جازان: مجهولون يسرقون آثار قرية القصار.. وآخرون يبحثون عن الكنوز المدفونة

هيئة السياحة السعوديةلـ «الشرق الأوسط» : نفاوض السكان على الاستفادة منها.. وروايات العثور على قطع نقدية تزيد من أعداد نابشي القبور

مدخل أحد البيوت
TT

سجلت سرقات الآثار حضورها أخيرا على جزيرة فرسان، حيث تشهد قرية القصار التاريخية اعتداءات من مجهولين، إضافة إلى تعرض مقابر يتردد أنها تعود إلى ما قبل الإسلام إلى «النبش« وذلك بهدف البحث عن «كنوز» مدفونة فيها.

وتحتضن قرية القصار، بحسب مراقبين، آثارا كثيرة تعود لقرون قديمة جدا، في حين يعتقد مراقبون أن وجود أمم سابقة في عصور ما قبل الإسلام على جزيرة فرسان، أغرى الباحثين عن الكنوز بنبش بعض القبور باعتبار أن البعض كانت تدفن معه كنوزه ومتعلقاته وأمواله في عصور سالفة.

وناشد عدد من سكان جزر فرسان -جنوب غربي السعودية– الجهات المختصة، بالاهتمام بقرية القصار المهجورة، التي كانت تمثل المصيف القديم لأهالي الجزر قبل هجرها منذ أربعة عقود.

ونبه الأهالي إلى أن الكنوز الأثرية التي تحتويها القرية الواقعة جنوب الجزر صارت مهددة بالسرقة من قبل مجهولين، بغرض تزيين منازلهم، مشيرين إلى أن المكان الذي كان يضج بالحركة قد أصبح خاويا عقب هجرة معظم السكان وصارت كل المنازل آيلة للسقوط. وقال إبراهيم عبد الله مفتاح المتخصص في آثار فرسان لـ«الشرق الأوسط»: «إن قرية القصار الممتدة على مسافة ثلاثة ملايين متر مربع كانت تمثل المصيف لأهالي الجزر، حيث يرحلون إليها في عدة مواسم، عقب اشتداد حرارة الصيف، وبعد موسم صيد سمك الحريد مباشرة، ومع موسم استواء الرطب الذي يستمر ثلاثة أشهر، وفي مواسم عودة الغائبين من البحار، إلى جانب احتفال ختان الذكور.

وأوضح مفتاح أن قرية القصار تعتبر المصيف للأهالي وتضم عددا كبيرا من أشجار النخيل، غير أن تحول طبيعة الحياة مع دخول التعليم والوظائف، والمرافق الحيوية إلى فرسان وتوفر المياه والكهرباء وغيرها هجر الناس القرية، وتوقفت الرحلات إليها في المواسم عبر الجمال.

وقال إن الهجرة جعلت الأشجار تملأ الشوارع والطرقات، وبدأت البيوت تخرب وتسقط سقوفها وجدرانها، وأصبح الجيل الجديد لا يعرف ممتلكات آبائه وأجداده في تلك القرية التي تحوي أكثر من موقع أثري مهم.

وناشد إبراهيم مفتاح الجهات المختصة بالاهتمام بالقرية بسبب أن المواطنين لن يفعلوا ذلك من أنفسهم، خاصة أن نسبة كبيرة منهم لا يملكون صكوكا شرعية على المنازل، مضيفا أن عددا ممن لا يقدر القيمة التاريخية للمكان سطا على بعض الحجارة والأعمدة الأثرية، مبينا أن انعدام المعرفة لدى البعض قادهم إلى حمل الآثار لتزيين بيوتهم بها.

وقال إن قرية القصار تعد أقدم من فرسان، واستدل بمواقع أثرية وجدت فيها بعض النقوش تعود إلى العهد الحميري، وبعض النقوش الرومانية، وقال إنه يحتفظ ببعضها. وأردف «القرية زارها خبراء أجانب منهم بروفيسور فرنسي يعمل أستاذا للغات اللاتينية، ولا تزال بيني وبينه مراسلات، واحتفظ بحجرين مخطوطين أحدهما يعود إلى سنة 120ميلادية، والآخر إلى سنة 140م، استخرجتهما من موقع بالقرية يسمى بالكدمي الأثرية».

وقال «أعتقد لو أن قسم المتاحف والآثار في الهيئة العامة للسياحة بذل شيئا من الجهد بالتنقيب في هذه المواقع سيجد المزيد من الآثار في القرية».

