جمعية «رسالة» المصرية تربط العمل التطوعي بالتنمية الاجتماعية

تفتح نوافذ أمل للفقراء ويعمل بها أكثر من 200 ألف متطوع

فريق من شباب «رسالة» يحملون المساعدات للمحتاجين برضا وتفاؤل
TT

«تبرع بمالك، أو بوقتك، أو بأشيائك المستعملة».. شعار اتخذته جمعية «رسالة» منهج عمل وحياة، ودشنت من خلاله مفهوما جديدا، يربط العمل الخدمي التطوعي بمشاريع التنمية في المجتمع، حتى أصبحت أكبر جمعية للعمل الخيري التطوعي في مصر. وأصبحت فروعها الـ47 بمثابة نوافذ أمل للفقراء والمحتاجين بالقاهرة والمحافظات.

تتميز «رسالة» بالإدارة الممتازة وسرعة الانتشار، سواء على المستوى الجغرافي، أو على مستوى الأنشطة، كما تغطي أنشطتها الخيرية المتنوعة الاحتياجات الأساسية للمحتاجين، فمن بناء الأسقف لمن يحتاج سقفا يحميه، ومد وصلات المياه لمن لا يصل إليه الماء النظيف، وكفالة الأيتام وتوفير أسر بديلة بشكل كريم لهم، إضافة إلى القيام بنظام الأخ الأكبر، والتوظيف، والمساعدة بتوفير الملابس، وتجهيز العرائس، وتقديم الكشوف الطبية والدواء مجانا، وإجراء عمليات جراحية، وكذلك تقديم المساعدات للصم والبكم والمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، وإعادة تصنيع المخلفات الورقية، لتنظيف البيئة ومحو الأمية، والكثير من الأنشطة الخدمية، التي جعلت«رسالة» حديث الناس ومحط أنظارهم في معظم مدن وأقاليم مصر.

يقف خلف هذا العمل فريق ضخم من المتطوعين، يمثلون الطاقة المحركة والزخم لكل هذا الثراء والانتشار، فهم مستعدون للذهاب إلى آخر محافظات مصر لتقديم العون لمحتاج.

«الشرق الأوسط» زارت فرع «رسالة» بحي المهندسين بالجيزة. وكان المكان كأنه خلية نحل لصنع الخير. ففي الدور الأرضي كان الشباب يعملون بحماس في تعبئة حقائب المواد الغذائية، من أرز وسكر وزيت وغير ذلك، وآخرون يعملون بهمة في كيّ الملابس وتجهيزها، استعدادا لتوصيلها إلى المستحقين من الأطفال. وهؤلاء الأطفال يستفيدون بدورهم من الدروس المجانية التي تقدمها «رسالة». سألت أحدهم، فقال «اسمي خالد، من مدرسة السيدة خديجة. أستفيد جدا من الدروس التي آخذها هنا، ولا أقدر على غيرها، فلي ثلاثة إخوة، ووالدي يعارض بشدة مسألة الدروس». في الجهة الأخرى من المبنى كانت هناك دروس الكمبيوتر المجانية أو المتخصصة المخفضة للغاية، وبجوارها المكتبة المتاح الجلوس فيها بسهولة للقراءة. وفي كل طابق من المبني تعمل خلايا الخير، حيث لا تحتمل المساحة ذكرها كلها، لكن مثلا تجد مكانا مخصصا لمساعدة المكفوفين، سواء بالقراءة لهم، أو بكتابة موادهم الدراسية بطريقة «بريل»، أو بتوفير المواد والكتب بطريقة مناسبة لهم. وفي المقابل تجد نشاط الصم والبكم المتفاعلين مع المكان، وكانت هناك ندوة للأهل، من أجل إرشادهم إلى كيفية التواصل مع أبنائهم من الصم والبكم.

وفي الطابق الثالث لفت نظري ثلاث سيدات يتابعن بشغف دروس محو الأمية التي تقدمها إحدى المتطوعات. على الجدار مجلة حائط عنوانها «اكفل الدم لهؤلاء»، ثم صور لأطفال يحتاجون نقل دم مستمرا، كأطفال أنيميا البحر المتوسط، ليختار المتبرع أحد الأطفال لمساعدته بدمه، أو كفالته بالدم.

