بعثة «ناسا»: هل يمكن العيش على القمر؟

الوكالة تخطط لاستخدام الإنسان الآلي في أول مستعمرة خارج الأرض

زهور طورتها شركة «باراغون» الأميركية بالاشتراك مع وكالة «ناسا» خلال تجاربها لمستقبل العيش على سطح القمر. وتقوم الشركة بالتجارب لحل مشكلة إيجاد طعام وماء وهواء لمن سيعيش هناك (أ.ف.ب)
TT

بعد مرور أربعة عقود تقريبا على هبوط نيل أرمسترونغ بقدميه على سطح القمر، توشك الولايات المتحدة على أن تأخذ الخطوة الأولى تجاه استعمار القمر. وفي يوم الأربعاء، تخطط وكالة «ناسا» لإطلاق بعثة باستخدام الإنسان الآلي تستهدف العثور على المكان الأفضل للمستعمرة الأولى خارج الأرض، وهو الحلم الذي طالما داعب خيال كتّاب الخيال العلمي واليوتوبيين.

وفي هذه المرة، لن نذهب فقط للتمشّي أو لضرب كرات الغولف أو السفر داخل مركب قمري قيمته 10 ملايين دولار كما قام رواد سفينة «أبولو»، ولكن في النهاية نأمل أن نأخذ الأطفال والحيوانات الأليفة معنا وأن ننتقل إليه.

ويقول غريغ تولي مدير مشروع بـ«جهاز الاستطلاع القمري»، وهو جزء من بعثة على مرحلتين: «سوف نقدم لوكالة «ناسا» ما تحتاج لنقل بشريين إلى القمر وللبقاء هناك لمدة أطول».

ومن المتوقع أن ينتج الجهاز نفسه الخرائط الطبوغرافية التي تعطي تفصيلا أدق للقمر، بالإضافة إلى المساعدة على إلقاء النظرات الأولى داخل فوهات بالقطبين الشمالي والجنوبي. ويأمل العلماء أن يجدوا داخل هذه الفوهات مخابئ بها مياه متجمدة اختفت عن الأنظار لمليارات السنيين. ولن تقف البعثة عند ذلك، فباستخدام سفينة فضاء أخرى، تخطط وكالة «ناسا» لعمل حفرة في إحدى الفوهات لترى ماذا سيخرج منها.

ومن المقرر أن يتم إطلاق السفينتين معا باستخدام صاروخ على مرحلتين، وبعد نحو أربعة أشهر من الوقت الحالي، سوف تستخدم الوكالة المرحلة الثانية من الصاروخ كعمود ضخم يُستخدم لعمل فوهة اتساعها 66 قدما وعمقها 13 قدما وتصاعد كتلة حرارية ارتفاعها 6 أميال في الفضاء من المفترض أن يتمكن من مشاهدتها الهواة على الأرض الذين يحملون تلسكوبات ذات حجم جيد.

ويقول توني كولابرت العالم المسؤول عن القمر الصناعي: «سيكون ذلك رائعا، وسيمكن مشاهدته من الكرة الأرضية».

النقطة التي يحفها الكثير من الشكوك التي تدور حول بعثة تصل تكلفتها إلى 579 مليون دولار في الوقت الذي تستعد فيه للإطلاق في كيب كانافرال بولاية فلوريدا هي ما إذا كان سيتم بناء نقطة حدودية قمرية.

ويشار إلى أن خطة إقامة مستعمرة قمرية تم صياغتها نتيجة لرؤية الرئيس جورج دبليو بوش لاستكشاف الفضاء عام 2004، والتي اقترحت وضع مخلوقات بشرية على القمر بحلول 2020. وتدعو هذه الخطة أيضا إلى استخدام القمر كنقطة انطلاق في خطة أكثر طموحا لوضع رواد الفضاء على كوكب المريخ. ولكن، لم يصادق الرئيس أوباما حتى الآن على رؤية بوش.

