وردة الجزائرية تردد بالرباط «يا ليت الشباب يعود يوما»

في اليوم الأول لمهرجان «موازين» المغربي.. مينوغ أخرجت سكان الرباط من بيوتهم

TT

جاء برنامج مهرجان «موازين إيقاعات العالم» في دورته الثامنة مثل دوراته السابقة، وفيا لتوجهه الفني، المتموج بالنشاط والحيوية الموسيقية، بعد أن قدم في اليوم الأول لافتتاحه طبقا قائما على التنوع. وبات صعبا على الزوار والمهتمين تغطية كل فعالياته وفقراته، لتعددها وتوزعها على مختلف أحياء الرباط، التي تغير نفسها وجلدها، وتضبط توقيتها اليومي في مثل هذا الوقت من كل عام على ساعة المهرجان.

وفي أحد فنادق الرباط، بدت المطربة الجزائرية «وردة» في أحلى حالاتها، بعد الوعكة الصحية التي ألمت بها، وهي ترد على أسئلة الصحافيين في المؤتمر الذي عقدته أول من أمس، بمناسبة تكريمها من لدن مهرجان «موازين»، احتفاء بمسيرتها الفنية.

كانت السعادة تشع من عينيها وهي تشكر منظمي مهرجان «موازين»على الحفاوة التي قابلوها بها، وقالت مخاطبة الجميع بالدارجة المغربية «توحشتكم»، ومعناها بالعربي الفصيح: «اشتقت إليكم». وحرصت وردة على أن تمازح الصحافيين، متحدثة أحيانا بالعربية، وأحيانا باللغة الفرنسية، التي اكتسبتها أيام طفولتها بفرنسا، مستعرضة صفحات من تجربتها الفنية، قبل أن تشد الرحال إلى مصر، حيث كان الملحن الراحل رياض السنباطي، كما ذكرت، أول ملحن يحتضن صوتها، ويبشر بها كصاحبة موهبة جديرة بالتشجيع.

وعادت «الشرق الأوسط» بوردة سنوات بعيدة إلى الوراء حين عرضت عليها صورة من الأرشيف الفني القديم جدا، بالأبيض والأسود، تظهر فيها وهي صبية صغيرة تغني في حفل فني أقيم في باريس، للأمير مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني) عقب عودته رفقة والده الراحل الملك محمد الخامس من المنفى بجزيرة مدغشقر منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي.

الصورة تركت في نفس وردة أثرا عميقا، وأخذت تتطلع إليها بدهشة تحت أنظار الصحافيين، وعلقت ضاحكة بصوت عال، بكل تلقائية: «كنت وحشة»، قبل أن تردف ساخرة: «يا ليت الشباب يعود...»، لتنفجر القاعة بالضحك.

وردة قالت أيضا إنها تحتفظ في بالها بصورة طيبة عن الملك الراحل الحسن الثاني، الذي عرف بعلاقاته الواسعة مع مشاهير الطرب العربي، مثل عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وغيرهما. فقد كانت تغني في سهرة في إحدى المناسبات الوطنية، وكانت أجهزة الصوت غير مضبوطة، فقام الملك الحسن الثاني شخصيا بضبطها، وثبت الميكروفون الذي كانت تغني به: «كانت تلك أجمل ذكرى بقيت راسخة في البال عنه».

وعبرت وردة عن إعجابها بالأغنية المغربية، واصفة إياها بـ«الصاروخ»، متوقفة عند بعض رموزها، مثل الفنان الراحل محمد فويتح، الذي تعرفت عليه عن كثب أثناء وجودهما معا في فرنسا، وكان يكبرها بسنوات، فيما يثيرها عبد الهادي بلخياط بصوته، وعبد الوهاب الدكالي بألحانه، لا سيما أغنيته «ما أنا إلا بشر»، التي غنتها بعده المطربة صباح.

