على مائدة برادلي.. كل و«قل» ما شئت

ولائم عشاء «للمدعوين فقط» تجمع كبار المسؤولين بأهم الصحافيين.. شرط عدم النشر

ديفيد برادلي في مكتبه الزجاجي المطل على نهر بوتوميك حيث تقام ولائم العشاء (خدمة «واشنطن بوست»)
TT

في أحد المباني المطلة عن نهر الـ«بوتوميك» في واشنطن، صعد كبير موظفي البيت الأبيض، رام ايمانيول، بهدوء إلى الدور الثامن، ليستقبله «غرسون» أنيق ويقدم له طبقا من سمك السالمون والـ«ريزوتو» فيما هم بالتحدث عن السياسة مع مجموعة من كبار الصحافيين المقيمين في العاصمة الأميركية. كل ما ورد حتى الآن قد يبدو طبيعيا، غير أن هذا «المكان» ليس مطعما! فالحديث هنا هو «مكتب» زجاجي تابع لديفيد برادلي، مالك شركة «اتلانتيك» الإعلامية، الذي يقوم منذ نحو عام باستضافة كبار الشخصيات في مختلف المجالات وجمعهم على مائدة عشاء معدة خصيصا لمكتبه مع عدد من أهم الصحافيين. وتصدر شركة «اتلانتيك» مجموعة من المطبوعات مثل «أتلانتيك مونثلي» الشهرية و«ناشونال جورنال» و«ذا هوت لاين»، إلا أن أيا منها لا ينشر ما يدور منذ عام على دعوات العشاء التي يقيمها برادلي، كما هو الحال مع كافة وسائل الإعلام التي يعمل بها الصحافيون الذين يلبون الدعوة، من أمثال ديفيد بروكس ومورين داود من النيويورك تايمز، وجورج ستيفانبوليس من شبكة «أي بي سي»، ووالتر ايزاكسون ـ مدير التحرير السابق في مجلة «تايم». وعلى الرغم من أن هذه التجمعات ليست سرية، إلا أنها ليست علنية وليست مفتوحة للعموم بل لنخبة مختارة من «زبدة» المجتمع الواشنطني، وحسب ما قال برادلي لصحيفة «واشنطن بوست» بأنه يقيم هذه الولائم لمجرد المتعة، مضيفا «تدور أحاديث عميقة من الصعب حدوثها حين يكون الصحافي يبحث عن قصة أو عنوان ليصدره في اليوم المقبل».

ويبدو واضحا من كلام برادلي أحد أهم شروط حضور هذه الولائم، السرية المطلقة.. حيث يتعهد الصحافيون أن تكون كافة أحاديثهم Off the record ولمجرد الحصول على خلفيات الأمور والحقائق. أما من أهم الضيوف الذين تناولوا العشاء على مائدة برادلي فهم الملك عبد الله الثاني وزوجته الملكة رانيا، ورئيس مجلس إدارة شركة جنرال اليكتريك جيفري إيميلت، المستشار الرئاسي السابق كارل روف، ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، حسب ما ذكرت الواشنطن بوست. وفي حين أن تناول المسؤولين لوجبات طعام مع صحافيين هو أمر شائع في الغرب، يكون الحديث في كثير من الأوقات مسجلا ومسموحا باستخدامه، كما كان الحال لـ 35 عاما في ما كان يعرف بـ«فطور سبيرلينغ»، حيث كان مدير تحرير مكتب واشنطن في جريدة «كريستيان ساينس مونيتور»، غودفري سبيرلينغ، يقيم وجبات فطور يدعو إليها مسؤولين وصحافيين حتى تقاعده.

لكن في حين كانت دعوات سبيرلينغ مفتوحة للجميع وذات أحاديث قابلة للنشر، فإن العكس صحيح فيما يتعلق بولائم عشاء برادلي التي تنحصر في عدد معين من الصحافيين ولمن تصلهم الدعوة فقط، كما أن التصريحات تحاط بالتكتم الكامل.

* «تقليد» إفطار سبيرلينغ

* لـ 35 عاما كان مدير تحرير صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» في العاصمة الأميركية، غودفري سبيرلينغ، يقيم وجبة فطور مشابهة كثيرا لما يقوم به برادلي هذه الأيام في مكتبه على العشاء. إلا أن سبيرلينغ، الذي تقاعد عام 2005 بعد نحو 6 عقود أمضاها في مناصب مختلفة بالمونيتور، كان يقيم وجبات الفطور في غرفة «بريسيدينت روم» بنادي الصحافة الوطني (ناشونال برس كلوب) في واشنطن. ومنذ عام 1966 أقام سبيرلينغ 121 فطورا، ودائما في التوقيت نفسه وهو الثامنة والربع صباحا.. الأمر الذي كان يزعج كثيرا من الصحافيين كما يقول آلان اوتين، مدير التحرير السابق في واشنطن لصحيفة «وول ستريت جورنال» الذي أوضح أنه لطالما تسبب له هذا الموعد بمشاكل مع زوجته لكون حضور الفطور في هذا الموعد كان يتطلب منه الاستيقاظ في السادسة والنصف صباحا. جميع الأحاديث في تلك الإفطارات كانت On The Record أو بمعنى آخر كان مسموحا للصحافيين التسجيل واستخدام ما يقال فيها في قصصهم الصحافية، وفي كثير من الأحيان كان المسؤولون يجدون أنفسهم «يؤكلون» من قبل الصحافيين بدلا من الطعام نفسه، من شدة شراسة الأسئلة التي كانت تستمر لـ 75 دقيقة. ومن بين المسؤولين الذين حضروا: هنري كيسنغر، جورج والس، هوبيرت هومفري وجون ليندساي.