وقد تسبب قرار الإدارة الأخير الذي يأمر بمراجعة مستقبل الرحلات البشرية في الفضاء في استثارة المخاوف داخل المجتمع الفضائي المتحمس. ويتساءل بعض المراقبين عما إذا كان أوباما يعد الساحة لتراجع عن رؤية بوش الواسعة والاعتماد على رؤية أكثر محدودية بديلا عنها، على غرار الواحدة التي دفعت «ناسا» إلى ترك القمر في السبعينيات لصالح برنامج مكوكي فضائي استهزأ به كثيرا.

وخلال شهادته في 19 مايو (أيار) أمام لجنة العلوم بمجلس الشيوخ، أوضح كريستوفر سكوليز القائم بأعمال المدير في «ناسا»، أنه على وعي تام بأن الخطة الطويلة الأجل لاستعمار البشر لعوالم أخرى يمكن أن تكون في خطر. وأشار إلى حقيقة أن «الإدارة سوف تقدم طلبا جديدا لأنشطة الاستكشاف لو كان ذلك ضروريا».

وقال: «في هذه الأثناء تمضي وكالة (ناسا) كما هو مخطط بخصوص أنشطة الاستكشاف الحالية بما فيها الأنظمة القمرية».

وبعد ساعة من الانطلاق يوم الأربعاء، سوف ينفصل جهاز الاستطلاع الذي يبلغ 4000 رطل عن القمر الصناعي الذي يستكشف الفوهات وأجزاء الصاروخ بسفينة الفضاء. وبعد السفر لنحو خمسة أيام، سوف تستخدم اثني عشر جهاز دفع استرشاديا للاستقرار في مدار على ارتفاع 30 ميلا من سطح القمر، الذي يوجد به الكثير من الأسرار أكثر مما نعتقد.

ويقول تولي: «بعيدا عن المنطقة الاستوائية التي استكشفتها بعثات (أبولو)، تتسم صور باقي القمر بالضعف. لدينا صور لكوكب المريخ أفضل من صور القمر».

وهناك خصوصية بالنسبة إلى القطبين، وقد تكون الخرائط الحالية التُقطت من بعد يصل إلى 10 أميال، على الرغم من أن خطة «ناسا» الحالية تدعو إلى بناء نقطة حدودية على أحد القطبين.

ويوجد في القطبين مناطق بها ضوء شمس دائم وأخرى بها ظل دائم، وسيكون ضوء الشمس مفيدا كمصدر للطاقة الشمسية بالنسبة إلى المستعمرين، وقد تحتوي المناطق المظللة على مخازن للثلج محبوسة منذ مليارات السنين.

ويمكن أن يُستخدم هذا الثلج كمصدر للمياه، كما أنه من خلال أجهزة التحليل الكهربية يمكن تحليله إلى هيدروجين وأكسجين. ويمكن أن يُستخدم الأكسجين للتنفس ولعمل وقود صاروخي للرحلات إلى الأرض ذهابا وإيابا. ولكن لا يوجد دليل قاطع على وجود الثلوج هناك. ويقول تولي إن احتمالية وجود المياه على القمر «موضوع كثرت حوله الخلافات الشديدة المتحمسة».

وتشير البيانات إلى كلا الاحتمالين. ومن البيانات المقنعة بدرجة كبيرة تلك التي وصلت إليها بعثة الاستكشاف القمري عام 1998، التي سجلت مخزونا كبيرا من الهيدروجين داخل فوهات غارقة، حيث لا ترتفع درجات الحرارة عن 270 درجة تحت الصفر. غير أن الجهود التي بُذلت أخيرا للعثور على المياه باستخدام أقمار صناعية دولية أخرى تدور حول القمر قد مُنيت بالفشل.

وتهدف البعثة الحالية إلى الإجابة على هذا السؤال واكتشاف جوانب الغموض الأخرى حول القمر.