وأعربت وردة عن استعدادها لأداء أغنية مغربية إذا توفرت شروطها الفنية، واستبعدت فكرة أن تشارك في أدوار سينمائية وتلفزيونية، باعتبار أن التمثيل ليس مجالها، «أنا مطربة فقط، ولست فنانة شاملة، ولا راقصة، والتمثيل يتطلب فنانين في عمر الثلاثين، وأنا تجاوزت الثلاثين منذ سنوات»، تقولها وهي تضحك،مضيفة: «أنا لست منافسة لأحد، بحكم سني، وهذا ليس غرورا، بل بحكم تجربتي في الفن التي امتدت لسنوات طوال». ولم ترحب وردة بفكرة «دويتو»أو ثنائي فني يجمعها مع المطرب الشاب خالد، ابن بلدها الجزائر، وعزت ذلك لكونه سبق له أن ظهر إلى جانب مطربين آخرين.

وبعد أن أعربت عن إعجابها ببعض الأصوات الجديدة، التي تطربها مثل شيرين، وأنغام، وأصالة، وآمال ماهر، وفضل شاكر، وصابر الرباعي، أعلنت أنها بصدد وضع اللمسات الفنية الأخيرة على شريط جديد لها، يظهر قريبا، وقد تعاونت فيه مع ملحنين شباب من مصر ولبنان، مشيرة إلى مروان الخوري، وتامر حسني.

وشددت وردة على القول إنها لا تعتبر نفسها في حالة نفي بمصر، بل هي في بلدها الثاني مثل المطربة المغربية سميرة سعيد، والمغنية التونسية لطيفة، وفلة الجزائرية اللاتي يثرين المشهد الغنائي في القاهرة، لكنها استدركت قائلة، إنها تشعر كما لو أنها مهاجرة حين تزور فرنسا.

خارج الفندق، وغير بعيد من مقر مؤتمر وردة، كانت أصداء أصوات شابة تتناهى إلى الأسماع قوية، مشحونة بزخم الشباب. إنهم أفراد «جيل موازين» الخارجين من رحم المعاناة، والذين يحلمون بأن تجد مواهبهم طريقها إلى النور، عبر فرص التباري التي فتحها مهرجان «موازين» في وجوههم.

وعلى شاطئ نهر «أبي رقراق» الذي طالما تغنى به الشعراء والمبدعون، كان لعشاق الموسيقى الرفيعة، ذات النفس الكلاسيكي العميق موعد مع الفنان والموسيقي الإيطالي العالمي انيون موريكون، من خلال مقطوعات موسيقية جميلة، ظلت تتردد كثيرا تلك الأمسية بين أسوار حي الأوداية الأثري، وضفاف الوادي.

شارع محمد الخامس، الشريان النابض للعاصمة، عاش بدوره مساء أول من أمس، على إيقاع الموسيقى الهندية، وتقدمت العرض فرقة «ماهارادجا براص باند»، بكل أزيائها الملونة البراقة، وأعضائها برقصاتهم وحركاتهم المثيرة للخيال، ونفخهم للنار بأفواههم، كأنهم مجموعة من السحرة، حلوا بليل الرباط البارد حد الضجر، ليعيدوا إليه الإحساس بمتعة الحياة وفن العيش. وبدورهم، كان عازفو الفرقة النحاسية «سيوكارليا» القادمة من رومانيا بأبواقهم النحاســية، وطبــولهــم الصاخبة، يمنحون السكان شعورا يمزج بين الانتعاش والرغبة في السهر إلى وقت متأخر من الليل في حضرة الموسيقى، لنسيان ضغط رتابة الأيام.

وفتحت قاعة «باب الرواح» أبوابها في وجه معرض تشكيلي برؤية فنية جديدة تجمع بين تجارب عربية مختلفة تحت شعار «رحلات» لفنانين عرب معاصرين.

وفي دار الفنون بالرباط، كانت ماريا تانيا، نجمة موسيقى البرازيل، تثير في المكان أجواء موسيقية ذات نكهة خاصة سافرت بالحاضرين في حفل الافتتاح الرسمي لمهرجان «موازين» إلى عوالم بعيدة وآفاق فنية لم يطرقوها من قبل.

وكان ختام يوم الافتتاح مسك، إذ كانت نجمته الفنانة الأسترالية ذائعة الصيت، كايلي مينوغ.

وتوجه سكان الرباط عن بكرة أبيهم رفقة أبنائهم، إلى ساحة السويسي بالرباط، حيث غنت كايلي معظم أغنياتها الشهيرة التي رددها معها الجمهور بحب ولوعة منقطعي النظير.