تعرف على عائلة أوباما بشروطها

العائلة الأميركية الأولى تصل إلى توازن بين الحفاظ على خصوصيتها وفن الدعاية عن النفس

النظرات الخاطفة داخل عائلة أوباما ليست عفوية ولكنها جزء من استراتيجية تعمل على تعزيز شعبية الرئيس (لوس انجليس تايمز)
TT

سرعان ما أخذ الأميركيون يتعرفون على العائلة الأولى الجديدة، فعلموا أن الرئيس لا يحب أن ينام جرو على سريره، وأن البنتين تكرهان الخضراوات الخضراء، وأن واحدة على الأقل تحب زبدة الفول السوداني، وأن السيدة الأولى ترى أنه يجب على زوجها أن يبقى بعيدا عن الدولاب الخاص بها. وفي الحقيقة، يبدو الأمر وكأنه أحد عروض برامج الواقع يقام داخل استوديو مهيب في مقر البيت الأبيض في 1600 بنسلفانيا أفنيو. وقد أثرت تفاصيل هذه العائلة المواطنين الأميركيين، إن لم يكن المواطنين في مختلف أنحاء العالم، وجعل ذلك عائلة أوباما تبدو كعائلة عادية تعيش في ظروف استثنائية. ولكن، هذه النظرات الخاطفة داخل عائلة أوباما ليست عفوية. ولكنها جزء من استراتيجية تتسم بالحرص، تعمل على تعزيز شعبية الرئيس وقدراته السياسية، في الوقت الذي يقوم فيه بالترويج لبعض السياسات الاقتصادية مثل خطط إنقاذ البنوك والشركات المصنعة للسيارة، علما بأن هذه السياسات لا تلقى القبول على نطاق واسع. ويحرص البيت الأبيض على تشجيع آلة إعلامية لصنع صورة تعتمد على الشخصية، ولذا دعا إلى التغطية من منابر إعلامية مثل برامج التلفزيون «اكسيس هوليوود» و«اكسترا». ويقوم مساعدو أوباما بنشر معلومات حصرية وفقا لذلك، ويراعون صلاحية نشر هذه الأشياء على أغلفة المجلات التي تغطي أخبار المشاهير. وقد فكر مسؤولو الإدارة في موضوع المصورين الذين يلاحقون الشخصيات البارزة لالتقاء صور لهم تنشر في الصحف والمجلات. وللتعامل مع ذلك بدأوا في نشر صور للعائلة من أجل تقليل القيمة المادية للصورة غير المرخص بها، وحتى يكون للبيت الأبيض سيطرة على الطريقة التي يجرى بها تصوير العائلة. ومقابل السماح بالقيام بتغطيات عن العائلة الأولى، يجب على هذه المنابر الإعلامية التي تغطي أخبار الشخصيات البارزة ألا تنشر الصور غير المرخص بها، وإلا فإنها تخاطر بأن يمنع البيت الأبيض عنها ما لديه من صور. ويقول روبرت غيبس، السكرتير الصحافي بالبيت الأبيض: «إذا لم توجد صور، فإنك بذلك تصنع مشكلة عرض وطلب، حيث لن يكون هناك عرض في الوقت الذي يوجد فيه طلب كبير. ولكن إذا كان هناك عرض على نحو ما، فإنك تخفض السعر وبهذا يخرج المصورون الذين يلاحقون الشخصيات البارزة من المعادلة». وقد جنت هذه الجهود منافع سياسية للرئيس، الذي كان ينظر إليه منذ فترة ليست بالبعيدة على أنه حالة نادرة: مرشح له جذور عرقية كثيرة في هاواي وكينيا وإندونيسيا، وكانت حملته تقوم بصورة مستمرة بالتعامل مع شائعات تقول إنه مسلم. وخلال يوم الانتخاب، أظهرت استطلاعات الرأي أن الكثير من الأميركيين ما زالوا غير متأكدين مما إذا كان أوباما يشاركهم في القيم التي يعتقدون فيها، وفي الوقت الحالي تظهر استطلاعات الرأي معدلات قبول أداء أوباما تتراوح ما بين 60 ـ 70 في المائة، وتقول أغلبية واسعة إنها تثق فيه. وحصلت ميشيل أوباما، التي سجلت نتائج غير جيدة في استطلاعات الرأي العام الماضي عندما قال منتقدون لها إنها لا تحترم أميركا، على أرقام أعلى من زوجها حتى تبلغ نسبتها بين 70 ـ 80 في المائة. ويجرى التنسيق على الكثير من تغطية أخبار العائلة عن طريق مكتب ميشيل أوباما، وتشرف عليه، بصورة جزئية، مساعدة عينت أخيرا لديها خبرة غير عادية في القطاعات التي تشكل الصورة حيث عملت كاميل جونستون، التي كانت مساعدة سابقة لآل جور، كمسؤولة تنفيذية في قطاعي الترفيه والمجالات، وترأست أخيرا قسم الاتصالات لفريق دودغر. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني)، يرى قراء المجلات الأميركية تغطية ثابتة تعطي عائلة أوباما نصيب الأسد، مع إتاحة تغطيات لمجلات شهيرة مثل «فوج» و«بيبول» و«اسنس» و«أوبرا» و«أوبرا وينفري». وتقول إنجيلا بيرت ميري، المحررة بمجلة «اسنس» التي نشرت تحقيقا مطولا مع ميشيل أوباما ووالدتها حول حياتهما العائلية: «كان فريق أوباما متمرسا في إدارة الصورة التي ترسم له، وعملية جمع القصص ذات الصلة. وهناك براعة في الطريقة التي يتم بها التعامل مع هذا الأمر».

