ألمانيا: الآباء المطلّقون أفضل تربية لأبنائهم من المطلقات

2.6 مليون أم أو أب ينفردون بتربية أبنائهم

غلاف «كتاب التربية» للبروفسور بيتر شتروك («الشرق الأوسط»)
TT

أثار فيلم «أب لا لزوم له» الألماني الكثير من الجدل واللغط بين الأوساط الاجتماعية الألمانية بالنظر إلى الموضوع الحساس الذي يتناوله. فالفيلم، من إخراج دوغلاس فولفسبيرغر، يتحدث عن معاناة أب بعد الطلاق لم تُبقِ له المحاكم من حقوقه الأبوية غير واجب دفع الإعالة.

ويعاني فولفسبيرغر فعلا مثل هذه المشكلة في حياته اليومية لأن القاضي منعه قبل سنة تماما بالفعل من رؤية ابنته حنة. ويقول المخرج إن المحكمة أرست قرارها على أساس أن الابتعاد عن الطفلة سيسهم في بناء تربيتها النفسية بشكل صحيح. وذكر المخرج للصحافة أن أشد ما يؤلمه هو اضطراره إلى دفع 300 يورو إعالة إلى ابنته، ولا يستطيع أن يراها، في حين أنها تقول لرجل آخر «بابا».

لا يشكل الآباء المطلقون الذين يتفردون بتربية أطفالهم سوى 8% مقابل الأمهات، إلا أن آخر دراسة علمية اجتماعية تثبت أنهم أفضل من «الأمهات». وفي حين تتمتع النساء في أغلب الأحيان بحق تربية الأطفال، يتعرض الآباء في ألمانيا، بعد الطلاق، لضغوط هائلة لدفع إعالة تربية الأطفال وإعالة نسائهم السابقات. وتتحدث دائرة الإحصاء المركزية في فيزبادن عن 600 ألف أب يعجز عن دفع إعالة زوجته السابقة وأبنائه، ويضطر تحت ضغط السلطات إلى الهجرة من البلد أو العمل في الخارج بشكل لا شرعي تهربا من قانون الإعالة. ويتهم الآباء السلطات بأنها تسلط ضغوطها عليهم بهدف الدفع دون أن تسلط ضغطا على الأمهات بهدف دفعهن للعمل وإعالة أنفسهن.

عدا عن ذلك فهناك آلاف الحالات التي قررت فيها المحكمة حظر الأب من رؤية أطفاله رغم أنها تقسره على دفع الإعالة. وتظاهر آلاف الآباء، وضربوا الخيام، أمام محكمة برلين، قبل عام، بسبب قرارات حظر رؤية الأطفال. وبلغ غضب «مبادرة الآباء المحرومين من رؤية أطفالهم» الذروة قبل 3 سنوات حينما أجبر أحد القضاة رجلا على دفع الإعالة إلى طفل وُلد لأمه بعد أكثر من سنة من انفصالها عن ذلك الرجل.

وتكشف دائرة الإحصاء المركزية لعام 2007 أن هناك 359 ألف رجل نالوا حق رعاية الأطفال مقابل 2.3 مليون امرأة نالت هذا الحق. وفي حين تتحدث الإحصائية عن تفضيل الرجال التخلي عن الأطفال لصالح الأم، تتحدث مبادرة «الرجال» عن تحيز واضح في دائرة الشباب، التي تحتل النساء معظم مناضدها، في المحاكم لصالح النساء.

ويشير البروفسور بيتر شتروك، مؤلف عدة كتب عن تربية الأطفال، إلى أن دراسته المنشورة في «كتاب التربية» تشي بأن الآباء أفضل تربية لأطفالهم من النساء. واعتمدت دراسته على عينات واسعة من العوائل المحطمة التي ينفرد فيها إما النساء وإما الرجال في تربية أطفالهم. مع ذلك لم يكن الآباء الذكور أفضل من الأمهات، لأن خبرة شتروك في كتابه المذكور تظهر في المرتبة الثالثة النساء اللاتي يعملن ويقمن على تربية أطفالهن في ذات الوقت، ولا تأتي تربية الأم الكلاسيكية إلا في المرتبة الرابعة.

والآباء المنفردون بتربية أطفالهم، عموما، أكثر اهتماما بالجانب الروحي من العلاقة، فهم يقرأون القصص للأطفال قبل النوم، يتحدثون إليهم في القضايا الجدية التي تشغل أفكارهم الصغيرة ويهتمون كثيرا بالجانب الحركي من النشاط، أي لعب الرياضة وقيادة الدراجات والتفسح، إلخ. الأمهات يهتممن أكثر بالجانب العاطفي ويعتقدن أن «الأمور ستسير على ما يرام في الأحوال كافة».

وهذا لا يعني أن العائلة التقليدية تفككت وأن نماذج الزيجات الجديدة قد تفوقت، لأن الطفل بحاجة إلى الأم والأب في ذات الوقت، لكن نسبة طلاق ترتفع إلى 40% في بعض المدن تدفع الباحثين للمفاضلة بين أنواع الزيجات. ترى الأم عادة طفلها أصغر سنتين أو ثلاثا من عمره الحقيقي في حين ينظر الأب عادة إلى طفله أكبر بسنتين أو ثلاث، وهذا يحفز العلاقة بين الأخيرين حسب رأي الباحث الاجتماعي.

من ناحية أخرى تميل الأمهات المنفردات بتربية أطفالهن إلى البحث عن عوض للأب عن طريق مصادقة عائلة متينة لها أب مستقر، كما تبحث في الرياضة عن مدرب جيد لأبنها، في حين يبحث الرجل عن صديقة مباشرة ومحبة للأطفال تعويضا عن الأم.

عدا ذلك فالإحصائية تقول إن معدل أعمار الذكور عند ميلاد طفل لهم في ألمانيا يبلغ 29 سنة، وهي سن متقدمة قياسا بالولايات المتحدة كمثل. ولا يود الذكور (92%) إنجاب الأطفال إلا عندما يكونون متمكنين من إعالتهم، علما أن 38% منهم غير مرتاحين لحياتهم الزوجية، وهو ما يهدد بالمزيد من الحروب حول إعالة الأطفال وحق تربيتهم.