أهالي البندقية يلجأون إلى مياه الصنبور لتقليل نسبة القمامة

يسمونها ماء «العمدة» واستعانوا بصورة أوباما لتسويقها

يعد جمع القمامة مشكلة مكلفة ااغاية في البندقيةلانه يعمل في جمعها رجال بعربات يدوية بطول القنوات («نيويورك تايمز»)
TT

في هذه المدينة الحارة النبيلة، تطفو زجاجات المياه المهملة بالقرب من الجندولات على حافتي القنوات وتخرج من صفائح القمامة في ميدان سان ماركو العريق. ونظرا لأن البندقية لا توجد بها شوارع، فيجب جمع القمامة سيرا على الأقدام بتكلفة هائلة. وعلى الرغم من أنه من الممكن إعادة تدوير الزجاجات البلاستيكية في الأساس، فإن العملية ما زالت تطلق غازات البيوت الزجاجية.

ويعد الإيطاليون أكبر مستهلكين للمياه المعبأة في العالم، حيث يتناولون 40 غالونا للفرد سنويا. ولكن مع زيادة وعيهم البيئي، يروج المسؤولون هنا في حماس لما كان من غير المتوقع في الماضي: «على الإيطاليين شرب مياه الصنبور».

كانت المياه المعبأة على مدار عقود أمرا معتادا على الموائد الأوروبية، على الرغم من أن مياه الصنبور في كثير، إن لم يكن في معظم، المدن مناسبة للشرب. ومنذ الثمانينات، تمكنت عادة المياه المعبأة أيضا من الولايات المتحدة، لتشجع المدن من نيويورك إلى سان فرانسيسكو على شن حملات تعليمية عامة للتشجيع على استخدام مياه الصنبور من أجل التقليل من المخلفات البلاستيكية.

ولكن هنا في البندقية، استعان المسؤولون بأحد الأساليب الإعلانية التي ساعدت على جعل المياه المعبأة صناعة تحقق عدة مليارات من الدولارات حول العالم. لقد اخترعوا اسما تجاريا رفيعا لمياه الصنبور في البندقية، «أكوا فيريتاس»، ووضعوا شعارا أنيقا وكتبوه على زجاجات أنيقة توزع مجانا على المنازل.

ونظرا لأن مياه الصنبور غالبا ما يطلق عليها في سخرية «مياه العمدة» في إيطاليا، فقد استعان المسؤولون بعدد من السياسيين المحليين للظهور في لوحات إعلانية ساخرة. ويقول عمدة البندقية، الفيلسوف ماسيمو كاشاري، وهو يفرغ كأسا من الماء: «أنا أيضا أشرب من مياه العمدة».

ويقول ريكاردو سيكاريلو، أحد مسؤولي المدينة الذي يتزين مكتبه بملصق لـ«أكوا فيريتاس»، الذي تم إدخال صورة الرئيس أوباما عليه عن طريق برنامج فوتوشوب: «هناك كثير من الفوائد في أكوا فيريتاس. لا تتطلب مياه الصنبور زجاجة. وجودتها خاضعة لرقابة أكبر من المياه المعبأة. كما أنها زهيدة الثمن بالفعل، وليس عليك الذهاب إلى السوق لشرائها».

وقد سرب معلومة صغيرة يتأكد مسؤولو المدينة من أن الجميع يعرفها حاليا، وهي أن مياه الصنبور في البندقية تأتي من مكان جوفي في المنطقة ذاتها التي تأتي منها إحدى أشهر المياه المعبأة في إيطاليا، سان بينيديتو.

وتعد المياه المعبأة صناعة مزدهرة حول العالم، حيث توجد مئات الأسماء التجارية التي تعلن عن ذاتها لشعبيتها وفوائدها الصحية.

وقد بيع 12 مليار غالون من الماء في 16 دولة أوروبية في عام 2007، وفقا لـ«زينيث إنترناشيونال لأبحاث السوق»، حيث جاءت بعد إيطاليا كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، أكبر الأسواق استهلاكا. وفي الولايات المتحدة، تضاعف نصيب استهلاك الفرد للمياه المعبأة أكثر من مرتين بين عامي 1997 و2007، ليصل إلى 29 غالونا، وفقا لشركة «بيفيريج ماركتينغ».

