جازان: أسماك الحريد تتقافز نحو شباك الصيادين

بمشاركة الأطفال والرجال والنساء

وسط حضور كبير تجاوز 10 آلاف شخص، ترأسه الأمير محمد بن ناصر، أمير منطقة جازان، قدمت فتيات من أطفال فرسان ألوانا مميزة من الفنون المحلية («الشرق الأوسط»)
TT

بعد انتظار طويل، امتد لأشهر عديدة، بدأ سكان جزيرة فرسان يلملمون سلالهم المدعمة بالحبال والأسلاك لتلقف أسراب سمك الحريد وهي تتقافز طوعا في اتجاه الشباك على مدى الشاطئ الأبيض الذي يلف الجزيرة.

للسنة السادسة على التوالي، أحال أهالي جُزر فرسان والصيادون هذا الحدث إلى مهرجان سنوي، يحتفلون فيه مع سياح قادمين من الخارج وزوار من جميع دول العالم، فالكل يذهب إلي الحريد في احتفال مسائي مميز يزينه الحضور الكبير، وتعطره نسائم البحر التي تختلط بالأهازيج التراثية والوطنية، مجسدة عادات وتقاليد عريقة لأهل المكان، تستحضر أعمال البحر وتجارة اللؤلؤ والمرجان، تجسيدا لحوار تليد مستديم، حوار الأرض والبحر.

استقبل الفرسانيون ليلة الحريد بالأهازيج والأشعار إحياء لمناسبة قدوم سمك الحريد، مؤثرين بأصواتهم الموحدة على من حضر ليميل شوقا وطربا مع الأشعار والألحان المميزة للمناسبة.

بدأت الليلة بلعبة الدانة، وهي لعبة جماعية تتميز بإيقاع عاطفي ممزوج بشجون وآهات فرسانية، سهولة أدائها لحنا ورقصا شجعت الجميع على المشاركة. ثمانية أنواع من الألحان في أغنية واحدة تتكون من مقطعين، كل مقطع ثلاثة أبيات، يغني الشاعر المقطع الأول، ليحفظه المشاركون في الرقصة ويرددوه في أثناء أدائها, أما المقطع الثاني فيردده الشاعر فقط بعد صمت المشاركين.

ومن المظاهر المألوفة في ليلة الحريد إقامة الاحتفالات الشعبية في بيوت الزواج، خصوصا بيت العروس التي تزوجت في ذات العام، أي أن يكون هذا الموسم هو الأول لعمر زواجها، وتتخذ هذه الأفراح طابعا خاصا حيث تجتمع النساء في بيت العروس من عصر أول يوم يخرج فيه الحريد إلى الشاطئ.

ووسط حضور كبير تجاوز 10 آلاف شخص، ترأسه الأمير محمد بن ناصر، أمير منطقة جازان، قدمت فتيات من أطفال فرسان ألوانا مميزة من الفنون المحلية، منها زفة العروس، وهن يرتدين فساتين مميزة تعكس تنوع البيئة، معتمرات على رؤوسهن أجمل أنواع الفل والقريشي، وناقشات كفوفهن بالحناء الضاربة إلى الحمرة.

ومع شروق شمس يوم الخميس، بكر الفرسانيون والحاضرون من خارج فرسان من الأطفال والبنات والشباب في الذهاب إلى الشاطئ، تراصوا انتظارا لصافرة البداية لينطلق الكل في تجميع أكبر عدد من سمك الحريد, وقبل أن يعطي الأمير محمد بن ناصر إشارة البدء بالصيد انطلق المتسابقون بشكل مفاجئ ليصيدوا سمك الحريد. طلال محمد الفرساني في السنة الثانية من عمره، كان أصغر الصيادين في هذا الموسم، يمسك شبكة صيد بإحدى يديه بينما الأخرى لا تفارقها قطعة الحلوى، كأنه يمازج بين لذة الأخيرة وإثارة الصيد.

طفلة فرسانية ظلت تبكي بحرقة، سألها أحد الصيادين فأشارت بيدها صوب يده التي تحمل الشبكة، فما كان منه إلا أن يناولها إياها، فعادت ابتسامتها تملأ وجهها من جديد، فاليوم عيد للجميع ـ كما قال الصياد.

