كونسرتيوم ألماني يبني أكبر محطة لإنتاج الطاقة من الشمس في شمال أفريقيا

مشروع بقيمة 400 مليار يورو لتزويد أفريقيا بالماء وأوروبا بالطاقة البديلة

محطة انداسول في اسبانيا (شركة سولارميلينيوم)
TT

تخطط نحو 20 شركة ألمانية كبيرة لتأسيس كونسرتيوم لتنفيذ أكبر مشروع من نوعه في العالم لإنتاج الطاقة من أشعة الشمس. وتنوي الشركات الإعلان عن تأسيس الكونسرتيوم في منتصف يوليو (تموز) المقبل برأسمال قدره 400 مليار يورو على أن يبدأ العمل به، ويحمل اسم «ديزرت تيك»، خلال سنتين ويبدأ إنتاج الطاقة في فترة تتراوح بين 8 و10 سنوات. وذكرت صحيفة «زود دويتشة» المعروفة أن الشركات، التي من بينها «دويتشة بانك» و«سيمنز» و«آر.. دبليو.اي»، أبقت باب المساهمة مغلقا لحين اتخاذ القرار. ونقلت عن تورستن يفوريك، من شركة التأمين الألمانية «مونشنر روك»، أن الشركات الألمانية مستعدة لتوظيف مثل هذه الأموال الطائلة في مشاريع الطاقة البديلة رغم الأزمة الاقتصادية العالمية التي تشل الاقتصاد الألماني بوطأتها. وسيكون الهدف الأساسي هو إنتاج الطاقة البديلة بكلفة واطئة تحضيرا لعصر ما بعد الطاقة النفطية.

وتشترك عدة وزارات ألمانية في الاجتماع المقرر للبحث في المشروع يوم 13 يوليو المقبل. وسيشارك عدد كبير من العلماء والمهندسين الألمان في المناقشة حول كلفة وطاقة المشروع.

وقال يفوريك إنه يعول كثيرا على مساهمة ايطاليا واسبانيا في المشروع، مشيرا إلى أنه قد تلقى سلفا إشارات إيجابية من بلدان الشمال الأفريقي. لكنه عبر عن شكه في إمكانية مشاركة فرنسا في المشروع بسبب تمسكها حتى الآن بإنتاج الطاقة من المفاعلات النووية.

ولم يكشف يفوريك عن البلد الأفريقي الشمالي الذي ستحتضن صحراؤه المشروع الكبير، إلا أنه تحدث عن شروط معينة ستعتمد في اختيار هذا البلد. وقال إن الاستقرار السياسي سيكون المعيار الأول يليه مدى التسهيلات التي ستمنح للشركات المساهمة في المشروع. إذ يمكن لمثل هذا المشروع أن يزود بلدان الشمال الأفريقي وجنوب أوروبا، وصولا إلى ألمانيا، بالطاقة البديلة.

ولا يعتمد المشروع على الخلايا الضوئية التي تحول ضوء الشمس مباشرة إلى طاقة كهربائية، وإنما، وعلى غرار مشاريع أخرى في اسبانيا والولايات المتحدة، ستبنى مرايا هائلة من مرايا القطع المكافئ لاستقبال الشمس وعكسها على حاوية للزيت الخاص توفر حرارة كافية لتبخير الماء واستخدامه في تحريك التربينات الضخمة. والفرق الآخر عن الخلايا الضوئية هو أن محطة «ديزرت تيك» قادرة أيضا على إنتاج الطاقة في الليل، لأنها تخزن الطاقة الشمسية نهارا في ملح خاص وتستخدمها لتحريك التربينات بعد غياب الشمس.

ويعول الكونسرتيوم على إنتاج مرايا بارابولية (ذات قطع متكافئ) خاصة من مساحة 12X 5 أمتار تلتقط أشعة الشمس القادمة من 360 درجة. ويمكن طلاء المرايا بطبقة رقيقة من الفضة تؤهلها للم وتركيز أشعة الشمس بنسبة 94 في المائة وإرسالها إلى بؤرة المفاعل. كما يمكن لإدارة المحطة أن تدير وتوجه المرايا إلكترونيا باتجاه الشمس كما يفعل نبات عباد الشمس. وإذا حجبت غيمة ما الشمس عن المرايا تحسب الكومبيوترات حجم الغيمة وتدير المرايا بزاوية تجعلها تستقبل ضوء الشمس بالكامل.

