تسجيل نحو 10 آلاف موقع تراثي في السعودية يزورها آلاف السياح الأجانب سنويا

خبراء يدعون إلى الاهتمام بالتراث العمراني والحفاظ عليه ودراسته

TT

سجل التراث العمراني في السعودية حضوره اللافت على قائمة اجندة سياح الداخل والخارج، وسط تحول كبير من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وكذلك الافراد بدفع هذا الجزء السياحي باتجاه النجاح عن طريق تطوير التراث العمراني واعادة ترميم ما فسد منه، اضافة الى معرفة كل ما يتعلق به ودراسة تاريخة.

ويأتي ذلك في وقت قدر فيه خبراء سعوديون في مجال الاثار لـ«الشرق الأوسط» وجود نحو 10 الاف موقع تراثي في مختلف المناطق السعودية منها عدد من المواقع الجديدة التي تم اكتشافها في محافظة تيما في شمال السعودية ونجران في جنوبها مؤكدين ان نحو 250 زائرا من خارج المملكة يصلون إلى السعودية شهرياً لزيارة هذه المواقع.

وتشهد السعودية حراكاً نشطاً لترميم وصيانة المباني والمواقع التراثية، حيث مثل إعلان الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الاسبوع الماضي إنشاء شركات متخصصة في مجالات الترميم والصيانة للمباني والمواقع التراثية والتاريخية في عدد من مدن وقرى المملكة، حافزاً للعديد من الشركات العاملة في القطاع الخاص والمعنيين بالتراث للمساهمة في حملة مكثفة تشهدها السعودية لتوثيق التراث والحفاظ عليه مؤخراً.

الدكتور علي الغبان نائب الامين العام للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار في ذلك الوقت أكد لـ «الشرق الأوسط» بأن عدة مشروعات قائمة من بينها مشروع لصيانة وتطوير المباني الأثرية واستخدامها كفنادق سياحية تهدف إلى توظيف مباني التراث العمراني القائمة توظيفا سياحيا واقتصاديا سواء من الحكومة أو القطاع الخاص من خلال استثمارها كمناطق ايواء وذلك بتحويلها الى فنادق أو اماكن ضيافة كمناطق سياحية أو مطاعم على ان لا يتغير شيء من هويتها. وأكد الغبان بأنه تم حصر 55 موقعا في انحاء السعودية سيتم عمل دراسة جدوى لها تمهيدا لاستثمارها، مشيرا الى ان البداية ستكون بعشرة مواقع بالتعاون مع جهات حكومية.

من جانبه أكد الدكتور عدنان عدس مدير تطوير العمران بأمانة جدة لـ«الشرق الأوسط» ترسية مشروعين الاول لتبليط وترصيف ارضيات المدينة التاريخية بجدة وإنارتها بنحو 60 مليون ريال ومشروع اخر لتوفير أدوات سلامة ومضخات بالقرب من المباني التاريخية المهمة التي بدأ العمل فعليا الآن في صيانة أربعة مبان منها وفق معايير علمية بحيث لا تفقد رونقها المعماري.

المهندس سامي نوار مدير عام السياحة والثقافة بأمانة محافظة جدة، أكد لـ«الشرق الأوسط»: «أن السعودية تزخر بنحو 10 الاف موقع تراثي تستحق الاهتمام والإبراز وستجعل من المملكة مزارا مهما وستدر اقتصادا سياحيا كبيرا». مشددا على ضرورة الاهتمام بالبناء العمراني كأحد اهم روافد التراث خصوصا في السعودية لما تتمتع به من اختلاف وتنوع كبير في الرواشين والدواوين ومواد البناء التي تحمل خصوصية مميزة والتي من المفترض أن تحول إلى مادة علميه متخصصة.

من جانبه شدد محمد العمري المدير التنفيذي لجهاز الهيئة العليا للسياحة والاثار بجدة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أهمية تطوير المواقع التراثية لتكون عامل جذب سياحي واقتصادي للمملكة وضرورة عمل الشراكات الإستراتيجية مع امانة جدة والمنظمات الدوليه لتسجيل المواقع التاريخية ضمن السجلات الدولية. وشدد العمدة عبد الصمد محمد عبد الصمد عمدة حارتي اليمن والبحر على التراث القديم كأحد اهم معالم التاريخ في الجزيرة العربية وهو امتداد وعلم هندسي فريد يرسم ملامح تاريخية ويعطي مردودات اقتصادية كبيرة على كافة الاصعدة، ودعا العمدة عبد الصمد الجهات المختصة لادخال وزارة الاوقاف ضمن الخطط المنهجية لإعادة وترميم المواقع الدينية، كما دعا إلى وضع اليات لتنظيم عمليات الدخول والخروج في المواقع التاريخية والاثرية وترميم وهيكلة المباني بالاستعانة بالمختصين.

