أوبرا دمنهور.. جاهزة للعمل بعد ترميمها

أنشأها فؤاد الأول في ثلاثينات القرن الماضي على الطراز العثماني

المبنى بعد التطوير («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى أكثر من خمس سنوات، وأعمال الترميم كانت تجري لواحدة من أهم دور الأوبرا في مصر، والتي تأتي تالية لدار الأوبرا المصرية في القاهرة، وأوبرا الإسكندرية، وهي أوبرا دمنهور التي انتهى فريق من المرممين المصريين من صيانتها لتصبح جاهزة للافتتاح الرسمي، أواخر شهر مايو (أيار) الجاري، بعد تأجيل افتتاحها لأكثر من مرة بسبب ظروف فنية.

فكرة التطوير وردت إلى وزير الثقافة المصري فاروق حسني قبل ستة أعوام عند افتتاح الرئيس حسني مبارك لأوبرا محمد علي بالإسكندرية وتفكيره في أن يكون لكل مدينة مصرية أوبرا خاصة بها، ولذلك جاءت فكرة إحياء وإنقاذ هذا المسرح العتيق وإعداده طبقا لأحدث النظم العالمية لتقديم العروض والأنشطة الفنية والمسرحية أسوة بما تم في مسرح محمد علي بالإسكندرية.

ويقول حسني :إن الوزارة قامت بترميم وتطوير المبنى وتهيئة المنطقة المحيطة به وتزويده بأحدث وسائل العرض والإضاءة والتأمين والقاعات متعددة الأغراض بتكلفة إجمالية قاربت على 12 مليون جنيه من بينها 5 ملايين جنيه من مخصصات رئاسة الجمهورية، وهو ما يعكس الحرص على دعم الأنشطة الثقافية والفنية لجميع أبناء مصر في مختلف المحافظات والعمل على تقديم الخدمة الفنية والمسرحية لهم ولأبنائهم في المستقبل.

قديما، كان يعرف المبنى باسم «سينما وتياترو فاروق»، والمبنى طالته يد الإهمال على مدى سنوات عديدة إلى أن تم ترميمه ليتحول إلى أوبرا تسمى بأوبرا دمنهور.

ويعد مبناه تحفة فنية تتجسد فيها خصائص العمارة المصرية في بدايات العقد الرابع من القرن الماضي، حيث يتبع في تخطيطها طراز الأوبرا الإيطالية التي وفدت خصائصها إلى مصر إبان فترة الخديوي إسماعيل، لكنه ينفرد بعناصر معمارية وزخرفية إسلامية الطراز، وهو الأمر الذي تم مراعاته عند إعادة إحياء المسرح ليكون على الحالة المعمارية التاريخية القديمة والتي تتميز بالروعة والأصالة.

والمسرح يعد صورة مصغرة لدار الأوبرا المصرية القديمة ويتميز بتصميماته النادرة التي تحمل عبق التاريخ مسجلة بنقوشها الفريدة والبديعة وأصالة الفنان المصري المعاصر، ولحالته السيئة التي ظل يعاني منها ساهمت محافظة دمنهور مع وزارة الثقافة في عمليات تطويره وتهيئة المنطقة المحيطة به لتليق بهذا الأثر الحضاري بالإضافة إلى استغلال المبنى الإداري الذي توجد به الوحدة المحلية لمركز ومدينة دمنهور ليصبح مبنى ملحقا بالمسرح يكون بداخله الأعمال الخدمية للمسرح من غرف للكهرباء والخدمات إضافة إلى غرف الفنانين والممثلين. ويأتي تهيئة أوبرا دمنهور ضمن مشروع ثقافي ضخم تهدف من خلاله الوزارة لإحلال وتجديد عدد من الدور العريقة الأخرى في مدينتي المنصورة وطنطا بالإضافة إلى باقي محافظات الدلتا وعدم قصر الخدمة الثقافية والمسرحية على القاهرة والإسكندرية.

تشرف الواجهة الشمالية الرئيسية للمبنى على شارع محمود فهمي النقراشي بجوار الديوان العام لمجلس مدينة دمنهور وبالقرب من ميدان الساعة بينما تطل الواجهة الغربية على شارع فرعى «الشهيد عباس الأعسر» في حين تشرف الواجهة الخلفية «الجنوبية» على شارع المركز بينما تشترك الواجهة الشرقية مع مبنى البلدية ويفصل بينهما ممر ضيق بصدره كتلة تربط بين المبنيين.

