معرض لندن للكتاب في يومه الأول

غاب العرب وانفرد الهنود بحفاوة يستحقونها

زوار معرض لندن للكتاب في يومه الأول (تصوير حاتم عويضة)
TT

ليس ثمة صباح يشبه صباح أمس، الذي أشرقت فيه شمس لندن مرتين على غير عادتها: الأولى في سياق طقس المدينة وتقلباته حيث بدا دافئا ومختلفا ويحتفي به الجميع. والثانية، وهي الأهم، لحظة افتتاح «معرض لندن للكتاب» في ضاحية «إيرلز كورت» في العاصمة البريطانية، وتدفق الزوار، وانطلاق الجميع في تجوالهم بين أجنحة المعرض. وليس أسوأ في مناسبة كهذه تتردد فيها أسماء مؤلفين عالميين كبار، من أن لا يصادف المرء في تجواله، كاتبا عربيا يوقع كتابا، أو يجري حديثا حوله، كما فعل الكندي جيمس باترسون، هذا الصباح على سبيل المثال، أو ناشرا يخبر عن دراسة ما أعدها بهذه المناسبة، أو أية نشاطات أخرى باستثناء ندوة أو اثنتين تلقيان في وقت لاحق.

خمسة وعشرون ألفا بين كاتب وناشر ومكتبي ومؤلف ووكيل نشر وصحافي وآخرين معنيين بصناعة الكتاب وتسويقه من أكثر من مائة بلد، يجتمعون في «مظاهرة عالمية» تحت سقف واحد ولمدة ثلاثة أيام متتالية، (من20 ـ 22 أبريل (نيسان) الحالي)، في مناسبة دولية مهمة للتبادل الثقافي والمعرفي وتوقيع العقود وصفقات النشر والترجمة بين اللغات المختلفة.

وللمرة الأولى، يحتفي المعرض بالنتاج الهندي، ضمن برنامج أطلق عليه «تسليط الضوء على السوق الهندي». هكذا ورث الناشرون الهنود، الحفاوة والمكانة اللتين كانتا للعرب في العام الماضي، عندما استضافهم المعرض، وكان لهم فيه حضورهم اللافت.

وكان المركز الثقافي البريطاني في الهند، قد تحدث سابقا عن حضور متوقع لواحد وخمسين مؤلفا وتسعين ناشرا ضمن البرنامج المذكور. في الهند 32 لغة محلية تحكى وتكتب وتقرأ. وتعتبر الهند ثالث أكبر منتج للكتاب باللغة الإنجليزية، حيث يصل معدل الإنتاج، كما قال فيفيكا ناند، مدير المبيعات الدولية في شركة النشر والتوزيع «جي بي اس» الهندية، لـ«الشرق الأوسط»، إلى خمسة عشر ألف كتاب في العام. وهي بهذا واحد من أسواق الكتاب الكبرى، تأليفا ونشرا وقراءة. ويدر سوق الكتاب في الهند ما يعادل 625 مليون جنيها إسترلينيا، ويتوقع له أن يشهد نموا هذا العام بنسبة 10 في المائة. ويأمل ناند، الذي يمثل مؤسسة تحتل المكان الثالث بين دور النشر والتوزيع الهندية، أن يكون المعرض مناسبة للتعارف وتقديم الناشرين الهنود إلى الآخرين وتعريف الصحافة بهم وإبرام بعض العقود.

الحضور العربي كان متواضعا كما هو متوقع، واقتصر على عدد من الناشرين، برز من بينهم الإماراتيون بأجنحتهم المختلفة. وكان لافتا للنظر جناح أبوظبي، الواسع الأنيق، الذي أشرفت عليه وزارة الثقافة، بعكس ما كان عليه الجناح في العام الماضي، حيث كان الحضور محدودا، كما أشار علي فيصل، أحد المشرفين على الجناح، الذي أعطى أهمية خاصة للحضور هذا العام، حيث المجال واسعا للتعريف بواقع الكتاب في الخليج وتقديم صور مختلفة عن تراث المنطقة، من خلال معروضات الأجنحة الإماراتية التي أشرفت عليها وزارة الثقافة. في صباح اليوم الأول للمعرض، يكتفي الجميع بإطلاق الآمال التي تكبر خلال النهار، بتحقيق إنجازات ما، أو توقيع عقود معينة. وهذا ما عكسه الحديث أيضا مع الناشر اللبناني، ناصر جروس، الذي لفت النظر إلى الدور الذي تلعبه الإمارات في مجال النشر وشراء الحقوق، حيث قدمت مساهمات مالية كبيرة للناشر اللبناني من خلال شراء قسم من إصداراته.

