مساع عراقية لإعادة السياح إلى قلعة كركوك الأثرية.. والأمن ما زال العقبة

تحويل قصر قديم كان تملكه عائلة مسيحية إلى متحف

عراقي يسير وسط قلعة كركوك التي تعرضت إلى الإهمال عبر عقود طويلة (أ.ف.ب)
TT

يشير إياد طارق بينما يسير على الطرق المتربة للقلعة الأثرية الشاهقة في كركوك إلى أطلال قصر قديم كان ملكا لعائلة مسيحية ثرية قد يشكل نقطة جذب سياحية في حال ترميمه.

ويقول طارق، مدير الآثار في المدينة «سنجعل من ذلك قلعة سياحية، فمنزل مثل هذا يمكن أن يكون متحفا» مشيرا إلى بقايا القصر الذي يعود إلى القرن التاسع عشر.

ويرغب طارق بحضور سياح من جميع أنحاء العالم لمشاهدة روائع القلعة التي تعود لحوالي 4600 عام، إلا أن الأوضاع الأمنية تحول دون ذلك.

وتربض قلعة كركوك فوق التلة الأثرية الضخمة التي تضم في ثناياها بقايا مدن عمرها آلاف السنين، وضمنها أكثر من ستين برجا للحراسة أقامها الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد. لكن القلعة موجودة في قلب مدينة غنية بالنفط مختلطة عرقيا ومتنازع عليها بين الحكومة في بغداد والأكراد الذين يريدون إلحاقها بإقليم كردستان.

ويقول تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الخبراء الدوليين لا يقصدون وجهات تمويل القلعة بسبب الهجمات في الشوارع المحيطة. أما المعالم التي يقول طارق إنه «تم الحفاظ عليها»، فقد خضعت لعملية ترميم أخيرا.

فهناك سوق تعلوها أقواس من المفترض أن تعود إلى حقبة العصور الوسطى، لكن تم تشييدها قبل عشر سنوات. وفي الواقع، يقول طارق «إن الحجار الأصلية تعود للقرن الحادي عشر، لكن الأقواس انهارت ودفنت بين الأنقاض». ويضيف «لكن لدينا معالم أخرى من الحقبة السلجوقية، وبالتالي نعرف كيف كان شكل الأقواس. فلكل فترة أسلوبها الخاص بها».

وعلى مقربة من المكان، يقوم عمال بطلاء أحجار قديمة جدا من الآجر ويثبتون الزخارف على قبة خضراء تعلو نصبا تذكاريا من القرن الرابع عشر لامرأة تركية ثرية توفيت في عمر الرابعة والعشرين.

وفي القلعة أيضا قبر النبي دانيال، أحد أحبار اليهود. كما أن المسجد الكبير المجاور يعود إلى سبعة قرون. وخضع كل منهما لعملية ترميم مماثلة حديثا مع جدرانهما المطلية باللون الأبيض. ولكن مهما كانت الأضرار اللاحقة بمثل هذه النصب، فهي لا شيء تقريبا مقارنة بنهب القطع الأثرية في السنوات التي أعقبت الاجتياح الأميركي عام 2003 ولا تزال مستمرة في بعض المواقع.

ومع التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية في مناطق عدة في البلاد، بدا العراق يواجه التحدي المتمثل في الحماسة المفرطة التي يبديها مسؤولون في تطوير السياحة، لكنهم يتجاهلون السلطات.

من جهته، يقول قيس حسين رشيد، رئيس دائرة الآثار، إن كركوك تبقى إحدى المناطق القليلة التي تسعى إلى تطبيق القانون في البلاد.

ويضيف «خلال عهد الرئيس السابق صدام حسين، تعاملنا مع مسؤولين كانوا حاصلين على شهادة تعليم ابتدائية. لم يسمعوا بنبوخذ نصر أو حمورابي. ونعاني من المشكلة ذاتها في بعض المحافظات حاليا».

والشهر الماضي، أمرت وزارة السياحة والآثار محافظة نينوى الشمالية بوقف العمل في الجدار الآشوري القديم عندما تبين أنه يتم استخدام مناشير كهربائية لقطع الحجارة.

ويقول المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الطالقاني، «يحظر تماما استخدام المواد الحديثة في هذه المواقع». كما أن الحكومة غاضبة إزاء طريقة محافظة بابل في إدارة موقع بابل القديم وتأجير أجزاء من قصر مجاور شيده صدام حسين لشركات سياحة. ويتابع رشيد «أن محافظ بابل في العراق الجديد استولى على المدينة القديمة».

بدوره، يعبر المدير السابق للمتحف الوطني في بغداد دوني جورج الذي لعب دورا رئيسيا في استعادة الآلاف من القطع الأثرية المنهوبة عن مخاوفه إزاء السياحة. ويقول جورج الذي فر من العراق عام 2006 إثر تلقيه تهديدات بالقتل، ويقوم حاليا بالتدريس في جامعة ستوني بروك في نيويورك «كل عالم آثار في أي مكان في العالم سيقول لكم إنه يكره السياحة».

ويضيف «لدى المحافظين أموال يخصصون أجزاء منها لمشاريع سياحية من دون استشارة علماء الآثار، لأنهم لا يريدون التأخير الذي يسببه هؤلاء كونهم يشددون على ضرورة أن يكون كل شيء منجزا وفقا للأصول». ويختم قائلا «الجميع معتاد على المجيء إلى العراق للعمل والحفر في مواقع معينة، لكن علماء الآثار يأتون للقيام بدراسات والاطلاع على المواد في المتاحف، أما الآن فلا شيء من هذا يحدث بسبب الوضع الأمني».