صحيفة نيويورك تايمز تحصد 5 جوائز بوليتزر

غابت الأزمة المالية عن الجوائز وحضرت الانتخابات الأميركية

الصورة الفائزة بجائزة «بوليتزر» (إ.ب.أ)
TT

تجلى الانهيار التاريخي الذي منيت به صناعة الصحف الأميركية مع الإعلان عن جوائز بوليتزر لعام 2009. فعلى سبيل المثال، تعرض أحد الفائزين للتسريح من عمله منذ ثلاثة شهور. كما قلصت الصحف الفائزة بجوائز هذا العام خدمة التوصيل إلى المنازل وأعداد النسخ، سعياً للبقاء. علاوة على ذلك، احتفل أحد المصورين بنيله جائزة، بينما أبدى حسرته على فقدانه زملاء له على وشك فقدان وظائفهم.

إلا أن المعنيين بإدارة جوائز بوليتزر أكدوا أن الفائزين، من بينهم صحافيون وضعوا تقارير تسببت في إسقاط اثنين من الشخصيات السياسية تورطت في فضائح أخلاقية، يشكلون نصراً للصحافة التقليدية القديمة التي تمارس دوراً رقابياً داخل المجتمع في وقت تحيط فيه الشكوك بقدرة الصناعة على البقاء. وفي هذا الصدد نقلت وكالة اسوشيتد برس عن سيغ غيسلر، أحد الإداريين المعنيين بالجوائز، قوله: «إننا نمر بأوقات عسيرة بالنسبة للصحف الأميركية، لكن في خضم الأحاديث المتشائمة، يعد الفائزون ومن وصلوا إلى التصفيات النهائية أمثلة على الصحافة رفيعة المستوى التي يمكن معاينتها بمختلف أرجاء الولايات المتحدة»، مضيفاً أن: «هذا الكيان الرقابي لا يزال يمارس دوره، ولا تزال له أنياب». واستطرد غيسلر موضحاً أنه لن يحاول إطلاق توقعات بخصوص مستقبل الصحافة المطبوعة، مضيفاً: «لكن لا يسعنا سوى التساؤل كيف سيكون شكل العالم دون صحف». على صعيد الفائزين، احتلت صحيفة «نيويورك تايمز» المقدمة، حيث حصدت خمس جوائز، بينها واحدة لكونها أول من أشار إلى أن إليوت سبيتزر، الذي كان يتولى منصب حاكم آنذاك، يغدق آلاف الدولارات على فتيات دعارة مرتفعي التكلفة. وأدت التغطية التي أوردتها الصحيفة إلى تقدمه باستقالته وسط مشاعر صدمة بالغة. أيضاً، فازت «ديترويت فري برس» بجائزة لحصولها على مخزون من الرسائل النصية الحارة أسفرت عن تدمير الحياة السياسية لكويم كيلباتريك، الذي كان يتولى منصب عمدة حينها. وفي مؤشر حول مدى تردي الأوضاع، قلصت صحيفة «ديترويت» منذ ما يزيد على شهر مضى خدمة توصيلها للمنازل إلى ثلاثة أيام أسبوعياً. وبالمثل، فإن فريق العمل المعني بقسم «مترو» داخل «نيويورك تايمز» الذي فجر للمرة الأولى قضية سبيتزر تم خفض عدد أفراده، ولم يعد القسم قائماً بذاته، وإنما تم دمجه في الجزء الرئيسي المخصص للأخبار في الصحيفة على امتداد ستة أيام أسبوعياً. ومن بين الفائزين على صعيد الفنون مسرحية «المحطم»، التي تتناول الاغتصاب وغيرها من الأعمال الوحشية داخل الكونغو، و«هيمنغزيز أوف مونتيسيلو: أميركان فاميلي»، الكتاب الذي وضعته المؤرخة أنيت غوردون ريد وتناولت خلاله العلاقة بين توماس جيفرسون وإحدى الإماء وتدعى سالي هيمنغز، وأسرتها. ورغم تغيير القواعد هذا العام بما سمح للمنظمات الصحافية التي لا تملك سوى نسخ إلكترونية على شبكة الانترنت بالتنافس على جوائز بوليتزر وذلك للمرة الأولى في تاريخ هذه الجوائز، فإن أحداً من إجمالي المنظمات الـ65 التي خاضت المنافسة لم يفز بأي جائزة. إلا أن المجلس المعني بإدارة جوائز بوليتزر شدد على أن المحتويات الصحافية