في زاوية «تطل على شارعين» مثل بناء جميل، كان يجلس ناشر «دار الشروق» المصرية، ورئيس اتحاد الناشرين العرب، إبراهيم المعلم، محاطا بعدد من الملصقات لكتاب مصريين بارزين ومؤلفاتهم، إلى جانب عدد كبير من الروايات التي راجت خلال العامين الماضيين، حيث فازت مصر للسنة الثانية بجائزة «بوكر» العربية، من خلال رواية يوسف زيدان «عزازيل»، التي صدرت منها سبع طبعات خلال عام واحد. وكان بهاء طاهر قد نال الجائزة عام 2008 عن روايته «واحة الغروب». وقال المعلم لـ«الشرق الأوسط» إن العمل جار في ترجمة «عزازيل» إلى الإنجليزية، وإن مفاوضات تجري مع جهات عدة فرنسية وإيطالية وألمانية ويونانية لنشر الرواية، وهو يأمل في الحصول على عقود بهذا الشأن.

المقاهي الصغيرة الموزعة في أماكن مختلفة، كانت مكتظة بالطاولات التي تشهد حوارات مختلفة حول النشر وعقد الصفقات، التي لا يبدو أن العرب مشغولون بها هذا العام، بل إن «طرقاتهم» وممراتهم بدت خالية تماما من وجود أي كاتب، بمن فيهم الفائز بـ«بوكر» العربية يوسف زيدان، الذي علمت «الشرق الأوسط» أن ترتيبات تتعلق بحضوره إلى لندن لم تتم. لكن يبدو أن الجميع كان بانتظار الدعوة التي لم تصل، فأداروا ظهورهم تاركين الأمر للهند التي جاءت بأكثر من عشرة من أبرز كتابها ومؤلفيها وعشرات الناشرين والعاملين في مجال صناعة الكتب.

في غياب العرب، حضر من «ينوب» عنهم داخل المعرض وخارجه، مجلة «بانيبال» المعنية بشؤون ترجمة النتاج العربي إلى الإنجليزية والتعريف به، التي تحظى بمكانة مرموقة بين الكتاب العرب، ولها حضور واضح في الأوساط البريطانية. تقول ناشرتها، مارغريت أوبانك، «إن بانيبال، أخذت تلعب في السنوات الأخيرة، دور الوكيل المجاني للمؤلفين العرب».

في ركن آخر، بدت باربرا شويبكا، وهي ناشرة بريطانية ألمانية الأصل، سعيدة وهي تلفت النظر إلى احتفالها بمرور عام على انطلاق «أرابيا بوك»، وهي المؤسسة التي تديرها. باربرا ترصد العناوين العربية البارزة، خاصة في مجال الرواية من أجل نقلها إلى الإنجليزية، وعلى رفوف جناحها الصغير، روايات لليبي إبراهيم الكوني، والمصري بهاء طاهر، والعراقي فاضل العزاوي. وتأمل باربرا في نقل المزيد من المؤلفات العربية المهمة إلى اللغة الإنجليزية وتسويقها.

في قاعة المؤتمرات، في الحادية عشرة، دار حوار بين ديفيد مليباند وزير الخارجية البريطاني ووزير شؤون الكومنولث، والهندي أمارتيا صن، البروفسور في جامعة هارفارد الأميركية، والفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998. وينتظر أن يزور المعرض يوم غد الأربعاء، بوريس جونسون عمدة مدينة لندن، حيث يلقي كلمة قصيرة.