«القبيح».. مسرحية تتناول صناعة وتسويق الجمال في العالم

باحثة اجتماعية إيرانية تتساءل: لماذا معظم عمليات التجميل في العالم تجري في الهند وإيران؟

700 ألف عملية تجميل أجريت في ألمانيا عام 2006 وهذا يماثل ضعف عمليات التجميل قبل عشر سنوات («الشرق الأوسط»)
TT

رقص الساحرات حول قدر «الجريمة الملكية» في المشهد الأول من مسرحية ماكبث، وينشدن «الجميل هو الدميم والدميم هو الجميل دائما»، وجمّلن بذلك طريق العرش لماكبث بأحلام السلطة والمال على أشلاء جثة الملك الدامية. وهكذا بدا طريق الشر والجريمة، القبيح جميلا في عيني ماكبث، بل إنه آمن أيضا بأن الله سيغفر له فعلته جراء نواياه الطيبة. وهو ما يحدث مع الشاب المخترع «ليتة» الموظف في إحدى الشركات في مسرحية «القبيح» من تأليف ماربوس فون ماينبيرغ. يحقق القبيح «ليتة» إنجازا كبيرا في شركته بعد أن يبتكر توصيلة كهربائية جديدة تقتصد كثيرا في استهلاك الكهرباء، لكن رئيسة الشركة «شيفلر»، وبسبب قبح وجه الشاب، ترفض تكليفه بتقديم البضاعة إلى الجمهور وأمام الصحافة وأجهزة الدعاية، وتفضل عليه مساعده الجميل «كارلمان». يقف القبح وتسويق جمال السلعة هنا بالضد من طموح «ليتة»، فيقض مضجعه، خاصة بعد أن تصارحه رئيسته بالسبب. وحينما تنقطع «توصيلة» الكهرباء في رأس القبيح يذهب لسؤال زوجته «فاني»: هل أنا فعلا قبيح؟ تجيبه فاني «المهم أني أحبك». وهو اعتراف غير مباشر بقبح الزوج وعدم لياقته بدور مسوق السلع في الشركة.

هنا، وفي محاولة لإنقاذ الوضع، تقترح الرئيسة على «ليتة» الخضوع لعملية تجميل تؤهله اجتماعيا واقتصاديا للنهوض بمهمة تسويق التوصيلة الكهربائية الجديدة. ومن جديد يبحث القبيح عن النصح لدى «فاني»، لكن الأخيرة تتلبس دور «الليدي ماكبث» دافعة زوجها إلى غرفة العمليات تحقيقا لأحلامها ببناء بيت والسفر حول العالم.

وفي مشهد جميل، ترافقه الموسيقى، تجري السيدتان العملية للقبيح تحت إيقاع الموسيقى الراقصة. تنجح العملية ويتحول القبيح إلى جميل تكون رئيسة الشركة أول من يقع في حبه وتشاطره المشاهد الجنسية. يقف «ليتة» ناظرا في المرآة إلى صورته الجديدة غير مصدق، على الرغم من أننا على المشهد لا نلحظ أي تغيير، وأعتقد أن الإيحاء هنا واضح، فالدعاية ودهشة الجميع بجمال وجهه جعلته يصدق الأمر بنفسه.

ويكبر «ليتة» ويتحول إلى نجم في الدعايات والصحف، ومعه تكبر الشركة وتزداد مبيعاتها. ويتحول «وجه» ليتة إلى رأسمال حقيقي له، تقف السيدات على باب غرفته بالطابور بانتظار الكهرباء من «توصيلته»، تتسابق الشمطاوات الثريات على كسب وده، يطارده فرسان «الباباراتزي» بالكاميرات أينما حل، ويغرق في حفلات الكوكتيل ويتحول إلى «ديك» يعدد بالصياح الصباحي أسماء عشيقاته.

