مسجد «القبة» في «قصر إبراهيم» بالأحساء.. تحفة معمارية من الزمن العثماني

ضمن جهودها لتشجيع السياحة في المملكة.. الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية تطلق حملة لترميم المواقع الأثرية

مسجد القبة يرمز إلى حقبة تاريخية ويعود لأكثر من 4 قرون (إ.ب.أ)
TT

دخلت الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية سباقاً مع الزمن لترميم عشرات المواقع الأثرية السعودية وإعادة تأهيلها وحمايتها، من بينها تسعة مواقع أثرية في الأحساء، يأتي على رأسها موقع قصر إبراهيم الشهير، ومسجد القبة الذي يقع في الركن الجنوبي الغربي للقصر وتم افتتاحه للصلاة في مايو (أيار) 1571.

وقصر إبراهيم، كما مسجد القبة، يرمزان إلى حقبة تاريخية كانت فيها الواحة تحت الحكم العثماني، وكذلك فإنهما معمارياً يمثلان قيمة فنية ترمز إلى حقبة تاريخية تعود لأكثر من 4 قرون.

وفي مسعاها لترميم قصر إبراهيم ومسجد القبة، قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاقد مع شركة مختصة للقيام بأعمال الصيانة والترميم لهذين الموقعين. كما تشمل خارطة المواقع الأثرية في الأحساء التي يجري العمل على تأهيلها وترميمها وإعادة إحيائها خمسة مساجد تاريخية، بالإضافة إلى قصر إبراهيم، وقصر صاهود ومدرسة الأحساء الأميرية، ومنزل البيعة.

وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار، عملت لتحويل بعض المواقع الأثرية إلى معالم سياحية، وكذلك تنظيم دراسة لإنشاء قرى تراثية يعاد ترميها وإحياؤها لتشتمل على الفعاليات التراثية والأسواق الحرفية. في حين تم حصر أكثر من 4 آلاف موقع أثري في السعودية تمثل مراحل تاريخية متعددة.

وتعتبر الاحساء التي تضم جبل القارة منطقة غنية بالمواقع التاريخية والسياحية، وتشغل مساحة كبيرة في الجزء الشرقي من السعودية، وتتوسط المسافة بين الدمام عاصمة المنطقة الشرقية، ودولة قطر، كما تقع في الطريق الدولي إلى دولة الإمارات وسلطنة عمان وترتبط بمواصلات برية وسكة حديد مع العاصمة الرياض، ويقع في الشرق منها الخليج العربي وخليج سلوى، وجنوباً الربع الخالي وغرباً صحراء الدهناء، وتمثل الأحساء نحو 24 في المائة من مساحة المملكة و67 في المائة من مساحة المنطقة الشرقية (534 ألف كيلو متر مربع). وبالإضافة لنخيلها وعيونها، وأيضاً شعرائها، فإن الأحساء تضم عدداً من المواقع التاريخية والأثرية التي من شأن الاهتمام بها وتعزيز الاستثمار السياحي داخلها دعم المحافظة عليها، وتطوير الصناعة السياحية في المملكة، ومن بين هذه المواقع ، منطقة (جواثا)، وهي موقع أثري كبير يبعد نحو 17 كلم شمال شرقي مدينة الهفوف، وفيها مسجد جواثا الذي شهد أول صلاة جمعة بعد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفيها أيضا حصن جواثا الذي اعتصم به المسلمون في حروب الردة.

ويقع في الاحساء (قصر المجصة) في جنوب بلدة الطرف على بعد 14كم شرق مدينة الهفوف وهو عبارة عن قلعة شيدت بالطوب الأحمر المأخوذ من أحد التلال القريبة من الموقع، وقد أقيمت على طرف أحد الينابيع الطبيعية التي كان ماؤها يجري باتجاه جنوب القلعة، ويشكل الماء الزائد بعد ري المزارع المحيطة بالقلعة نهراً يتجه شرقاً، وقد بني هذا القصر في موقع أثري ربما يرجع إلى ما قبل الإسلام.

كما يعتبر قصر (صاهود) في مدينة المبرز شمال الهفوف هو الآخر من المواقع التاريخية في الاحساء وهو القصر الذي اعتصمت داخله سرية الدفاع السعودية التي قاومت زحف سليمان باشا العثماني لمدة شهرين عام 1793م واستعصى على المهاجمين وتبلغ مساحته نحو 10 آلاف متر مربع وارتفاع أسواره (6) أمتار.

وكذلك قصر (خزام) الذي كان أول الحصون التي سقطت في يد الملك عبد العزيز ليلة الخامس من جمادى سنة 1331هـ (1910) ويقع القصر في الرقيقة غرب مدينة الهفوف وهو عبارة عن قلعة حربية صغيرة الحجم تقدر مساحتها (2500) وقد شيد هذا القصر عام 1220هـ (1799) في عصر الإمام سعود الكبير. بالإضافة لقصر (الوزية)، وقصر (المحيرس) وميناء العقير على الشاطئ الغربي للخليج العربي وهو من المواني التاريخية ذات الأهمية التجارية.