ولا يعد الاتجاه إلى المنابر الإخبارية التي تتناول أخبار الشخصيات الشهيرة أمرا جديدا على الرؤساء والشخصيات السياسية الذين يسعون لكسب الاميركي العادي فقد سعت عائلتا بوش وكلينتون للحصول على تغطية من مجلة «بيبول» و«ليدز هوم جورنال» ووسائل إعلامية أخرى كانت تقوم بعرض الجوانب الحياتية في حياة العائلتين. وبدأ بيل كلينتون عادة الظهور على برامج الشبكات التلفزيونية التي تعرض في الساعات الأخيرة من الليل. ولكن، يقول مساعدون في البيت الأبيض ومسؤولون تنفيذيون في قطاع الأخبار إن عائلة أوباما أخذت هذا الترابط إلى مستوى جديد، وذلك نتيجة لاهتمام كبير من جانب الجمهور بأول عائلة سوداء داخل البيت الأبيض ورغبة عائلة أوباما في تصوير نفسها كجزء من العامة. وخلال الشهر الماضي، رحب البيت الأبيض بمراسل من «اكسترا»، وهو برنامج تلفزيوني عن المشاهير، وأجريت مقابلة مع السكرتيرة الاجتماعية ديسيري روجرز، وهي صديقة قريبة من أوباما. وكان عنوان جزء من المقابلة: «عائلة أوباما من البداية إلى النهاية».

وأكدت روجرز للمشاهدين أن عائلة أوباما عبارة عن «أناس عاديين»، وقالت إن السيدة الأولى «ربما تحب الطعام بدرجة أكبر» وأن الرئيس «يمكن أن يكتفي بتناول السلطة والبيض المسلوق».

وتقول ليزا غريجورستش ديمبسي، وهي منتجة تنفيذية بارزة في اكسترا: «تغطية أخبارهم تحمل الكثير من المتعة». وخلال الأسبوع الماضي، وضعت عائلة أوباما نفسها في محور الاهتمام حيث لحقت الطفلتان ماليا وساشا بالوالد والوالدة في ردهة البيت الأبيض لحديثين تلفزيونيين. وشاركت البنتان في لعبة سباق للبيض التي تقام سنويا في البيت الأبيض بمناسبة عيد الفصح، وبعد ذلك ظهرتا وهما تقدمان جروهما بو. ونشرت المنابع الإخبارية العادية وتلك التي تتناول أخبار المشاهير صور البنتين وهما تلاعبان الجرو. وعقد البيت الأبيض صفقات أخيرا أثمرت عن تغطية نشرت في الصحيفتين الأكبر داخل البلاد، حيث حصلت «نيويورك تايمز» على وعد بأن تكون لها نظرة خاصة على حديقة خضراوات السيدة الأولى وحصلت «واشنطن بوست» على سبق عن الجرو. ومع ذلك، سبق موقع TMZ.com الذي يتناول موضوعات عن المشاهير صحيفة «واشنطن بوست». وقدم شخص بالبيت الأبيض لم يذكر اسمه بعض التفاصيل الداخلية عن الجرو لـ«اس ويكلي» مما ساعد المجلة على أن تنشر صورة لرحلة «بو» الأولى للبيت الأبيض. وبالنسبة لـ«اس ويكلي»، فإن ذلك استمرار لعلاقة بدأت خلال الحملة الانتخابية. ويمتلك المجلة جان وينر، مؤسس مجلة «رولينغ ستون»، كما أنه من مناصري بارك أوباما. وخلال فصل الربيع الماضي، أفصحت عائلة أوباما للملايين من قراء مجلة «أس ويكلي» عن أن ميشيل تحصل على أخبارها عن المشاهير من المجلة الأسبوعية. وفيما رفض أوباما أن يتحدث عن الملابس الداخلية التي يرتديها، فإنه قال: «أيا كانت، فإني أبدو جميلا فيها». وتقول لارا كوهين، وهي المدير الإخبارية لـ«اس ويكلي»: «فهموا مبكرا أنه بالاكتفاء بـ إم إس إن بي سي ونيويورك تايمز، فإنهم سيخاطبون فئة محدودة، وكانوا يريدون أن يصلوا إلى مساحة أكبر من المواطنين».