وبعد فرحة الكسب الأول، تدرك زوجته قبل غيرها بأن «ليتة» أفلت منها في غابة الدعاية الرأسمالية، وأنه وقع في النهاية تحت تأثير «سحر البرجوازية الخفي». وهكذا يبدأ عالم «القبيح السابق» بالانهيار أمام زحف عالم «الجمال» النسبي الجديد، يخسر «ليتة» زوجته وأصدقاءه ومعارفه وعلاقاته، ثم يفقد إنسانيته ويتحول إلى «ديك» لا غير.

وكما اعتصرت الدعاية الرأسمالية تشارلي تشابلن في نيويورك كالليمونة ثم قذفته إلى سلة النفايات، تختطف الرئيسة وجه «الجميل» كما تختطف أية ورقة، تمزقها وتلقيها في سلة المهملات. ينتهي دور «ليتة» المرسوم له مع نجاح مساعده «كارلمان» في اختراع توصيلة كهربائية جديدة قادرة على «كهربة» البلد كله حول الشركة. وعلى الرغم من أن المساعد جميل، إلا أن الرئيسة تخضعه إلى عملية تجميل مماثلة للأولى وتخلق منه «جميلا» من نوع جديد يضع جمال «ليتة» على الرف.

يقول هيغل «يمكن للمرء دائما أن يهنئ العروسين بلياقتهما لبعضهما بعضا، لأن العروس والعريس يبقيان دائما جميلين بنظر بعضهما بعضا»، لكن العرس الانتهازي الجميل بين «ليتة» وشركته ينتهي بالطلاق. يعترض «ليتة»، يهدد، يصرخ بأنه الأجمل وأنه سرمدي الجمال، لكن صيحاته تضيع بين أروقة الشركة، لا يسمعها أحد ولا حتى زوجته الغارقة في علاقاتها الجنسية هي الأخرى. يهدد القبيح «السابق»، والقبيح «الجديد» بالاستقالة، فيتلقى الموافقة فورا من الرئيسة، فيقف متطلعا باستغراب إلى «الديك» الجديد كارلمان الجميل الذي أنجبته ماكينة صناعة الأذواق.

لا يجد «ليتة» أمامه أخيرا، وبعد أن فقد شخصيته وإنسانيته، غير أن يتقدم بمطلب عادل إلى الشركة: أن يسترجع وجهه القديم. لكن الرئيسة ترفض ذلك وتقول له إن العملية أجريت على حساب الشركة، وإن العملية لا يمكن عكسها وإن وجهه «القديم» أصبح ملكا للشركة وعليه أن يتعايش مع وضعه الحالي. وتنتهي المسرحية بالمخترع الشاب وهو يدور في المسرح باحثا عن وجهه، باحثا عن شخصيته، ويصرخ مطالبا باستعادة قبحه.

تقول الباحثة الاجتماعية الإيرانية حنة محمدي إن معظم عمليات التجميل في العالم تجري حاليا في «إنIN»، وتقصد بذلك دولتين يرن فيهما هذان الحرفان وهما إيران والهند. وتضيف: «خلق الله كل إنسان، ويحب الله خلقه كافة. وعليّ أن أرضي بشكلي وأن أتقبل أشكال الآخرين... إلا أن الدعاية لا تترك مجالا للناس لفهم ذلك، وعليّ في أغلب الأحيان أن أسبح عكس التيار، وهذا يحطمني مع مرور الوقت».