شاهيناز محمد، الموظفة في إدارة الدعاية والتنسيق الإعلامي بالجمعية، تذكر أن عدد المتطوعين في نشاط واحد، وهو قسم المساعدات بلغ 125 ألف متطوع، وبلغ عدد المتطوعين في «مشاوير الخير» 5104 متطوعين. وإجمالا، هناك أكثر من 200 ألف متطوع، معظمهم من الشباب، يعملون في كافة الأنشطة. تتابع شاهيناز قائلة ««رسالة» جهزت أكبر قافلة في تاريخها، وقامت بتوزيع آلاف المساعدات العينية في الواحات الداخلة، وقامت بتجهيز 83 عروسا وفرحا جماعيا». وشرحت شاهيناز الكثير من إنجازات «رسالة»، منها «يوم الإرادة» الذي ضم 700 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة من معظم محافظات مصر في يوم رياضي. كما يشير وليد عبد القادر، الموظف في نفس الإدارة، إلى «يوم الوفاء»، وهو يهتم بالمسنين المنسيين في دور المسنين، ويحقق لهم بعض أحلامهم، مثل العمرة، أو حتى «ترمس شاي».

على الجانب الآخر، تروي مني محمد عليش أنها خضعت لثلاث عمليات لإزالة ورم حميد بالمخ؛ مما أثر على إبصارها، ولم تعد قادرة على العمل في البيوت، وزوجها يعاني من أمراض مزمنة في العمود الفقري، فتوجهت إلى «رسالة»؛ فساعدتها في عمل بعض التحاليل والأشعات، وفي حصولها قرض لإقامة مشروع بسيط بالمنزل يكفيها مد اليد. وتقول (ف.ع) بائعة بأحد المحلات بحي شبرا الخيمة «احترت من أين أقوم بتجهيز أختي الصغيرة (ش) التي امتدت فترة عقد قرانها لثلاث سنوات، ولم تعد هناك أعذار أخرى يمكن تقديمها لأهل العريس، فأجري بالكاد يكفي لإعالتي أنا وأختي، بالإضافة إلى مساعدة والدي الذي يعمل بمهنة النقاشة، ومصاب بمرض الربو المزمن؛ مما يقعده كثيرا عن الذهاب إلى العمل. النقود قليلة.. لا تفكير في ملابس أو نزهة، بل الستر فقط». وتوجهت (ف) إلى جمعية «رسالة» لمساعدتها في تجهيز أختها؛ وبالفعل تم إحضار كل ما يلزمها من غسالة وقطن وبطاطين وأوان للمطبخ وملابس العروس ومطبخ خشبي؛ وتمت فرحتها؛ وهي الآن حامل في شهرها الرابع.

الدينامو المحرك لطاقة شباب «رسالة»، المسؤول الأول عن الجمعية، الدكتور شريف عبد العظيم، الأستاذ في قسم الاتصالات بكلية هندسة القاهرة والجامعة الأميركية. في الموعد وجدته.. إنه شاب في الخامسة والأربعين من عمره. الديناميكية التي في عمله تظهر كذلك على مظهره البسيط غير المتكلف. يقابلك بود وبترحاب، كأنه يعرفك من قبل. جلسنا في صالة عادية لإحدى الشقق، حيث يمر علينا الجميع، فلا يوجد مكان خاص أو غرفة خاصة برئيس مجلس الإدارة مثلا، فكل الأماكن مشغولة بأنشطة الجمعية.

