضل منذ فترة من أجل التعرف على عناصر الجذب في إطار سوق الترفيه المعنية بالصبية. والمعروف أن «نيوز كوربوريشن» خاضت مجازفة كبيرة بالمراهنة على الصبية في أواخر التسعينات، عبر «فوكس كيدز نتوركس» و«بويز تشانل» التابعتين لها. إلا أن كليهما مني بالفشل، وأثارا انتقادات بالفصل بين النوعين (خاصة مع وجود غيرلز تشانل) وتعزيز الصور النمطية. وبوجه عام، تنطوي مسألة اجتذاب الصبية على صعوبة أكبر لعدة أسباب، منها أنهم يميلون للتنقل بسرعة أكبر عن نظرائهم من الفتيات بين ممارسة النشاطات الرياضية ومشاهدة التلفزيون وممارسة ألعاب الفيديو خلال أوقات الفراغ. كما أن هناك صعوبة أكبر في تفهمهم، ذلك أن الاعتقاد السائد بأن الفتيات أكثر استعدادا للحديث عن مشاعرهن غالبا ما يكون صحيحا. بالنسبة للفريق المعاون لبينا، نجد أنه يضم أفرادا ذوي خلفيات في مجالي الأنثروبولوجيا وعلم النفس. لكن بينا نفسها تخصصت خلال دراستها الجامعية في الصحافة، ولم يراودها الاعتقاد قط أنه سيأتي يوم تتعامل فيه مع الأطفال. وفي الواقع، استقت بينا خبرتها بمجال الأبحاث المرتبطة بالمستهلكين من عملها في الكازينوهات. ومن ناحيتها، قالت بينا: «بدا أن الأطفال يتحدثون بحرية أمامي». يذكر أنه في بعض الأحيان، جرى تنفيذ البحث في مجموعات، وفي أحيان أخرى تضمن مرافقة بينا لأحد المراهقين ووالدته في جولة تسوق (وأحيانا كان يصاحبهم مصور فيديو). ولم يتم إطلاع الأفراد الذين شملتهم الدراسة، وجرى اختيارهم على نحو عشوائي من قبل شركة معنية بأبحاث السوق، بأن الدراسة تخص شركة «ديزني». وحصل كل طفل مقابل مشاركته على 75 دولارا. وأثناء تجولها في منزل الصبي دين في إحدى ضواحي لوس أنجليس على الجانب الخلفي من تلال هوليوود، تطلعت بينا نحو مؤشرات واضحة حول ما يروق للصبي دين وما لا يروق له. وقبل الشروع في إجراء الدراسة، أوضحت بينا: «تحمل الأشياء الموجودة في الجزء الخلفي من الأرفف ولم يقدم على التخلص منها دلالة مهمة. ومن التساؤلات المهمة: ماذا يوجد على الجدران؟ وكيف يتفاعل مع أشقائه؟». وتتمثل إحدى النتائج الكبرى التي أسفرت عنها زيارة بينا لدين على مدار ساعتين، في أنه بالرغم من محاولته التحدث كصبي ناضج والتحلي بنبرة لا مبالية في إجاباته، فإنه ما زال يحمل طفلا بداخله، حيث تغطي سريره ملاءات تحمل صور ديناصورات، ويحتفظ بدمى على شكل حيوانات أسفل سريره. وجدير بالذكر أن هذه النوعية من الأبحاث المكثفة سبق وأن عادت بفائدة كبيرة على «ديزني» من قبل. وقد اتبعت آن سويني، رئيسة «ديزني إيه بي سي تلفجن غروب»، هذا النهج في إطار سعيها لإعادة بناء «ديزني تشانل» منذ عقد مضى. وفي هذا السياق، أشارت سويني إلى أن: «ينبغي البدء بالأطفال أنفسهم. إن البيانات تكشف معدلات المشاهدة بين الصبية اليوم، لكنها لا تكشف عما يفتقر إليه السوق». وفي الوقت الذي تستهدف «ديزني إكس دي» الصبية وآباءهم، فإنها تنوي أيضا استهداف الفتيات ببرامجها. وفي هذا الصدد، أكد ريتش روس، رئيس شركة «ديزني تشانلز وورلدوايد»، أن عصر عزلة الفتيات ولت إلى غير رجعة. وفي إطار البحث الذي أجرته بينا حول فتية ينتمون لمختلف الأسواق والثقافات، وصف المشاركون بالبحث المواد التلفزيونية الموجهة إليهم بأنها «تسلية لا غاية من ورائها»، لكنهم أعربوا عن رغبة قوية في وجود قناة جديدة تعرض «تسلية هادفة»، حسبما أوضح روس. واستطرد موضحا أن أسلوب تفكير هوليوود في هؤلاء الصبية اتسم بضيق بالغ في الأفق. وتكشف الإحصاءات الصادرة عن «نيلسن ميديا ريسيرش» أن «ديزني إكس دي»، التي استحوذت على «تون ديزني» التي كانت تعاني من مشكلات كبيرة، نجحت في تحسين مستوى المشاهدة في القناة السابقة لها في وقت الذروة بنسبة 27 في المائة في أوساط الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاما. إلا أن النسبة الأعظم من هذه الزيادة جاءت من جانب الفتيات. وارتفعت نسبة المشاهدة بين الصبية بين 6 و14 عاما بنسبة 10 في المائة تقريبا.

* خدمة «نيويورك تايمز»