الأمير تشارلز ومعركة ربع قرن ضد الزجاج والإسمنت

مهندسون معماريون يرون أن ولي العهد البريطاني يتبنى وجهة نظر الصفوة بالدفاع عن العمارة الكلاسيكية

يدافع الامير تشارلز في أحاديثه و محاضراته عن العمارة التقليدية و جمالياتها (أ.ب)
TT

معركة عمرها 25 عاما ولم تظهر نتائجها حتى الآن، هكذا وصفت وكالة «أسوشييتد برس» حملات ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز ضد أساليب العمارة الحديثة ودعمه الدائم للطرز الكلاسيكية والقديمة في بريطانيا. وعلى الرغم من أن الأمير تشارلز قد تمهل قليلا في السنوات الأخيرة في توجيه الانتقادات للمنشآت الحديثة في بريطانيا، فإن تعليقاته الأخيرة حول بناء بنايات حديثة ضخمة في مقر ثكنات الجيش الإنجليزي السابقة في منطقة تشيلسي الراقية بوسط لندن، قد أتت بأثر فوري، إذ ثارت ثائرة عدد من كبار المعماريين العالميين الذين قاموا بنشر خطاب ينتقدون فيه تدخل الأمير في المشروعات المعمارية. وتبع الخطاب دعوة نشرتها صحيفة «الغارديان» الأسبوع الماضي، لمقاطعة محاضرة الأمير تشارلز في مقر المعهد الملكي للمعماريين، التي عقدت أمس. وقال المعماريون في الرسالة: «يجب أن تقاوم مهنتنا هذا التدخل الآن، ليس بسبب مسألة الأسلوب المعماري، بل لأن تصرفاته (الأمير) تهدد مجددا عنصرا مهما في نظامنا الديمقراطي».

الحملة ضد الأمير تشارلز تقودها أسماء لامعة في مجال المعمار، منها المصمم رينزو بيانو والمعمارية زها حديد ونورمان فوستر وفرانك غيري.

وفي خطابه الذي يعد الثاني الذي يلقيه في المعهد الملكي بعد خطابه الشهير الذي ألقاه في عام 1984، توقع الكثيرون بالأمس أن يتجنب الأمير التعليق على أي مشاريع بعينها، وأن يركز حديثه على أهمية المعمار في حياة الناس.

وحسب ما أعلنته مصادر في كلارنس هاوس، المقر الرسمي لولي العهد البريطاني، فإن الأمير تحدث عن أهمية دور المعماريين، ليس فقط من خلال تصميمهم للمباني، بل أيضا لأنهم مسؤولون بشكل ما عن الراحة الجسدية والنفسية للمواطنين. وتضمن الخطاب انتقادا خفيا لفن العمارة الحديث، وفي هذا علق المتحدث باسم كلارنس هاوس أمس قائلا إن الأمير «سيذكر المهندسين المعماريين بدورهم المهم في العالم»، مضيفا: «سيقول إننا بحاجة للعودة إلى عمارة تشيد لتدوم، وتضع حاجات الناس والمجتمع أولا وتستشيرهم، وتكون مصممة لتناسب الطابع المحلي لما يحيط بها».

وكان المهندسون قد أبدوا غضبهم من معارضة الأمير الدائمة للعمارة الحديثة وجهوده لوقف المشروع ـ المنشأ على الطريقة الحديثة باستخدام الصلب والزجاج ـ الذي سيقام في موقع لإحدى الثكنات العسكرية القديمة في حي تشيلسي بلندن، واقتراحه باستبدال التصميم المزمع تنفيذه، والذي وضعه المهندس المعماري المعروف ريتشارد روجرز ويعتمد خصوصا على الزجاج والفولاذ، بتصميم كلاسيكي من الآجر والحجارة والألواح الصخرية على طراز المستشفى البريطاني الملكي المقابل له.

وعلى الرغم من محاولة الأمير تشارلز إقناع رئيس الوزراء القطري بإيقاف المشروع، فإن شركة «ديار» القطرية أعلنت المضي في المشروع كما كان مقررا له، وأصدرت بيانا تؤكد فيه أن المشروع ما زال قائما.

ولكن رد الشركة القطرية لم يخفف من غضب المعماريين حول تدخل الأمير تشارلز. ويرى المعماريون أنه (تشارلز) قد تمادى كثيرا هذه المرة، عندما حاول تدمير عملية تخطيط المشروع عبر استخدامه لصِلاته ونفوذه للضغط على القائمين على المشروع لاستخدام تصميمات أكثر تقليدية. وقالوا إن على الأسرة المالكة أن تنأى بنفسها عن القضايا الخلافية.

ومن جانبه قال بيرس غو، المعماري البريطاني البارز، الذي وقع خطابا يحث فيه زملاءه على عدم حضور كلمة الأمير التي ستواكب الذكرى الـ175 لإقامة المعهد: «أعتقد أن الأمير له تأثير ضعيف على العمارة، وله تأثير سيئ على ثكنات تشيلسي».