ويمثل نمو الصناعة كابوسا للمدافعين عن البيئة، الذين يأسفون لكميات طاقة الوقود المستهلكة في تعبئة المياه، وغالبا، ما تستخدم أيضا لشحنها إلى مسافات بعيدة. ويوجد أيضا تأثير الكميات الهائلة من الفضلات البلاستيكية التي تنتج عن تلك العادة. وتعد إعادة التدوير إضافة، ولكن لها حدود لوجيستية ويتولد منها بعض الانبعاثات على أية حال حيث تنقل الزجاجات وتعاد معالجتها.

وتعد القمامة مشكلة مكلفة للغاية في البندقية، في جميع الأحوال، لأنه يعمل في جمعها رجال بعربات يدوية بطول القنوات. ويقول سيكاريلو المسؤول في المدينة إن جمع القمامة يتكلف 335 دولارا للطن، مقارنة بـ84 دولارا للطن على اليابسة. ومنذ عامين أنشأت البندقية «فيريتاس»، وهي شركة محلية شاملة مسؤولة عن كل من المياه وجمع القمامة في المدينة. وأدرك مسؤولو الشركة الجديدة أنه بالترويج لاستخدام الأولى سيتمكنون من التقليل من الثانية.

وفيما يتعلق بتخفيض حجم القمامة، حققت حملة «أكوا فيريتاس» نجاحا كبيرا، ويقدر مسؤولو البندقية أن كميات المخلفات البلاستيكية وصلت إلى 261 طنا في الشهر بعد أن كانت 288 طنا منذ عام.

وتقول سيلفيا فاتا (25 عاما)، وهي طالبة كانت تشتري السمك من متجر قريب من جسر «أكاديميا»: «لقد اكتشفت مياه الصنبور؛ وأحببت مذاقها أكثر. وقد كنا معتادين على شرب المياه المعبأة لأننا نشأنا عليها في المنزل، ولم نكن نعرف أي شيء أفضل منها».

ولكن، لم تحقق حملة الترويج لمياه العمدة الكثير في المطاعم والمحلات التي تحقق أرباحها من بيع المياه المعبأة. وفي المدينة التي تفوق أعداد السياح فيها عدد المقيمين الدائمين بنسبة 100 إلى 1، يمكن للتوعية العامة التي تركز على السكان المحليين أن تصل إلى درجة محدودة فقط في التقليل من المخلفات البلاستيكية.

وعلى الرغم من ذلك، يحمل سيكاريلو رسالة للسياح حاملي الزجاجات: «في البندقية، كما هو الحال في روما، توجد صنابير عمومية منتشرة في جميع أنحاء المدينة، والمياه (آمنة تماما) للشرب».

وفي الحقيقة، يتذكر العديد من أهالي البندقية كبار السن الفترة التي كانت قبل استخدام الميا المعبأة، والتي انتشرت هنا لأول مرة في السبعينات بعد سلسلة من المخاوف من صلاحية المياه. ولكن على مدار العقد التالي، أصبح استخدامها عادة، وإشارة على الرخاء المالي.

يقول ريتانو بوناشين، (61 عام) وهو عامل في حرفة المعادن تقاعد أخيرا: «في البداية كان ذلك نوع من التفاخر، ولكنه أصبح أسلوب الحياة فيما بعد.» ولأن مياه البندقية تأتي من بئر جوفية عميقة نظيفة، ربما لم يتحول البعض بصورة كاملة إلى المياه المعبأة. ومنذ عامين، كان 72 في المائة من سكان البندقية يشربون من مياه الصنبور في بعض الأحيان. وقد ارتفع هذا الرقم إلى 79 في المائة.

وما زال العديدون يفضلون تنقية مياه الصنبور لأنها قد تحتوي على رواسب معدنية. وينصح بترك أكوا فيريتاس لبضع دقائق إذا كانت هناك بقية من الكلور، المستخدم في التنقية لضمان الصحة العامة.

ويقول غيانكارلو ديمورو، وهو يسير مستندا على عصا ويرتدي ملابس كلها بيضاء، إنه منذ 20 عام كان يستخدم المياه المعبأة حتى في إعداد الشاي، لأن مذاق مياه البندقية كان مالحا قليلا في ذلك الوقت. ويضيف إن المذاق قد تحسن في ظل إدارة أفضل.

وفي ضوء حملة أكوا فيريتاس، يستخدم حاليا المياه المعبأة فقط عندما يرغب الضيوف في شرب مياه بالصودا. ولكن تمتلك المدينة حلا لذلك أيضا: فهي تقدم تخفيضات على الكربونات.

* خدمة «نيويورك تايمز»