وفي دراسة للباحث في شؤون الآثار في الأحساء خالد الفريدة، فإن قصر إبراهيم كان يمثل المركز الرئيسي لإدارة الحكم في شبكة الدفاع بمنطقة الأحساء حيث كانت تقيم فيه حامية عسكرية بصفة دائمة وكان أيضاً بمثابة المقر الإداري الرئيسي للحكومة.

ويقع القصر في الجزء الشمالي الشرقي من حي الكوت أحد أقدم أحياء المنطقة وكان يشكل جزءاً من سور المدينة الشمالي الذي تم بناؤه في فترة الاحتلال العثماني الأول ما بين عام 956 هـ وعام 1091 هـ وتم تطوير المنطقة المحيطة بالقصر وأصبحت مركزاً إدارياً للحكومة الإقليمية.

ويقول الشريدة، إن هناك مجموعة من الروايات التي اختلفت حول تسميته بـ(قصر إبراهيم) حيث يبدو أن هذا الاسم أطلق على القصر خلال القرن الرابع عشر الهجري. وهو اسم لا يمت بصلة لأي شخصية تاريخية. وذُكر أن التسمية تنسب إلى إبراهيم بن عفيصان أمير الأحساء في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد ويعتقد أنها الأقرب.

ويؤكد الفريدة أن اسم إبراهيم ليس له علاقة بإبراهيم باشا ابن محمد باشا الذي استولى على الدرعية سنة 1233هـ حيث إن هذا القصر قد بني قبل هذا التاريخ بكثير.ويقول الفريدة، يرجع تاريخ بناء هذا القصر الذي تقدر مساحته بـ18200 متر مربع من الخارج و10 آلاف متر مربع من الداخل، إلى عهد الجبريين الذين حكموا الأحساء ما بين عام 840 هـ وعام 941 هـ قبل قدوم العثمانيين الذين قاموا في حملتهم الأولى باحتلال قصر إبراهيم إلا أنهم لم يدخلوا أي تعديلات على الشكل العام للقصر بل أقاموا سور الكوت وأوصلوه بسور القصر ليصبح قصراً داخلياً بعدها تم إحداث عدة تغييرات كبيرة داخله وكان ذلك بمثابة انعكاس للتغيرات العسكرية والثقافية، حيث جلب العثمانيون معهم أساليب وطرزاً معمارية جديدة امتزجت مع الموروث المعماري المحلي بالمنطقة، ونتج عنه أسلوب معماري جديد ظهر في شكل الأقواس والقباب والزخارف الجصية الموجودة في مباني القصر التي فرضتها مواد البناء التقليدية المحلية.

أما مسجد القبة، وهو أيضاً من المعالم الأثرية البارزة في الأحساء، فهو يقع في الركن الجنوبي الغربي للقصر وقد بناه علي باشا حاكم الأحساء ما بين سنة (972هـ 979هـ) وافتتح للصلاة في مايو (أيار) 1571.

وحمل النقش التذكاري فوق مدخل المسجد، الذي افتتح بالآية الكريمة «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر…» العبارة : (قد بني في عهد سليم الثاني بواسطة علي باشا وتم الانتهاء منه بتاريخ 979هـ)، ويقصد بعلي باشا الوالي علي بن لاوند البريكي.

ويتميز المسجد بمئذنته الشاهقة الارتفاع والجميلة الطراز، حيث يصعد إليها بدرج حلزوني شيد من الحجارة يصل إلى أعلاها عند استراحة المؤذن التي زينت بستائر خشبية، كما يتميز المسجد بقبته الضخمة التي روعي في بنائها النواحي الهندسية لتوزيع الأحمال، وتردد الصوت، والإضاءة، من خلال النوافذ الجصية الجميلة المزخرفة بأشكال إسلامية، كما زين المحراب بالزخارف الإسلامية الهندسية. ويحيط بالمسجد من الجهتين الشمالية والجنوبية رواقان ينتهيان في الجهة الغربية بمحراب صغير في كل منهما وتعلوهما عدة قباب دائرية الشكل، وكذلك رواق من الجهة الشرقية يظلل مدخل المسجد الرئيسي، ومما يليه شرقاً محراب تؤدى فيه الصلاة في فصل الصيف.

ويشير الباحث الفريدة إلى مواقع بارزة في قصر إبراهيم، بينها مقصورة القيادة التي تقع في منتصف الجدار الشرقي لسور القصر وهي عبارة عن أربع غرف اثنتين في الأسفل واثنتين في الأعلى وبين كل غرفتين رواق للاستقبال ويصعد إلى الغرفتين العلويتين بدرجين أحدهما للصعود والآخر للنزول وقد أقيمت هذه المقصورة بطريقة ذكية حيث احتلت موقعاً مميزاً تشرف من خلاله على كافة أجزاء القصر ويصعب الوصول إليها إلا بعد أخذ إذن من الحراس.

وكذلك مهاجع الجنود، التي تمتد إلى جنوب وشمال مقصورة القيادة وهي عبارة عن عنابر طويلة مفتوحة روعي فيها أساليب الإضاءة والتهوية. وحمام البخار، وهو عبارة عن مبنى مربع الشكل مسقوف بقبة دائرية كبيرة. وبئر القصر، وجناح الخدمة، وجناح غرف نوم الضباط، ودورات المياه، واسطبلات الخيل، والقبو (مستودع الذخيرة)، والأبراج، وغرفة الاتصالات.