ويحمل الجهاز القمري سبعة أجهزة، من بينها مجموعة من الكاميرات التي يمكنها أن تصور بوضوح جسيمات تبلغ 18 بوصة، حجم صخرة صغيرة.

وسوف يقوم جهاز ليزري لقياس الارتفاع بإرسال أشعة إلى السطح للحصول على صورة مفصلة للمكان، الجبال والقمم الجبلية والأودية. وسوف يقوم جهاز يُطلق عليه جهاز «كريتر»، بقياس محيط الإشعاع. وتعلم وكالة «ناسا» منذ فترة طويلة أن التعرض للإشعاع الشمسي والكوني خطر لأي شخص يعيش على سطح القمر.

ويقول تولي: «إذا كنا سوف نبقى على القمر لوقت طويل، فعلينا أن نعرف كيف يمكن أن نحمي أنفسنا». وسوف يكون لجهاز الاستطلاع القمري فرصة جيدة للعثور على المياه، إذا كانت موجودة. وبعد ذلك يأتي مرحلة مراقبة فوهة قمرية والاستشعار باستخدام القمر الصناعي.

وبعد أن ينفصل جهاز الاستطلاع القمري عن القمر الصناعي والصاروخ بعد الانطلاق بفترة قصيرة، سوف يمضي جزء لفتح الفوهة في مدار حول الأرض لتوجيه ضربة إلى القمر. وسوف يتم توجيهها عن طريق المرحلة الثانية من صاروخ «أطلس» (يكون حينئذ خاليا من الوقود) يُدعى قنطورا. وبعد إطلاقه حول الكرة الأرضية للحصول على دفعة وتحقيق أعلى زاوية ممكنة لغوصه في القمر، سوف ينطلق قنطور، الذي يبلغ حجم سيارة دفع رباعي، داخل الفوهة المستهدفة في صباح الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) بسرعة تبلغ نحو 5600 ميل في الساعة. وسوف يقوم بتحطيم أي سطح ثلجي وتنتج عنه هالة كبيرة من الأتربة.

ولمدة دقائق بعض التصادم، سوف يطير القمر الصناعي المصاحب عبر الحطام ليأخذ مقاييس من المركب الكيميائي. وسوف يتم تحليل أي مياه تندفع من الفوهة سريعا. وسيحمل القمر الصناعي بين أجهزته التسعة مجموعة من الكاميرات مزودة بالأشعة تحت الحمراء وكاميرات تعتمد على الضوء المرئي، بالإضافة إلى أجهزة لقياس الطيف مخصصة تحديدا لالتقاط المواد الكيميائية المتحللة.

وبعد الطيران عبر السحابة، سوف يصطدم القمر الصناعي بسطح قمري بعيد لمسافة ما. ويكون جهاز الاستطلاع على بعد أميال لأعلى يراقب هذا الحدث الدرامي.

ومن منطقة أبعد، أسفل على اليابسة، سوف يتدرب الآلاف من الهواة على استخدام أجهزة التلسكوب الخاصة بهم لمشاهدة ما يحدث على القمر.

ولم تقرر وكالة «ناسا» بعدُ الفوهة التي سوف تستهدفها، ويجب أن تكون غير عميقة بدرجة كبيرة حتى يسمح ذلك للمادة التي يتم تفجيرها بأن تعلو حافتها حتى يمكن لمركبة الفضاء الطيران عبورها لأخذ المقاييس، حسب ما يقوله كولابريت.

ولن تستقر «ناسا» على هدف حتى 30 يوما قبل الاصطدام، حيث ستتاح لديها مقاييس الجهاز للمساعدة على اختيار الهدف.

ويمكن أن يستغرق الأمر شهورا لتحليل ما تكتشفه سفينة الفضاء. ولكن، إذا تَبيّن بدليل لا يقبل الشك وجود المياه في عالم يفترض أنه ميت، لن نخفي هذه المفاجأة». ويقول كولابرت: «إذا ما وجدنا تركيزا كبيرا من المياه، فسوف نورد ذلك في أسرع وقت».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»)