إلياس فرحات: فنان جزائري يرسم وجوه التونسيين في المقاهي

دائم الترحال.. قادم من بلدة ذات تاريخ

من أعمال إالياس فرحات («الشرق الأوسط»)
TT

«أكتشف الوجوه التي تغريني، وأحاول أن اقترب من معالم الإبداع الإلهي المرسومة على محيا كل واحد منا (...) أنا أحاول أن أكتشف الإنسان من خلال ملامح الوجه»، هكذا قال الرسام الجزائري إلياس فرحات، الذي يتنقل بين مقاهي العاصمة التونسية متفاعلا مع الوجوه، سألته إن كان يتخير الوجوه التي سيرسمها أم أن الأمر سيان عنده، فأجابني بأن لكل وجه خصائصه وجماليته التي يحاول اكتشافها بمجرد أن يتناول قلم الرصاص لبناء الشكل العام للوجوه، يضيف «وقد يصادف أن يغريك وجه من الوجوه بتضاريسه العنيفة فتقبل عليه بشغف، وقد يقابلك وجه بلا تفاصيل فتحتار من أين تنطلق في تشكيله». إلياس قدم إلى تونس منذ قرابة ستة أشهر، وهو دائم الترحال من مقهى إلى آخر، كأنه يود الكشف عن كل الوجوه، وقد قضى في مدينة سوسة الساحلية ثلاثة أشهر قال حولها: «إنني اكتشفت ما يكفي من الوجوه ولم يعد لي ما أفعله هناك فحملت حقيبتي وأقبلت على العاصمة، التي تجمع الوجوه من كل حدب وصوب، وتتمازج فيها الوجوه وتتزاوج بحيث أن الرسام لن يمل»، هكذا يقول الرسام الجزائري الذي غادر مدينة «معسكر» بالجزائر. ومعسكر كما يعلمنا هي بلاد الأمير عبد القادر، القائد الهام في تاريخ حركة التحرير الجزائرية، وكأنه يريد أن يعلمنا أنه قدم إلينا من بلدة ذات تاريخ، وهو يتركها كما يعلمنا على مضض. ويصمت بعد ذلك، ثم يقول إنه لن يبوح بأسراره ولن يقول سبب مغادرته معسكر بلد الأمير كما ذكر.

إلياس فرحات تكون في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بوهران (الغرب الجزائري)، ثم عمل موظفا في دار الثقافة بمدينة «المدية» واشتغل منشطا رئيسيا لكل الفروع الثقافية سنة 1995، قبل أن يعيد إنتاج لوحة «صرخة الغريق» للفنانة الجزائرية سعاد العطار. فرحات قال إن شغفه بالوجوه بدأ منذ أيام التعليم الثانوي، ووجد صدى بين زملائه، واليوم يواصل المسيرة نفسها، ويسارع دوما إلى البحث عن البناء العام للوجه، ويبحث في الخطوط المميزة لتلك الوجوه.

الياس فرحات ينظر إلى الوجوه ويفكر كذلك في الجيوب، واللوحة عنده يختلف سعرها من شخص إلى آخر، فقد تكون هدية منه إلى حريف «زوالي»، كما يقول، ويعني بذلك الشخص متواضع الإمكانيات، وقد تصل حدود الألف دينار تونسي (حوالي 850 دولار أميركي)، وذلك حسب نوعية المواد المستعملة، وحجم اللوحة ودقة العمل.

في نهاية المطاف يسر لنا محدثنا قائلا: «أنا أموت ولكنني لا أريد أن أموت»، وهذه العبارات على بساطتها الواضحة تلخص كل الحكاية، التي تخفيها كل الوجوه التي رسمها، وربما وجهه الذي لم يرسمه أو لعله رسمه خفية بينه وبين نفسه.