من جهة قال فيصل طميحي، مدير الآثار والمتاحف بمنطقة جازان لـ«الشرق الأوسط»، إن قرية القصار بناها أهالي فرسان في العصور الحديثة، كمصيف للسكان أثناء مواسم استواء الرطب، بيوتها مبنية من الحجر وجذوع النخل، وقال «للأسف القرية أصبحت مهجورة لأسباب حضارية، البعض يقول إن القرية تعود إلى العهود الرومانية، لكنها ليست كذلك، فكل ما في الأمر أن بعض الشواهد والنقوش الحجرية الأثرية وجدت فيها، ونزعت ووضعت في أساسات البيوت وجدران القرية، ووجد الناس أعمدة أسطوانية رومانية، وضعت في قرية القصار لتزيين بيوتهم في العتبات وأعلى الأبواب».

وزاد طميحي «هناك شد وجذب بين الهيئة وأهالي القرية، والأمر يحتاج لنوع من المفاوضة بأسلوب راق مع أهالي فرسان للاستفادة من القرية سياحيا واجتماعيا واقتصاديا، خاصة أن القرية لا تزال قائمة وتحتاج للترميم».

وفي سياق أثري آخر، تتعرض بعض القبور في جزيرة فرسان للنبش من مجهولين آخرين يتوقعون العثور على كنوز أثرية فيها. وهو ما علق عليه فيصل طميحي مدير مكتب الآثار والمتاحف بمنطقة جازان لـ«الشرق الأوسط»، أن بعض القبور التاريخية والعائدة لعصور ما قبل الإسلام منذ بضع سنوات تعرضت إلى النبش. موضحا «أن سبب هذه الظاهرة يعود إلى الجهل وقلة الوعي بالأهمية التاريخية لهذه المقابر من بعض الأشخاص، بالإضافة إلى البحث، بحسب زعمهم، عن كنوز مدفونة في تلك المقابر التي يعود بعضها إلى عصر ما قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية».

وأضاف «وفي ذلك دليل على أن الجزيرة في بعض فتراتها ارتبطت بالحضارات، كونها حسب موقعها الاستراتيجي كانت محطة التقاء واستراحة للرحلات التجارية ذهابا وإيابا، إضافة إلى قربها من باب المندب».

وتابع فيصل طميحي «جرى العرف في الأمم السابقة في عصر ما قبل الإسلام أنه إذا مات الإنسان تدفن معه كل مقتنياته المتعلقة به والمختلفة، من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وانطلاقا من هذه المعلومة تتم عمليات النبش والتخريب لهذه المقابر».

وأضاف «أن بعض العابثين بهذه المقابر من خلال النبش، حسب الروايات، أنهم وجدوا بعض قطع النقود الذهبية والأحجار الكريمة، وهذا ساهم في ازدياد عدد النابشين للقبور التاريخية، خاصة أولئك الذين يزعمون بوجود كنوز مدفونة بتلك المقابر».

إلى ذلك وبالعودة إلى إبراهيم عبد الله مفتاح، الأديب والمؤرخ الفرساني قال «إن هناك أكثر من موقع لمقابر في فرسان بعضها يعود إلى أزمنة سابقة، ويعود ذلك إلى أن الفرسانيين كانوا يدينون بالنصرانية القادمة من الشام قبل الإسلام، ولدي بعض الكتابات التي تعود إلى ألف عام تقريبا، وهناك شواهد كثيرة تدل على أن المنطقة بها آثار وكتابات تعود تاريخا إلى دولة «حمير» إحدى دول اليمن الثلاث الكبرى «سبأ» و«معين» وحمير»، وقد كان سكان جزيرة فرسان قوم من قبائل تغلب، وأنهم كانوا قبل دخول الإسلام عليها يدينون بالنصرانية وقد عرف سكان هذه الجزر بشدة البأس وكانت تقوم حروب بينهم وبين قوم يدعون «بنو مجيد» بالقرب من باب المندب، وأن لهم رحلات وتجارة مع البلدان المجاورة لهم.

وبين إبراهيم مفتاح أن هناك مقابر أخرى في أماكن أخرى لها أشكال خاصة من حيث الارتفاعات والطلاء الداخلي أو كما قال لي بعض الخبراء أن هذه المقابر تشابه المقابر الرخامية في أماكن أخرى.

واستطرد مفتاح «لكن تبقى هذه الأشياء اجتهادات شخصية مني أنا شخصيا وأنا لا أمتلك الخبرات العلمية ولا الإمكانات المادية ولا القدرة التي تساعدتي على التنقيب على هذه الأشياء التراثية والآثار».

وأعاد مفتاح السبب الرئيسي الذي يسهل من عملية «نبش القبور» هو عدم تسوير هذه المقابر القديمة من قبل الجهات المختصة والاهتمام بها كونها مقابر تعود إلى عصور وأزمنة ما قبل الإسلام موجها نداء إلى الجهات المختصة وكل المهتمين بالآثار أن يوجهوا نظرهم إلى هذه الجزيرة المليئة بالآثار.