ومنذ البداية، سعت عائلة أوباما إلى تحقيق التوازن المناسب بين المحافظة على السرية والترويج للنفس، ولا سيما عندما بدأت في وضع البنتين في الصورة. وهناك دور للعديد من العوامل، بما فيها قيمة العائلة كأصل سياسي ووجود رغبة في أن تكون العائلة نموذجا للعائلات الأخرى، ولا سيما الأميركيين الأفارقة. وفي يونيو (حزيران) الماضي، جلست ماليا وساشا مع والديهما خلال مقابلة على «أكسس هوليوود»، وهو برنامج ترفيهي على قناة «إن بي سي»، وتحدثت البنتان عن أن والدهما لا يحب الآيس كريم، وأنهما اعتاد على الإطراء على بعضهما وشعورهما عندما يريان أمهما في المجلات التي تتناول أخبار المشاهير. وفي الصباح التالي، قال أوباما لمحرري شبكات تلفزيونية إن المقابلة كانت «خطأ» وأن العائلة «شعرت بالإثارة خلال المقابلة». بيد أن الحملة كانت تريد للجماهير أن ترى العائلة مع بعضها. وفي ذلك الصيف، طلبت مجلة «اسنس» من مصور مقيم في «لوس أنجليس» يدعى كواكو ألستون أن يصور عائلة أوباما وهم في منزلهم في شيكاغو، بحيث تكون البنتان تلعبان على البيانو والعائلة جالسة على الأريكة. ذهبت صور أليستون إلى منابر إعلامية أخرى ووضعت بعض لقطات عائلته على قمصان وسجاجيد وسلاسل مفاتيح. وخلال الفترة الانتقالية، سعى مسؤولو البيت الأبيض للتأكيد على سيطرة أكبر على الصور الخاصة بالعائلة الأولى. وفي يناير (كانون الأول)، أي قبل أيام من تنصيب أوباما رئيسا للبلاد، اجتمع العديد من المسؤولين في البيت الأبيض، وكان من بينهم مدير الاتصالات إلين موران، مع محرري مجلة «بيبول»، وقدموا تطمينات على أن ساشا وماليا سوف تكونان في عزلة. وقال مسؤولو البيت الأبيض إن العائلة أبدت رغبة في منح بنتيها سرية، ولكن أقر المسؤولون باهتمام الرأي العام وأشاروا إلى أن نشر صورا لماليا وساشا يمكن أن يضعف من الحاجة للمصورين الذين يتعقبون المشاهير والذين تمكنوا من نشر القليل من الصور للعائلة خلال إجازة الشتاء في هاواي. ويقول لاري هاكيت، وهو عضو منتدب في «بيبول» شارك في الاجتماع الذي عقد مع مسؤولين خلال الفترة الانتقالية في يناير (كانون الثاني): «يعون أن هناك انجذابا له ولعائلته. يمكن أن تجعله العائلة أكثر جاذبية، وهذا شيء جيد، وعليه فإنهم يسعون للوصول إلى هذه المسافة بين الاستغلال الشديد وإرضاء الاهتمام العام».

والقاعدة غير المكتوبة هي أن مصوري البيت الأبيض لا يمكن لهم التقاط صور للبنتين دون وضع أحد الأبوين في الصورة، لأنه يسهل انتقاد البنتين عندما تشاركان في أعمال عامة.

ومع ذلك، لم ينشر البيت الأبيض صورا للبنتين وهما يودعان أبويهما خلال أول يوم لهما في المدرسة. ويعتقد محللون أن إدارة صورة عائلة أوباما ساهمت حتى الآن في موقف أوباما في الوقت الذي يدعو فيه لأجندة طموحة. ولكن، يظهر التاريخ أنه على المدى الطويل، فإن شعبية الرئيس الشخصية ليس بالضرورة أن تعزز منه إذا كانت سياساته لا تحظى بالشعبية أو لا تؤتي ثمرتها. وفي حالة أوباما، فإن المعيار الحقيقي لرأسماله السياسي يكمن في قدرته على تقليل معدلات البطالة المتنامية أو إنقاذ صناعة السيارات من الانهيار.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»