جوزيف غرانت.. قائد طائرة الملك عبد العزيز: فلسفة الملك كانت الشفافية وأحب شعبه كثيرا

جاء إلى السعودية لحضور الحفل التكريمي الذي أقامه له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز

جوزيف يتوسط ابنه وابنته اللذين رافقاه في زيارته إلى السعودية (تصوير: غازي مهدي)
TT

«كان ملكا يحب شعبه كثيرا ويحترمه، ويعمل من أجله، إلى جانب كونه يتسم بالشفافية التي تعد فلسفة أساسية وبسيطة؛ أوصلت الدولة السعودية إلى ما هي عليه الآن، وجعلت منه أعظم الرجال على مر العصور».

كانت هذه الشهادة التي أدلى بها الأميركي جوزيف غرانت في حق الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ لكونه أول طيار له، وقد بلغ من العمر مائة عام، ورافقه طيلة عامين كاملين، بعد أن أهدى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت طائرة بقائدها لمؤسس السعودية خلال لقائهما على متن بارجة في قناة السويس بمصر، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945.

ورغم أن جوزيف غرانت ـ الذي ملأت وجهه تجاعيد الزمن، دون أن تحجب ابتسامته ـ اعتاد منذ بداياته في الطيران عام 1930 على قيادة طائرات أهم الشخصيات في دول العالم، التي من بينها طائرة أحد رؤساء دولة آيسلندا، وغيره من الأسماء المهمة في واشنطن، إلا أنه يعتبر فترة عمله لدى الملك عبد العزيز من أكثر الأوقات التي تعلم فيها الشيء الكثير.

ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» خلال وجوده أول من أمس في أحد فنادق جدة قبيل لقائه بخادم الحرمين الشريفين «كنت أراه دائما يوزع الهدايا والمعونات المادية على من حوله باختلاف طبقاتهم، وحينما عدت إلى بلدي أعطاني حقيبة مليئة بالهدايا، غير أنني تعلمت منه الكرم العربي الأصيل، مما جعلني أقوم بتوزيع محتوياتها على رئيسي في الشركة وزملائي بأميركا»، لافتا إلى أنه شعر بحزن عند مغادرته للسعودية، خاصة أنه فقد الكثير من أصدقائه السعوديين، مما جعله يفكر طيلة عمره في الأوقات التي أمضاها على أرض هذه البلاد الطاهرة.

وما زال جو يتذكر الرحلة الأولى التي قادها برفقة الملك عبد العزيز على متن أول طائرة سعودية من طراز دي سي 3، إذ كانت تتجه من الرياض إلى جدة، غير أنه لا يذكر المدة التي استغرقتها بدقة، سوى أنها تجاوزت الثلاث ساعات.

ولأن جو غرانت كان مهتما بعمله فقط في السعودية، لم يجرب يوما ما أن يتعرف على الشخصيات التي كانت ترافق الملك عبد العزيز في رحلاته، ويقول «كان الملك يستضيف بعض الزعماء على متن طائرته التي كانت مزودة بأثاث مصنوع من أجود أنواع الخشب الذي لم يكن معتادا في ذلك الزمن».

وبيّن جو أن الطائرة كانت مجهزة بأجهزة الملاحة الحديثة حينها، التي تعد في هذا العصر بدائية جدا، إلى جانب أنه كان يضطر لاستخدام معلوماته الملاحية في النجوم، وذلك من خلال اعتماده على أربعة نجوم في السماء، يحدد عن طريقها موقعه، مضيفا أنه كان يستعين ببدو الصحراء الرحل، لخبرتهم وفراستهم في الملاحة، ومن ثم يخبر مراكز الملاحة التي كانت موجودة في جدة والرياض والظهران بموقعه.

ويقول «أحب الطيران كثيرا، إذ كنت أعتبره كل حياتي. وفي اعتقادي أن هذا الأمر انتقل وراثيا إلى ابني «إدوارد» الذي بدأ في الطيران منذ أن بلغ الثالثة عشرة من عمره»، منوّها إلى أنه قام بتدريب الكثير من تلامذته في بداياته على قيادة طائرات كبار الشخصيات، إلا أن معظمهم فضل الابتعاد عن ذلك.

ولم يأتِ جو غرانت إلى الأراضي السعودية بعد رحيل الملك عبد العزيز سوى مرتين فقط، غير أنه تواجد مؤخرا في المملكة لحضور الحفل التكريمي الذي أقامه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز له.

ولم يخفِ طيار الملك عبد العزيز إعجابه الشديد بالعباءة النسائية السعودية التي كانت تعجب زوجته أيضا، إذ ارتدت ابنته «تيسي» المرافقة له في رحلته الأخيرة إلى السعودية عباءة والدتها، بعد أن أهداها إياها والدها.

ويعد جوزيف غرانت أحد الطيارين الذين أدوا دورا أساسيا في تأسيس الخطوط الجوية العربية السعودية، وتدريب طياريها، كما كان له دور متميز في تعزيز العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، إذ تقلد مؤخرا وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى من قبل عادل بن أحمد جبير سفير خادم الحرمين الشريفين لدى أميركا، نيابة عن الملك عبد الله بن عبد العزيز بمقر السفارة في واشنطن.

وأشاد حينها السفير جبير بالطيار غرانت، لكونه من الرواد الذين قاموا بالطيران إلى السعودية، فيما أعرب الطيار غرانت عن شكره وامتنانه لهذا التكريم، مشيدا بالقائدين الملك عبد العزيز، والرئيس روزفلت، وقال «إن صاحب الجلالة الملك عبد العزيز واحد من أعظم الرجال».