ونسأل، لماذا إيران، بلد الجمهورية الإسلامية والتحجب والقيم الإسلامية التي تتعامل مع الجميع كمخلوقات الله عز وجل؟ أهو تمرد أنثوي ضد ثقافة النقاب وذم التبرج والجمال، أم أنه محاولة من المرأة لإظهار الجزء الوحيد القادرة على إظهاره للرجل وهو وجهها. تميل النساء الإيرانيات لصبغ شعورهن بالأشقر على الرغم من تنافر الرموش والحواجب السوداء مع لون الشعر، ويقال إنهن يقلدن بذلك الملكة فرح بهلوي التي صبغت شعرها بالأصفر في الستينات. لا تنتمي ألمانيا إلى بلدان «إن»، لكن هوس العمليات التجميلية يتفشى أسرع من تفشي صالونات التشمس بالأشعة فوق الحمراء، على الرغم من التحذيرات من مخاطر الإصابة بسرطان الجلد. مع ذلك برزت ظاهرة خطيرة مؤخرا وهي انخفاض أعمار الراغبين في الخضوع لمبضع الجراح ووصوله إلى سن 16 سنة، خاصة بين البنات. لذلك، يتعامل البروفسور الألماني، أوفه غايلر، مع «هواية عمليات التجميل» كمرض اجتماعي، ويطلق على تكرر إجراء العمليات التجميل، من نفس الشخص، وعدم القناعة بالمستوى النسبي للجمال الشخصي، اسم «هوس التجميل» الذي يصيب نحو 800 ألف ألمانية وألماني. وقال غايلر، رئيس قسم الأمراض الجلدية النفسية في جامعة غيسن (غرب)، إن المدمن على التجميل يقف يوميا بين 2 ـ 24 ساعة أمام المرآة. ويقضي معظم هؤلاء الوقت أمام المرآة لتجميل وجوههم وأجسادهم والتفكير بالمواصفات الجديدة التي ستسبغ عليهم بعد تعديل الأنف أو تصغير الفم أو سحب البشرة. وعدا عن التكلفة المادية والنفسية لعمليات التجميل، فإن الوقوف أمام المرآة يستهلك وقت عمل الإنسان، ويؤدي في كثير من الحالات الحادة إلى فقدان العمل وإهمال العائلة.

ويطلق غايلر على هوس التجميل اسم «اضطراب التشوه الخلقي» الذي رصد الأطباء تزايد حالات المعاناة منه في السنوات الأخيرة. وتحدث غايلر عن دراسة حديثة تثبت تملص المعانين من هوس التجميل من العلاقات الاجتماعية ومراودة بعضهم أفكار الانتحار رغبة منهم بالتخلص من أشكالهم «المعيبة». وأخضع 700 ألف ألماني للعمليات التجميلية عام 2006، وهذا يماثل ضعف عمليات التجميل عام 1996، أي قبل عشر سنوات. وصارت البنوك تشجع على هذا الميل من خلال قروضها منخفضة الفائدة لعمليات التجميل. وسجل اتحاد صناعة المواد التجميلية زيادة في المبيعات بنسبة 3.6 في المائة خلال سنة.

ولا تبدو الصورة في ألمانيا وإيران أسوأ منها في عالم المكياج وصناعة النجوم في هوليوود، فصناعة الجمال تخاطب الناس بالأمنيات الأفلاطونية الثلاث «الصحة والثروة والجمال». وعلى الرغم من معرفة صناعة الجمال بأن الفروق واسعة بين النساء عاديات الجمال والموديلات وملكات الجمال، اللاتي يظهرن في الدعايات، فإن دعايتهم توهم المرأة بأن المستحضرات التجميلية الحديثة قادرة على إزالة هذا الفرق. وتروج الدعاية للناس بأن المستحضرات التجميلية قادرة على خلق «الجمال» الظاهري كما يخلق الرسام لوحته أو يؤلف الموسيقار سيمفونيته. ولهذا فطبيب الجراحة التجميلية المعروف جورام ليفي في ألمانيا يسمى نفسه «موزارت المبضع»، ولا يرسم بمبضعه في صالة العمليات إلا على أنغام موزارت تحيط به لوحات فان كوخ من كل جانب.

تعرض مسرحية «القبيح» على مسرح «سكسونيا الوطني» المعروف، وهي تجسيد لفلسفة نسبية القبح والجمال في عالم رأسمالي فقد الإحساس بالجمال منذ فترة، وصارت الدعاية وشركات تحسين السمعة تصنع الجمال وتسبغه على من يدفع أكثر.