وقال توني فريتون الذي حيث زملاءه على مقاطعة الكلمة: «لقد أغضبت تلك الضغوط الكثير من المعماريين، وإذا ما صح ذلك فإنه يكون أمرا خارج مسار العملية الديمقراطية». وأضاف: «لقد كتب إلى العميل وهو أمير أيضا، في محاولة لإقناعه بتعديل التصميم، وأعتقد أنه أمر سيئ أن تحاول التأثير على الأمور بهذه الطريقة. وقد أوصى بالمشروع من أجل الموافقة عليه، ومن ثم فبأي حق يجوز للأمير أن يتدخل؟».

وأشار غو في حديث لوكالة «أسوشييتد برس» إلى أن الأمير يتبنى وجهة نظر الصفوة، بالدفاع عن العمارة الكلاسيكية بمبانيها الضخمة وأعمدتها التي استخدمها اليونانيون، ويرفض التصميمات الحديثة التي تشمل توفير مبانٍ رخيصة التكاليف.

وقال غو الذي يعتقد بضرورة عدم دعوة الأمير للتحدث: «أستطيع أن أتبين السر وراء تفضيله العمارة القديمة، فهو يجلس في قصره، لكن ذلك سيئ جدا من أجل المجتمع».

وإلى جانب ردة فعل المعماريين فهناك جدل قائم في بريطانيا حول التصميمات المعمارية الحديثة التي تنطلق في العاصمة البريطانية، وانبرى عدد من الكتاب يعددون محاسن ومساوئ تلك المشروعات، كل حسب توجهه. فدعمت صحيفة «التلغراف» توجّه الأمير للحفاظ على المعمار التقليدي الذي تتميز به مباني العاصمة البريطانية، وانتقدت المهندسين المعماريين الذين يقومون بتغيير شكل بريطانيا عبر إضافة مبانٍ من الزجاج والأسمنت تتنافر مع الطابع الغالب لمعمار البلاد.

ويجدر القول إن انتقادات الأمير تشارلز لم تكن الأولى للمباني الحديثة المزمع إنشاؤها، فقد قام سكان المنطقة المجاورة للمشروع بالاعتراض على التصميمات الجديدة، مما اضطر شركة المقاولات المكلفة بالمشروع إلى مراجعة التصميمات وعمل بعض التغييرات فيها لتهدئة مخاوف السكان من أن تحجب العمارات الجديدة الرؤية، كما تمت إضافة مخطط لحديقة كبيرة تخدم المنطقة.

المعروف عن الأمير تشارلز اهتمامه بالعمارة بشكل خاص، وله كتاب بعنوان «رؤية للمعمار في بريطانيا»، يدعو فيه إلى الطرز المعمارية التقليدية واستخدام المواد النابعة من البيئة البريطانية، ولطالما انتقد تشارلز المشروعات المعمارية الحديثة التي تقام في بريطانيا. وتذكر له الصحف البريطانية اعتراضه على بناء جناح في الـ«ناشيونال غاليري» في وسط لندن، قائلا إن التصميم الجديد، الذي أعده ريتشارد روجرز أيضا، يشبه «الدمل على وجه صديق قديم». وقال تشارلز في خطابه إن دعاة التحديث يدمرون النسيج المميز للندن، الذي استمر على مدار قرون عبر استبدال الأعمال القديمة بأخرى حديثة، حتى إنه أوصى باختبار نظرياته في العمارة والتخطيط عبر إنشاء قرية تقليدية تدعى باوندزبري، 130 ميلا (210 كيلومترات) جنوب غربي لندن.

وجاءت تعليقات تشارلز في أثناء قيامه بإلقاء خطاب في مقر المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين في عام 1984، وتم العدول عن المشروع وقتها. ثم قام الأمير بالاعتراض على تصميم آخر لروجرز مجاور لكنيسة سانت بول الشهيرة، وأيضا تم إيقاف المشروع. وعلى الرغم من أن الأمير قد توقف لفترة عن انتقاد المباني الحديثة فإنه يقوم بين حين وآخر بالتعليق على بعض المباني والتصميمات التي يرى أنها تخل بالشكل المعماري لبريطانيا. ولعل تعليقات الأمير كان لها تأثير واضح باستثارة عداوة المعماريين، إذ قام العديد منهم بتوجيه انتقادات شديدة لمشروع القرية النموذجية في باوندزبري الذي تبناه الأمير كمثال للمعمار التقليدي الصديق للبيئة. وتتطلب إعادة تطوير الثكنات إقامة برج من الصلب والزجاج صممه المهندس المعماري ريتشارد روجرز، إلى جوار مستشفى تشيلسي الملكي، ذلك المبنى العتيق الذي صممه كريستوفر رين، الذي صمم كاتدرائية القديس بول والمعالم الشهيرة الأخرى في لندن في القرن السابع عشر. وسيشمل المشروع المقام على مساحة 13 فدانا (5.3 هكتار) فندقا و552 شقة منخفضة الأسعار، وهو يعد مشروعا ضخما بكل المقاييس، حيث إن الموقع وحده سوف يتكلف 959 مليون جنيه إسترليني (1.44 مليار دولار).

ومن المتوقع أن يدرس مجلس الوزراء الخطة عبر جلسة استماع متوقعة في يونيو (حزيران).