يذكر ان هيئة السياحة والاثار تبذل جهودا حثيثة للحفاظ على التراث العمراني من خلال تسجيل مواقع ضمن قائمة التراث العالمي في اليونسكو حيث نجحت الهيئة في تسجيل الموقع الأول هذا العام وهو موقع مدائن صالح وتعمل على تسجيل موقعين آخرين هما جدة التاريخية والدرعية التاريخية، كما تتبنى الهيئة العامة للسياحة والآثار من خلال قطاع الآثار والمتاحف مشروعا لتأهيل المباني التاريخية للدولة في عهد الملك عبد العزيز وتحويلها إلى مراكز ومتاحف تعرض آثار كل منطقة وتاريخها وتراثها، كما تنفذ الهيئة حاليا برنامجا لتنمية القرى التراثية بالشراكة مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى المجتمع المحلي، وذلك بغرض إيجاد مورد مالي يساهم في تنمية المجتمعات المحلية في المحافظات والمدن والقرى.

وعندما يكون الحديث عن التراث العمراني والتوجه السياحي ودور هيئة السياحة، تبرز عشرات المشاريع التي يجري العمل على اعادة تأهيلها ضمن برامج تطوير التراث العمراني، ففي الباحة جنوب السعودية في تهامة يجري العمل على قدم وساق في قرية ذي عين الاثرية التي يعود تاريخ بنائها الى نحو 4 قرون حيث تحاول الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة حاليا إعادة ترميم هذه القرية لجعلها واجهة سياحية متكاملة بتراثها العمراني القديم والتاريخي. حيث أوضح في وقت سابق المهندس حسين حسن العمري المشرف على الموقع «أن العمل يسير وفق ما رسم له من قبل الهيئة حيث تم البدء أيضا في ترميم المتحف الذى اختير من قبل الدكتور علي الغبان والذي يعتبر جزءا رئيسيا من القرية التراثية يحتوي على قطع أثرية جميلة وبعض المقتنيات الأثرية التي كانت تستخدم في الزمن الماضي.

وفي جزء اخر من الاراضي التراثية السعودية برزت مؤخرا قرية «الديرة» في محافظة العلا والتي تعود جذورها التاريخية الى القرن السابع الهجري، حيث يجرى تأهيلها من هيئة السياحة والاثار، لأنها إحدى ثلاث مدن إسلامية باقية من القرن السابع الهجري تمثل المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها، وهو ما يوضحه الدكتور يوسف المزيني، المدير التنفيذي لجهاز السياحة والآثار بمنطقة المدينة المنورة في وقت سابق خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»:«بأن مشروع تأهيل القرية التراثية بالعلا يهدف إلى تحويلها إلى قرية سياحية عالمية متعددة الأنشطة بطريقة تكفل المحافظة على تراثها العمراني وتحقق عوائد لمالكيها وسكان المحافظة». وواصل بقوله «وتوفر فرصا وظيفية واستثمارية جديدة عبر تنميتها وتطويرها وإعادة تأهيلها وتوظيفها اقتصادياً، كما توفر منتجا مميزا على الخارطة السياحية بمحافظة العلا للمساهمة في إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين، وتحقيق الفوائد لملاك القرية وسكان المحافظة والمواقع المحيطة بها، إضافة إلى المحافظة على التراث العمراني المتميز للقرية ومنع استمرار تدهوره». وهنا يوضح الباحث التاريخي قينان بن جمعان الزهراني أن «السعودية بلد يزخر بمختلف اشكال التراث العمراني العريق والمميز، خاصة في ظل اتساع رقعة البلاد واختلاف اطياف المجتمع فيها».

ويستطرد «لكنه مر بمرحلة لم يحظ فيها بالاهتمام، ولكننا نحمد الله ان عاد التراث العمراني من سنوات الى دائرة التراث، وهو الامر الذى يتطلب منا دعما واسعا لهذا الاهتمام بتقديم كل ما نملك من معلومات على الاقل لهيئة السياحة والاثار في البلاد».

ويضيف الباحث التاريخي «التنوع التاريخي في السعودية والعصور الاسلامية التي مرت بها جعلتها غنية بمختلف التراث العمراني الذي اختفى وعاد واصبح حاليا يزين به القصور والمباني الهامة واصبح يزيد من جمالها بل ان حتى تكاليفه اصبحت تفوق أي متطلبات من متطلبات البناء الاخرى التي قد تكون في متناول اليد».

وبالعودة هنا للدكتور عدس المسؤول عن تطوير العمران في امانة جدة يؤكد لـ «الشرق الأوسط» أهمية أن يعاد التعامل مع التراث المعماري القديم ليتحول من كونه مجرد أشكال لرواشين أو تصاميم هندسية بحتة إلى كونها احتياجا للناس في هذا الزمن وبالتالي فإن التعمق في قراءة التراث تمكننا من الحصول على الفائدة العظيمة لمطابقة التصاميم للاحتياجات. متسائلا عن المكون الثقافي لنا لماذا هو غائب عن الواقع المعماري في هذا الزمن مع الأخذ في الاعتبار أن التطور التكنولوجي يمكن الاستفادة منه. وشدد الدكتور عدس على الجهات الحكومية والخاصة والافراد من ملاك ومستثمرين، على ضرورة التعاون الكامل تجاه الحفاظ على الموروث التاريخي وفق الخطط والاولويات التي تضعها الجهات المعنية مع الاخذ في الاعتبار الجوانب التاريخية.