«أحلام وقمامة القاهرة».. من الفرنسية إلى العربية

رواية فوزية أسعد بالفرنسية تلاحق مجتمع الزبالين منذ نهاية القرن الـ 19

طفلتان من سكان الحي (أ.ف.ب)
TT

تتطرق رواية «أحلام وقمامة القاهرة» لفوزية أسعد، المنشورة في طبعتها الأولى باللغة الفرنسية وصدرت مطلع الأسبوع الحالي بطبعتها العربية عن المركز القومي للترجمة في مصر، للتعقيدات والآليات الاجتماعية التي تسيطر على مجتمع الزبالين في العاصمة المصرية.

وهي من حيث الزمن قد تكون أول رواية، بطبعتها الفرنسية، تتطرق إلى هذا المجتمع وأفراده الذين يمرون في شوارع القاهرة محملين بقمامتها دون أن يعرف أبناء المدينة إلى أين يتجه هؤلاء، وما هي نوعية الحياة التي يعيشون.

إلا أنها قد تكون الرواية الثانية في طبعتها العربية بعد رواية «كيرياليسون» لهاني عبد المريد الصادرة عن منشورات الدار.

وتتساءل المؤلفة عن نوع كتابها في مقدمتها له: «هل يعتبر هذا العمل رواية، أم بحثاً اجتماعياً، أم إنثروبولوجيا، أم تاريخاً، أم مزيجاً من كل هذا؟». وتجيب عن ذلك بأن «الناشر الفرنسي وجده عملا أدبياً ولقبه رواية، وإن كان هذا الاختيار يبدو تعسفياً».

والرواية، التي قامت بترجمتها إلى العربية ديما شعيب الحسيني، تلاحق مجتمع الزبالين منذ نهاية القرن الـ 19 عندما قام مجموعة من أهالي الواحات في العمل بها وتحولوا مع الزمن إلى أباطرة مسيطرين على الأرباح الخيالية التي تحققها تجارة القمامة، مستغلين القادمين الجدد من أبناء الصعيد خصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتلجأ الكاتبة إلى شخصية الطفلة والفتاة والمرأة «أحلام» ابنة أحد معلمي الزبالين الذي بدأ حياته في هذا النوع من العمل في النصف الثاني من القرن الـ 20، لكتابة نوع من السرد والتوثيق لحياة هذا المجتمع من خلال عين هذه الفتاة في مراحل انتقالاتها المختلفة ومن خلال السرد الحيادي الذي تقوم به المؤلفة بدور الراوي عن شخصيات روايتها ووصفها لهم.

وتظهر خلال ذلك حالة الفقر المدقع التي دفعت هذه العائلات للهجرة من قرى الصعيد إلى القاهرة بحثاً عن فرصة أكثر ملاءمة للحياة مما كانوا يعيشونه في قراهم، وهي تحددها في الرواية بقريتي «دير تاسا» و«البداري» في محافظة أسيوط.

وتسير أحداث الرواية بمنطق سردي أفقي يفتقد تطور الشخصيات والأبعاد الدرامية للشخصيات الرئيسية فيها، ويكتفي بوصف بؤس الحياة التي يعيشها جامعو القمامة وآلية التفكير المحافظة لديهم، وبشكلها القبلي، وإلغاء شخصية المرأة واستغلال الأطفال بالعمل اليومي في فرز القمامة دون أي شفقة على طفولتهم، واضطرارهم لتغيير أماكن إقامتهم كلما تضخمت المدينة الكبيرة من مكان إلى مكان، وإحساسهم بعدم الاستقرار وبالملاحقة من قبل الدولة التي تحاول أن تتخلص من إقامتهم في المناطق القريبة من اتساعات المدينة الجديدة، خصوصاً أن مشكلة زرائب الخنازير التي لجأ إلى تربيتها جامعو القمامة ضمن عملهم كجزء يدر ربحاً وفي الوقت نفسه يعمل على التخلص من القمامة العضوية التي تقوم الخنازير بالتهامها بناء على نصيحة من أحد رجال الأعمال الإنجليز في فترة الاحتلال البريطاني لمصر.

ويأتي تنقل العائلة في بضع مناطق شعبية في القاهرة وصولا إلى نبذهم مع اتساعات المدينة إلى المقطم حيث استقرت عائلات جامعي القمامة لتقوم بعملها في فرز القمامة وبيعها لمتعهدي تجارة القمامة من أبناء الواحات الذين انخرطوا في هذا العمل منذ نهايات القرن الـ 19. وتصور الرواية البؤس الذي يعيشه الجميع وبشكل أكثر حدة هو ما تعيشه النساء وما يعيشه الأطفال والفتيات اللاتي يتم القضاء على حياتهن من خلال عمليات الختان من جهة، والزواج المبكر من جهة ثانية، والزواج بين أفراد العائلة الواحدة وعلى خلفية التقاليد الصعيدية.

وخلال ذلك تشير المؤلفة إلى البدايات المبكرة في منتصف سبعينات القرن الماضي لظهور برامج لتنمية مجتمع جامعي القمامة، وهنا تختلف الرواية عن رواية «كيرياليسون»، حيث تركز المؤلفة هنا على نواحي التنمية، في حين تركز الرواية الثانية على مفهوم الأحياء العشوائية.

وهذا ما تؤكده المؤلفة أيضاً بمقدمتها، باعتبار أن روايتها رواية توثيقية، في أن «هدفها من الرواية هو التشديد على برنامج لتنمية مجتمع جامعي القمامة في حي المقطم وفيما بعد في مجتمع القطامية، إضافة إلى تنوير بنات هذا المجتمع عبر الدراسة والعمل وكسب المال والتحرر إلى حد ما من قبضة السلطة الأبوية».

وضمن السياق تتطرق الروائية إلى الأحداث السياسية التي عصفت بمصر والوعود التي قدمها زعماء ثورة 23 يوليو (تموز) من الضباط الأحرار وقوانين الإصلاح الزراعي التي أطلقها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر وعدم تأثيرها إيجاباً على أبناء هذا المجتمع ولم يمنعهم ذلك من البكاء عليه عند رحيله.