تونس: البرامج التلفزيونية.. فضاءات لحل المشكلات الاجتماعية

أصبحت تستقطب اهتمام الطبقات المختلفة لما فيها من جرأة

اشتد التنافس بين القنوات التلفزيونية التونسية على المشكلات الإجتماعية («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أن تأتي التلفزة باللونين الأبيض والأسود في تونس، كان الراديو يؤدي دورا اجتماعيا هائلا اختصره الإذاعي عبد العزيز العروي في برامجه النقدية التي عالج من خلالها المشكلات الاجتماعية المتنوعة، حتى شاعت بين التونسيين عبارة «اشكي للعروي» أي اعرض مشكلتك على الإذاعي العروي. هذه الحظوة التي عرفتها برامج العروي جعلت منه سلطة خارج السلطات، تنتظره الجدات وتستمتع بما يرويه من غرائب الدنيا. الحظوة هذه الفترة انتقلت إلى قناتي تونس التلفزيونيتين («تونس 7» الحكومية و«حنبعل» الخاصة) حيث أصبح التنافس على أشده بين القناتين على البرامج الاجتماعية التي يبدو أنها أصبحت تستقطب اهتمام الطبقات المختلفة بما فيها من جرأة وعرض للمشكلات الاجتماعية، هذا الرغم مما عرف من تهرب التونسيين من جهاز التلفزة الذي يكشف عن الكثير من المحظورات، ولكن يبدو أن التحولات الاجتماعية غيرت العقليات وأصبح الكثير من الناس يقبلون على التلفزة في محاولة تجمع بين الشهرة الاجتماعية وإرادة التميز، وكذلك استقطاب التونسيين إلى مشكلته والحصول على مساندته المعنوية على الأقل. هذه الوضعية جعلت المتابعين لتلك البرامج التلفزية الاجتماعية، يصفون التلفزة بأنها أصبحت جهازا لفض المشكلات الاجتماعية، بعد أن كانت في السابق جهازا إعلاميا مغلقا على نفسه قلما يعرض مشكلات من تلك النوعية.

«عن حسن نية»، «الحق معاك»، «المسامح كريم» أو «عندي ما نقلك» نماذج من تلك البرامج الاجتماعية التي أصبحت تحظى بالكثير من اهتمام التونسيين، وهو ما خلق منافسة غير مباشرة بينها. هذه البرامج تعرض القضايا العالقة مع الإدارة وتسعى إلى تنقية العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة نفسها ومن تعرضوا للاحتيال، وكل ذلك من دون أن يكونوا على علم بما يدور حولهم من مشكلات، وصرت ترى الدموع مباشرة على شاشة التلفزة والخلافات الأسرية وحالات الغدر والخيانة من دون أن يثير ذلك حساسية مقدمي تلك البرامج، وهو ما حدا بالمتابعين لها إلى اتهامهم بـ«التمعش» من دموع المشاهدين.

يقول معز بن غربية، معد ومقدم برنامج «الحق معاك» على قناة «تونس7» الحكومية: «لا وجود لخطوط حمراء أمام ما نتناوله من قضايا وملفات شائكة، ولدينا عديد الملفات تجاوزت الانتظارات، ونتمنى أن تتفاعل معنا كل الأطراف من وزارات وإدارات، إذ هناك من لم يتعود بعد على الكاميرا».

أما شهاب الرويسي رئيس تحرير برنامج «الحق معاك»، فيقول إن ثلثي القضايا التي يتناولها البرنامج توفرت لها الحلول، وهناك قضايا وجدت الحل قبل تصويرها. أما عن السلطة التي حظيت بها البرامج التلفزية، فيقول الرويسي إن «التلفزة لها سحرها. والبرنامج أعاد الثقة للسلطة الرابعة، ونحن لا نبحث عن الشهرة الفارغة عبر كتابة هوامش وحوارات جوفاء لا تفيد أحدا».

وتقول إيمان بحرون، معدة ومقدمة برنامج «عن حسن نية» على قناة «حنبعل» الخاصة، إن شعارها هو الجرأة والحياد والحرية والابتعاد عن التقليد من أجل تشابك الأوراق بين الفكرة وحسن التصور.

يقول بلعيد أولاد عبد الله، المختص في علم الاجتماع، إن الشاشة الصغيرة أصبحت تجلب لها الكثير من المتابعين، وفي ذلك متعة مزدوجة؛ متعة أولى بالاطلاع على أسرار الآخرين من دون استدراج شخصي وفضول ذاتي مذموم كما كان الأمر في السابق، ومتعة ثانية بتورط الإدارة والأشخاص وعدم قدرتهم على الهروب من قدر الإجابة على المشكلات المطروحة.. إلا أن ذلك يخفي، حسب رأيه، في عديد الأحيان محاكمة تلفزية قبل المحاكمة القضائية.

وتصف حميدة البور، أستاذة علم اجتماع الصحافة، هذا التحول الهائل الذي عرفه جهاز التلفزة بأنه من نتائج صحافة وإعلام «القرب» الذي يميز وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة، وقد فطنت التلفزة التونسية لهذه النوعية من البرامج. ولكن الخوف اليوم يأتي من الحدود الضرورية التي يجب أن تحكم مثل هذه البرامج، إذ يجب ألا يغري ارتفاع نسبة المشاهدة للبرامج الاجتماعية الموسومة بجرعة هائلة من الجرأة، وكذلك النجومية التي تحل على مقدميها، بالمتاجرة المباشرة بمشكلات الناس ومشاعر المشاهدين لتتحول الشاشة إلى «عقدة» اجتماعية.