على شبكة الانترنت لعبت دوراً في العديد من الموضوعات الفائزة. علاوة على ذلك، كان مات وركر من موقع «بوليتيكو» على الشبكة واحداً من بين ثلاثة وصلوا إلى التصفيات النهائية عن جائزة الرسم الكاريكاتيري الافتتاحي. والملاحظ أن معظم جوائز بوليتزر الصحافية اتبعت نهجاً تقليدياً ـ من تغطية للحروب والكوارث الطبيعية والفضائح السياسية والانتخابات الرئاسية. لكن لم يفز أحد بجائزة فيما يتعلق بالانهيار التاريخي لوول ستريت. من جهتها، فازت «لاس فيغاس صن» بجائزة بوليتزر عن الخدمة العامة لكشفها النقاب عن ارتفاع معدلات الوفاة بين عمال البناء بمنطقة لاس فيغاس ستريب. ووصفت ألكسندرا بيرزون، كيف أن الاندفاع نحو البناء بسرعة داخل موقع عمل مكتظ على نحو بالغ أسفر عن سقوط وفيات. وكان من شأن التغطية الصحافية التي قامت بها إقرار تغييرات في الظروف داخل أماكن العمل بالمنطقة. وحصلت «فري برس» على تكريم بمجال التغطية المحلية لمساعدتها في الكشف عن فضيحة العلاقة التي ربطت العمدة وكبيرة مساعديه. واعترف كيلباتريك بالحنث باليمين، مما أفقده منصبه وقضى عقوبة السجن لمدة 99 يوماً بعد أن أظهرت مجموعة من الرسائل النصية أنه كذب بنفيه وجود علاقة بينه وبين مساعدته رغم إعلانه القسم في إطار شهادة أدلى بها في إحدى القضايا. كما قدمت هيئة التحكيم الخاصة ببوليتزر جائزة ثانية بمجال التغطية المحلية إلى «إيست فالي تريبيون أوف ميسا» من أريزونا لكشفها النقاب كيف أن تركيز عمدة إحدى المدن على فرض قوانين الهجرة يهدد عمليات التحقيق بشأن جرائم أخرى. جدير بالذكر أن بول غيبلين، أحد المراسلين الذين ساعدوا في كتابة سلسلة المقالات التي فازت بجائزة بوليتزر، فقد وظيفته في يناير (كانون الثاني). وفي تعليقه على نبأ فوزه بالجائزة، قال غيبلين: «إنه لأمر محزن. كنت أتمنى الاستمرار داخل تريبيون. وقد حضرت للتو حفلا برفقتهم». أما المؤسسة الوحيدة التي حصدت أكثر من جائزة إلى جانب «نيويورك تايمز» فهي «سانت بترسبرغ تايمز»، حيث جرى تكريمها بمجال التغطية الوطنية لما قامت به من مجهود للتأكد من حقيقة تصريحات المرشحين خلال حملات الانتخابات الرئاسية عام 2008، ولعرضها قصة وضعتها لين ديغرغوري حول طفلة نبذها ذووها وعاجزة عن الحديث أو إطعام نفسها. كما احتلت الانتخابات الاميركية مكانة واضحة في جوائز بوليتزر عن مقالات الرأي، حيث تم تكريم أوجين روبنسون من «واشنطن بوست» لمقالاته حول مسيرة أوباما للوصول إلى البيت الأبيض. أما جائزة الرسم الكاريكاتيري الافتتاحي فكانت من نصيب ستيف برين من «سان دييغو يونيون تريبيون»، التي بيعت الشهر الماضي إلى شركة خاصة بعد أن منيت عائدات الإعلانات بها بتراجع حاد وأجبر موظفوها على الحصول على إجازات من دون أجر. والملاحظ أنه لم يتم منح جوائز بوليتزر عن تغطية أكبر أزمة مالية تعصف بالبلاد منذ عهد الكساد الكبير ـ رغم الإشادة التي تلقتها الصحف الخمس التي وصلت للتصفيات النهاية ـ بينها «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» ـ للتغطية التي قدمتها لبعض جوانب حالة التردي الاقتصادي التي ضربت البلاد. من بين من حظوا بالإشادة بول كروغمان، الذي يكتب عمود في «نيويورك تايمز»، وذلك «لمقالاته التنبؤية» بالأخطار الاقتصادية.