عبد الرحمن الساحلي مدير تقنية المعلومات بأمانة منطقة جازان، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الموسم السادس من المهرجان حظي بحضور فاق كل التوقعات، وقال: «عدد الحضور تجاوز 10 آلاف شخص من جميع الأعمار، وقد فاز في المسابقة خمسة صيادين، بينهم من الأهالي وأيضا بعض المشاركين، وجاء في المركز الأول صياد حقق 29 كيلوغراما من الحريد».

اللواء بحري عواد بن عيد البلوي، رئيس الاتحاد العربي السعودي للرياضات البحرية، زف لـ«الشرق الأوسط» نبأ تضمين مسابقة صيد سمك الحريد إلى الاتحاد العربي في العام المقبل، وقال: «تمت موافقة الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب، بأن ينظم صيد الحريد في الموسم القادم، ويكون تحت أشراف وتنظيم الاتحاد العربي، وستكون أيام المهرجان متعددة بدلا من يومين، بهدف مشاركة أكبر عدد ممكن في الفعاليات».

وكان الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أمير منطقة جازان قد دشن الأربعاء عددا من المشروعات التنموية بمحافظة فرسان جنوب غربي السعودية، بتكلفة تتجاوز 59 مليون ريال، وذلك خلال الاحتفال بفعاليات مهرجان الحريد الثقافي السنوي السادس. وحوّل أهالي الجزيرة فعاليات صيد سمك الحريد إلى معرض ومهرجان كبير حوى العديد من الأعمال ضمن قرية متكاملة شملت أعمال الحرف اليدوية والمأكولات الشعبية الخاصة بالجزيرة، استقطبت العديد من الزوار والسياح.

وفي الحفل الخطابي الذي شهدته فرسان، أبرز الأمير محمد بن ناصر أهمية المنطقة وجزر فرسان وما تزخر به من مقومات سياحية مع الحفاظ على النواحي البيئية وحمايتها. وأشار إلى ما حظيت به جزر فرسان مؤخرا من مكرمات ملكية، شأنها شأن بقية محافظات المنطقة وغيرها من المناطق، التي من أهمها صدور القرار السامي بتحديد سعر لتر البنزين ليكون كبقية المحافظات بعشر هللات، وما يخص وسائط النقل وتوفير سفينتي جازان وفرسان اللتين دشنهما نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأسبوع الماضي، والتي ستسهم في تسهيل حركة النقل البحري بين جازان وفرسان، إضافة إلى القرار الخاص بطرح الأراضي التابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية للاستثمار من قبل القطاع الخاص.

وأكد الأمير محمد بن ناصر على ضرورة التعاون الجاد والمثمر من قبل المواطن مع مختلف الجهات الحكومية، بما يخدم الصالح العام ويحقق الأهداف المرجوة.

من جانبه أشار المهندس عبد الرحمن عبد الحق محافظ فرسان إلى المقومات الاقتصادية والسياحية والطبيعية التي تحويها المحافظة، والتي تمثل رافدا وجاذبا سياحيا فريدا في منظومة السياحة السعودية، مشيرا إلى ضرورة استغلال تلك المقومات عبر المهرجانات والفعاليات التي تبرز مقدرات المنطقة.

محمد هادي الراجحي، شيخ شمل فرسان، ثمن رعاية أمير المنطقة لمهرجان الحريد للمرة السادسة على التوالي والمتابعة التي يوليها لكافة المشروعات والخدمات المقدمة للأهالي بمختلف المحافظات والمراكز.

يشار إلى أن المشروعات التي قام أمير جازان بتدشينها شملت مشروع سفلتة وإنارة ازدواج مدخل فرسان من الميناء، ومشروع توسعة الطريق الرئيسي لمدينة فرسان من دوار المحرق إلى شركة الكهرباء، ومشروع ميدان المحرق ومدخل قرية القصار، ومشروع اللوحة الجدارية البانورامية بمدخل فرسان، ومشروع تحسين وتجميل شاطئ فرسان وإنشاء حدائق بالأحياء، إلى جانب العديد من المشروعات التعليمية بفرسان وقرى صير وختب.