كششيان: ألعب مع الظلال وأحرضها لتروي حكايات أشخاصها

في معرضها تتفوق الظلال على أصحابها

من معرض الفنانة كششيان («الشرق الأوسط»)
TT

يقع زائر غاليري «عايدة شرفان» في وسط بيروت أسير الظلال الزرق لأشخاص سود، يتحركون على مساحات إما شفافة أو بيضاء، يسعون لعبورها، إلا أن تطور الظلال يبقيهم أسرى هذا العبور الدائم والمستحيل. هذه اللعبة البصرية تحمل عنوان «أشكال القيم» وتوقيع الفنانة التشكيلية اللبنانية تالين كششيان، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «الظل اختصاصي، فأنا درست جسم الإنسان وأحاسيسه. وبدأت أعمل على الورق وألعب مع الظلال، أحرضها لتروي حكايات أشخاصها، وتظهر قيمتهم الإنسانية. وللأمر فلسفته. عندما ننتبه إلى أن للإنسان شكله المحدد، أما الظل فهو مرن يتمرد على شكل صاحبه. سألت نفسي: ما هي أفكار الظل؟ هل يكتفي بانعكاسه؟ ووجدت أجوبة كثيرة. فالأم التي تعتني بابنتها الصغيرة، تصبح في ظلها عجوزا، تحتاج هذه الابنة لتهتم بها. والذين يسيرون جنبا إلى جنب في هذه الدنيا قد تتلاقى ظلالهم وتتماسك وتتعانق وفق ما يمكن أن تهمس به أفكارهم».

ولا تنتهي الحكايات في مخيلة كششيان، فهي تسعى من خلال لوحاتها إلى مساعدة أشخاصها للتعرف إلى ظلالهم، ليعرفوا أنفسهم ويتصالحوا مع ما هم عليه، ليعبروا إلى السعادة. ربما لتحقيق هذه الغاية تترك الفنانة مساحة اللوحة بيضاء صافية، لترسم الشخص بالأسود والظل بالأزرق، فتقلب المقاييس وكأنها تحول أشخاصها إلى ظلال لظلالهم، التي تشكل الأساس في لعبتها الفنية. هي توضح أن «لعبة الظلال ليست فكرة جديدة. لكن في الغرب تستخدم فنيا بذهنية سلبية، ترتبط بالخوف والشر والضياع. أما أنا فاستخدمها بإيجابية من خلال تطوير الظل ليكون قراءة في طموح صاحبه نحو مستقبل متفائل. لهذه الغاية استعمل مواد تساهم بإظهار هدفي، منها الفينيل ووف والفلكسي غلاس وأحاول المزج بين أساليب متنوعة». في أعمالها لمسة من تقنيات مسرح «خيال الظل»، الذي كان يقدمه ابن دانيال في عصور العرب الذهبية. هي لا تعرف هذا المسرح ومبتكره. لكنها توافق على أن لوحاتها مسرح لتوق الإنسان إلى تعبير يحرره من قيد الواقع. الفنانة التي يدل اسمها على جذورها الأرمنية، تصر على عنصر التفاؤل في أعمالها، ليس لإلغاء المعاناة التي تعترض حياة الشعوب عامة، واللبنانيين خاصة، والأرمن الأكثر خصوصية في مسيرة القهر، إنما لتقود النفوس التي نشأت في القهر باتجاه إيجابيات تؤدي إلى التوازن. موضوعات اللوحات كثيرة. الاغتراب أحدها، إلا أنها تستبدل في الرحيل لوعة الفراق بفرح اللقاء. تقول كششيان: «المهم مواجهة السلبية والغضب والخوف». هي تواجهها بالمتنزهين على الرصيف البحري لبيروت، أو براقصي الدبكة في منطقة جبلية، الذين يصهرون حضارتها كأرمنية ـ لبنانية. كما تواجهها بتعاقب الأجيال، بحيث تسمح لظلالها بالتوالد. تقول: «عشت الحرب اللبنانية، لكني لا أريد أن أعود إليها في لوحاتي. فأنا أفضل أن أقدم للناس ما يطمحون إليه، لأني لو رجعت إلى الحرب أكون كمن يمارس تدميرا ذاتيا. ظلال الحرب والمعاناة لا تساعدني. يكفينا أننا نعيش في بلد صعب. لماذا نتشظى ما دمنا نملك الخيار لنتوجه نحو لمعان الفرح!».