وقام الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بتطوير ميدان الساعة المقابل لمبنى الأوبرا الجديدة والذي يعد أحد أهم وأشهر الميادين المصرية، إضافة لترميم وتطوير المباني المحيطة بالميدان لتتحول المنطقة إلى قطعة أوروبية شديدة الجمال تكون جديرة بقيمة مبني دار الأوبرا العريق.

وحول تاريخ إنشاء مبنى المسرح تذكر الروايات التاريخية أن الملك فؤاد الأول وضع حجر أساس مبنى لكل من مباني البلدية والسينما والمكتبة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 1930، وأطلق على القسم الغربي من إحداها أولا «سينما وتياترو فاروق» قبل أن يتغير الاسم إلى «سينما البلدية» بقرار المجلس البلدي عام 1952، وظل كذلك حتى عام 1977 حتى تغير الاسم إلى «سينما النصر الشتوي» بينما سميت المكتبة باسم الملك فؤاد، بعدها أطلق عليها اسم الأديب الراحل «توفيق الحكيم».

ويشتمل المبنى على كتلة من المدخل الرئيسي بالإضافة إلى ستة مداخل فرعية، ولأهميته التاريخية فقد قام قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى للآثار عام 1988 بتسجيله كأثر إسلامي بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار، إلى أن صدر قرار وزير الثقافة، بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للآثار عام 1990 بتسجيل المسرح أثريا بهدف المحافظة عليه وحمايته طبقا لقانون الآثار رقم 117 لسنة 1983. ملحقات بهو المبنى تتضمن «بوفيه» ذات زخارف خشبية ترجع للعصر العثماني، بالإضافة إلى غرفة التذاكر، ثم صالة المسرح والتي يتقدمها رواق مستطيل مستعرض مرورا بردهة تحتوي على زخارف بارزة ملونة، فيما يتكون السقف الأفقي للمسرح من شكل بيضاوي وأسفلها مكان الاوركسترا وأمامها 16 بنوارا أفقيا، ثم الطابق الأول الذي يتبع نفس تخطيط وشكل البناوير يتوسطها المقصورة الرئيسية للمسرح، ثم الطابق الثاني وبه مقاعد للدرجة الثالثة، وتتميز خشبة المسرح بالزخارف فضلا عن عملها بالتقنيات التكنولوجية العالية من نظم العرض الحديثة والتحريك بنظام ميكانيكي عالي المستوى.

وقد تم تزويد المسرح بأحدث وسائل التهوية والإضاءة والتأمين من أجهزة ومعدات إطفاء حريق وإنذار مبكر وبوابات الكترونية وأجهزة لكشف الأسلحة والمفرقعات وغيرها من الأعمال الفنية والمعمارية التي جعلت من المسرح أوبرا بالمعنى الحقيقي ومنارة ثقافية وفنية تخدم أبناء محافظات شمال الدلتا بالشكل اللائق.

وحرصت إدارة المشروع على أن يكون فريق الترميم متسما بالكفاءة الفنية واستعادة الشكل القديم له من ألوان وأسقف مذهبة، بالإضافة إلى إنشاء «ميكانيزم» كامل لخشبة المسرح يتوافق مع أساليب العرض المسرحية العالمية.

ترميم الأعمال الإنشائية راعت بشكل دقيق المحافظة على قيمة الموقع وإعادة زخارفه وأسقفه لحالتها الطبيعية. وبعد الافتتاح، سيقام في الأوبرا برنامج فني وثقافي منه حفلات تتناسب مع كافة أذواق الأسر المصرية، منها حفلات لفرق الموسيقى العربية، ونادي السينما الذي يعرض أسبوعيا أحد الأفلام العالمية ويعلق عليها كبار النقاد، والصالونات الثقافية التي تستضيف كبار الشخصيات العامة في شتى المجالات السياسية والفنية والعلمية والدينية.

كما يتضمن البرنامج عروضا لأشهر الأوبرات والباليهات العالمية وحفلات للاوركسترا السيمفوني وأوركسترا الأوبرا المصرية وحفلات لفرق وفنانين شباب لهم تجارب فنية متفردة بجانب تقديم بعض العروض للفرق العالمية الزائرة لأوبرا القاهرة والإسكندرية.