الشعر يشق الأوساط الثقافية البريطانية

بسبب منافسة على كرسي شرفي أسس قبل 300 عام في جامعة أكسفورد

روث باديل، حفيدة العالم تشارلز داروين، كانت المرأة الأولى في تاريخ الجامعة التي تربعت على هذا الكرسي (أ.ب)
TT

جامعة اكسفورد، إحدى اعرق جامعات العالم، إن لم تكن الأعرق على الإطلاق، التي يرجع تاريخها لما يقارب 750 سنة، تتمتع بطقوس وتقاليد قديمة بقدم مؤسسات بريطانيا الأرستقراطية مثل الملكية. ومن هذه التقاليد مثلا تنصيب رئيس لها أو شاعر، والذي يتم من خلال أعضاء هيئة التدريس ومجلس خاص بالجامعة وأعضاء الجامعة ممن تخرجوا منها سابقا.

وفي هذا المرة أثار التنصيب أو الانتخاب لكرسي الشعر زوبعة أدبية وشعرية ما زالت مستمرة وقسمت الأوساط الثقافية البريطانية إلى معسكرين، بعد انتخاب الشاعرة روث باديل وانسحاب الشاعر ديريك وولكوت الحائز على جائزة نوبل للآداب المنحدر من سانت لوتشيا في جزر الكاريبي من السباق بسبب التسريبات واتهامه بفضائح جنسية خلال وجوده في جامعة هارفارد عام 1982. كرسي الشعر في الجامعة سيصبح شاغرا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بعد انتهاء فترة تربع الشاعر الحالي كريستوفر ريك. وعندما ترشحت الشاعرة روث باديل، إحدى حفيدات عالم الأحياء وصاحب نظرية النشوء والتطور تشارلز داروين، عبرت الأوساط الأدبية والأكاديمية البريطانية الليبرالية المنادية بالتجديد وإنصاف المرأة عن سعادتها لأن ذلك سيتيح ولأول مرة في تاريخ الجامعة لامرأة التربع على هذا الكرسي المهم من الناحية المعنوية، والذي لا يعني بالضرورة الانخراط في التدريس مثل ما هو معروف عن المناصب الأكاديمية عند تنصيب أستاذ جامعي لوظيفة، لأن من يفوز بهذا المنصب لا يقوم بالتدريس، وكل ما يقوم به هو إعطاء عدد قليل من المحاضرات، لا تتعدى ثلاث أو أربع محاضرات، خلال العام حول مواضيع الساعة الأدبية والشعرية، بالرغم من أنه يتمتع بإقامة دائمة وسكن فاخر داخل مبنى الجامعة. إلا أن فرحة الشعراء والأدباء الذين رشحوا ودعموا روث باديل لم تدم طويلا وكانت تجربة مخيبة لآمالهم، خصوصا أنهم كانوا يطمحون بأن يكون هذا العام عام الشاعرات، بعد أن اختيرت ولأول مرة كارول آن دافي السحاقية شاعرة للبلاط. وبعد تسعة أيام فقط على انتخابها بلا منازع للوظيفة بعد انسحاب وولكوت من السباق قدمت روث استقالتها. وجاءت استقالتها بعد تسريبات ادعت أنها هي التي كانت وراء حملة التشهير التي تعرض لها منافسها ديريك وولكوت، وأنها لمحت للصحافيين بالفضيحة الجنسية التي قد يكون منافسها متهما بها. وفي الأمس قالت الشاعرة «أعتقد، وإنني صادق بهذا، أنني لم أقم نهائيا بقصد وتعمد أن أسيء إلى زميلي ومنافسي ديريك وولكوت، الأمر الذي تسبب بانسحابه من المنافسة»، وأضافت معتذرة إلى وولكوت «عن أي شيء قد يبدو أن الهدف منه هو التجريح»، كما قالت في تصريحات نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي». كما أثنت خلال اشتراكها في «مهرجان هي الأدبي» السنوي الذي يعقد سنويا في مدينة هي الشهيرة عالميا في مكاتباتها للكتب المستعملة، على أعمال وولكوت الشعرية وخاطبته بصيغة «أستاذي»، مضيفة «عندما قرر الانسحاب شعرت بشيء يمزقني من الداخل، لا أرغب في إهانة أي زميل شاعر، ولقد اعتذرت للجامعة عن استقالتي، وأتمنى أن يتم اختيار امرأة لهذا المنصب». وكانت قد نوهت روث باديل في مؤتمر صحافي أن هناك ادعاءات على وولكوت بخصوص إحدى الطالبات في جامعة هارفارد. واعترفت أمس بأنها تصرفت بعفوية عندما ذكرت القصة للصحافة. «لم أقصد سوء النية.. إلا أن الكثير فسروا تصرفي بغير ذلك. إنني أريد مصلحة الجامعة في نهاية المطاف، ولهذا قررت الاستقالة من منصب كرسي الشعر. أتمنى أن تضمد الجراح وينتخب الشخص المناسب للمنصب». وسحب وولكوت، 79 عاما، ترشيحه بعد أن نشرت الصحف أن 100 رسالة أرسلت إلى أكاديميين في جامعة اكسفورد تدعي أنه قام بتحرشات جنسية خلال وجوده في هارفارد. وقالت جامعة أكسفورد ردا على استقالة روث باديل: «الجامعة تحترم قرار الشاعرة. إنها فترة صعبة جدا بالنسبة لجميع المعنيين، وسنبدأ بمراجعة ما حصل بهدوء»، بعد أن وصف وولكوت ما حصل له بأنه «دنيء ومشين». ومن الأشخاص الذين رشحوها للمنصب كان إيه سي غريلينغ أستاذ الفلسفة في جامعة لندن، والذي طلب منها، كما أخبر «بي.بي.سي» (ريديو 4) أن تبتعد عن ما قيل عن وولكوت بعد أن نشرت الادعاءات، إلا أنها لم تفعل ذلك. وفي الأمس قال إن قرارها بالاستقالة كان مصيبا، بالرغم من أنه كان يرغب في أن يرى امرأة في المنصب. أما الروائية البريطانية جانيت وينترستون فقالت إن ما حصل لروث باديل «لا يغتفر، ومشين» لاعتقادها بأن الجامعة أجبرتها على الاستقالة، مضيفة «أنها امرأة ولهذا واجهت هذه الضغوط. لو كانت رجلا لما أجبرت على ذلك.. ماذا تتوقع من جامعة اكسفورد انها مؤسسة معادية للنساء». وكانت باديل قد حصلت على 297 صوتا من الأكاديميين العاملين في الجامعة ومن الطلاب. كرسي الشعر في الجامعة تأسس عام 1708.