سألته «كيف بدأت فكرة جمعية «رسالة»؟، وكيف تكونت؟»؛ فقال «كنت أعطي محاضرة، كالعادة، لطلبة ثانية اتصالات بكلية الهندسة، جامعة القاهرة، وكنا نتكلم على أهمية المشاركة في حل مشاكل المجتمع الذي نحيا فيه، ولم يكن هدفي أن نفعل شيئا محددا، بل مجرد دردشة، وفوجئت بأنهم فعلا يريدون فعل شيء، واختاروا هم اسم «رسالة»، وكنا نعمل في البداية حملات لنقل الدم وتجميل الكلية، وكبر العمل شيئا فشيئا، إلى أن سمع قريب إحدى الطالبات بما نفعل؛ فقال «عندي قطعة أرض لا أريدها. خذوها، واستفيدوا بطاقات الشباب»، وبالفعل أخذنا الأرض، وأشهرنا الجمعية، وأنشأنا دارا للأيتام، وقام الشباب أنفسهم وبأيديهم بالبناء وتجهيز المبنى بالتجهيزات المطلوبة، ثم توافد شباب آخرون، وهؤلاء أتوا بأصدقائهم، وكثر المتطوعون، وكثرت الأفرع والخدمات والأنشطة». وحول الصعوبات التي واجهتها الجمعية من البداية، وحتى الآن، قال «عندنا في مصر البيروقراطية تستنزف الكثير، فما يأخذ سنة يأخذ خمسا، وما يأخذ شهرا يأخذ سنة، فالبطء أكبر معوق لنا. هناك مبان لها سنوات لا نستطيع أخذ الرخصة لها، أو إقامة المبنى. عمل الجمعية يكبر؛ فنصبح محتاجين إلى سرعة في الأداء، ولا نستطيع الوصول إلى السرعة المطلوبة، فالبيروقراطية هي العقبة ضد القطاع الخاص والأهلي أيضا». وحول موقف الدولة، قال «إنها مع العمل التطوعي، لكن تنفيذ القرارات هو البطيء، والقواعد الإدارية قاتلة».

وحول إدارة هذا الكم من المتطوعين، قال الدكتور شريف عبد العظيم «عملنا شيئا لم يكن موجودا في مصر، ويبدو أنه كان هناك احتياج وعطش لفعل الخير والتطوع، فقلنا هناك مكان للتطوع، وهذا رقم التليفون.. والناس والشباب يريدون فعل الخير. إن «رسالة» قامت بملء ثغرة تريد أن تمتلئ».

ويتابع الدكتور شريف عبد العظيم قائلا «نحن عندنا عمل أهلي جيد، لكن بمنظور المجتمعات المتقدمة.. نحن ضعفاء جدا جدا، ومن الممكن أن يكون العمل الأهلي أقوى بكثير. نحن لسنا في درجة الصفر، لكننا ضعفاء».

وحول طموحاته، يقول إنه عندما اتسع العمل وتعاظمت الأنشطة، «اتسع حلمنا في أن يوجد في كل شارع وكل قرية من يتطوع. طموحي أن نغطي مصر كلها، بحيث لو كان هناك مسن، أو مريض، أو أي شخص في أية مدينة أو قرية أو نجع يطلب المساعدة، يجد من يقف بجانبه، ويقدم له المساعدة».

كلٌّ له دور.. الإعلام، والبيت، والأسرة، والتعليم. والدراما تستطيع رفع الوعي كثيرا بتمثيلية.. بفيلم.. أو بأغنية».

وحول الحالات الإنسانية، قال الدكتور شريف عبد العظيم «رأيت متطوعين مستعدين للتبرع بعضو من أعضاء أجسامهم لآخرين. نموذج آخر لمتطوعين يظلون لمدة سنة أو أكثر ملتزمين بما نود من تعليم أو مساعدة من أي نوع، وهو ليس انفعالا لحظيا ينتهي بعد فترة قصيرة، بل هناك صبر وإرادة. وهذا يعبر عن طاقة جميلة بداخل الشخص. لدينا قائمة «إنقاذ الحياة»، حيث يتصل الناس من المستشفيات لإيجاد نجدة لحالة عاجلة وفورا؛ فنجد متطوعا لمساعدة المحتاج. وهؤلاء كثيرون».

من خلال تجربة «رسالة»، يعتقد الدكتور شريف عبد العظيم أن الشعب المعتمد على الحكومة لن ينمو أبدا، «فإن لم تساعد نفسك؛ لن يساعدك أحد. مفتاح التقدم دائما هو المجتمع المدني. إذا كان الشارع يحتاج إلى رصف، لماذا ننتظر دائما الحكومة؟. لنفعل نحن ذلك. نحن تتعارك بسهولة، لكن لو شعر كل شخص بمسؤولية تجاه المجتمع؛ لاختفت أمور سلبية كثيرة فيه».