وألمح البعض إلى أن عدم وجود فائزين بمجال الأخبار المالية ربما يمثل إشارة ترمي لانتقاد الصحافة لعدم إطلاقها إنذارات وتحذيرات كافية قبل وقوع الأزمة. في هذا الصدد، قال ديان ستاركمان، رئيس تحرير «ذي أوديت» الصادرة عن «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، التي تركز على الصحافة المعنية بالنشاط التجاري، إنه «إذا كان ينبغي علي التخمين، أعتقد أنه سيكون هناك تردد حيال منح جوائز نتيجة تغطية الأخبار بعد وقوعها، بغض النظر عن مدى جودة التغطية». من ناحيته، قال غيسلر إن التداعي الاقتصادي العالمي ربما جاء في توقيت متأخر للغاية عام 2008 بحيث لم يخلف تأثيراً ملموساً على توزيع جوائز بوليتزر. واستطرد قائلا «لا أعتقد أننا سمعنا نهاية هذه القصة بعد». من ناحية أخرى وعلاوة على فوزها بجائزة بمجال الأنباء العاجلة عن تفجيرها فضيحة سبيتزر، حصدت «نيويورك تايمز» جوائز بوليتزر عن الأنباء الدولية لتغطيتها للدور الأميركي الآخذ في التعمق داخل كل من أفغانستان وباكستان. وعن مجال النقد، حصلت على جائزة عن المراجعات الفنية التي وضعها هولاند كوتر. وبمجال الصور نالت جائزة عن التغطية التي قام بها ديمون وينتر للحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما. وعن التحقيقات، فازت بجائزة لقيام دايفيد بارستو بالكشف عن كيفية استغلال الشبكات معلقين عسكريين على صلة بالبنتاغون أو مقاولين دفاعيين. وتعتبر الجوائز الخمس التي حصلت عليها «نيويورك تايمز» ثاني أكبر مجموعة جوائز تنالها الصحيفة في تاريخها، حيث سبق أن حصلت على سبع جوائز عام 2002 ارتبطت في الجزء الأكبر منها بتغطية هجمات 11 سبتمبر (أيلول). أما جائزة التغطية التحليلية فكانت من نصيب «لوس أنجليس تايمز» لتغطيتها لتكاليف وفاعلية جهود مكافحة حرائق الغابات عبر الغرب. وعن مجال الصور المرتبطة بالأخبار العاجلة، فاز باتريك فاريل من «ميامي هيرالد» بالجائزة عن صوره للكارثة الإنسانية التي ضربت هاييتي في أعقاب إعصار آيك. وأعرب فاريل، 49 عاماً، عن سعادته الغامرة بحصوله على الجائزة وقال: «إنني أسير فوق السحاب. تغمرني المشاعر، وأشعر بامتنان بالغ حيال هذا التكريم العظيم». ولكن في إشارة إلى إجراءات تقليص العمالة التي اجتاحت صحيفته، قال فاريل: «هذا هو الأسبوع الأخير في العمل لبعض أقراننا. وكنت أتمنى لو لم أفز بهذه الجائزة في مثل هذه الظروف، لكنني أشعر بالامتنان في كل الأحوال». وحصل مارك ماهوني، من «بوست ستار» الصادرة في غلينز فول بنيويورك، على جائزة بوليتزر عن كتاباته عن إجراءات السرية الحكومية وحق الرأي العام في المعرفة. وأبدى سعادته بحصوله على الجائزة وقال: «أعتقد أن هذا يشير إلى أننا نخلق اختلافاً بالفعل». من بين المجالات الصحافية الأخرى، وصلت وكالة «أسوشييتد برس» إلى التصفيات النهائية مرتين ـ عن التغطية الدولية، حيث كانت المراسلة روكميني كاليماشي مرشحة للجائزة عن تحقيقها حول عمالة الأطفال الجاري استغلالها في أفريقيا، ومجال صور الأنباء العاجلة، حيث ترشح فريق عمل الوكالة عن التغطية المصورة لزلزال سيشوان الذي ضرب الصين. جدير بالذكر أن جوائز بوليتزر تعد أكثر الجوائز المرموقة بالمجال الصحافي ويجري توزيعها سنوياً من جانب جامعة كولومبيا بناءً على توصيات هيئة تحكيم مؤلفة من 19 فردا. تبلغ القيمة المادية لكل جائزة 10.000 دولار، فيما عدا جائزة الخدمة العامية، التي تأتي في صورة ميدالية ذهبية.