وتحتفظ الشركات الألمانية بتفاصيل المشروع سرية، لكن يفوريك أشار إلى إمكانية المشروع تغطية 15 في المائة من حاجة أوروبا للطاقة. وقدر موللر شتاينهاغن، من وكالة أبحاث الفضاء الألمانية، كمية الطاقة الشمسية التي يمكن الاستفادة منها في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي بنحو 630 ألف تيراواط ساعة في العام، وهي بتقديره طاقة يجري هدرها يوميا لأن أوروبا كمثل تحتاج في عام 2009، إلى 4000 تيراواط ساعة فقط.

ويمتلك العلماء الألمان ما يكفي من الخبرة لتنفيذ هذا المشروع الكبير. وكان المهندسان الألمانيان هانز يورغن نيمان وفيلفريد كريتزيغ قد وضعا قبل سنة تصاميم أعلى برج لإنتاج الطاقة في العالم. وذكر نيمان أن العمل ببناء البرج سيبدأ حال الاتفاق مع شركة «نام باور» الناميبية لإنتاج الطاقة على كلفة المشروع، وتوفر رأس المال الكافي. وخطط المهندسان لبرج من الاسمنت الخاص سيرتفع «كالإصبع» مسافة 1000 متر في الهواء.

وسينتصب البرج الألماني في منطقة «ارانديس» في جنوب غرب أفريقيا، يصبح أعلى مبنى في العالم، وينتظر أن يوفر الطاقة النظيفة إلى ملايين الناس.

وحسب معطيات نيمان ستزود قمة البرج بخيمة هائلة من الزجاج تغطي مساحة 20 كيلومترا مربعا من الأرض الواقعة تحت البرج. والمبدأ بسيط، حسب نيمان، تتولى المظلة الزجاجية تسخين الهواء على الأرض فيندفع إلى الأعلى داخل البرج ساخنا، بقوة تربينات هوائية ضخمة، ويتسبب بسحب هواء بارد من الأعلى. وتكفي دورة الهواء الساخن ـ البارد في البرج إلى توفير طاقة كهربائية تكفي لاستهلاك مليوني إنسان في المنطقة.

ويبدأ في سبتمبر (أيلول) القادم، في الصحراء الاسبانية، إنتاج أكبر محطة في العالم لإنتاج الطاقة الكهربائية من نور الشمس. وينتظر أن ترفع محطة «أنداسول» إنتاجها حتى عام 2010 لتغطي حاجة 600 ألف إنسان من الطاقة.

واختار الباحثون للمشروع منطقة بين غرناطة والميريا حيث صور المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني فيلمه الشهير «اعزف لي أغنية الموت» من تمثيل تشارلس برونسون وهنري فوندا. وذكر سفين مورمان، رئيس المشروع من شركة «سولار ميلينيوم» الألمانية، أن محطة « انداسول» ستنتج في المرحلة الأولى نحو 50 ميغاواط، أي ما يسد حاجة 200 ألف إنسان من الكهرباء، لتصل إلى طاقتها الإنتاجية القصوى (150 ميغاواط) بعد سنتين من الآن.

ويقول مورمان أن الكهرباء المنتجة بهذه الطريقة ستكون أرخص بـ20 في المائة من إنتاج الكهرباء من الطرق الإنتاج التقليدية من أشعة الشمس. ويعول العلماء على رفع قدرة الإنتاج مستقبلا بهدف رفع فرق الأسعار بين الطريقتين إلى 43 في المائة. ويأمل سفين مورمان وزملاؤه في خفض كلفة إنتاج الكهرباء طوال ربع القرن القادم من السنين بمقدار 26,93 سنت في الأقل لكل كيلوواط ساعة.

ويفترض أن يوفر البرج، الذي يتحول إلى مولد كهربائي طبيعي ضخم، 50 ميغاواط من الكهرباء. ويجلس البرج على قاعدة تشكلها مروحة هائلة قطرها 90 مترا. واعتبرت شركة «نام باور» المشروع مثاليا بالنسبة لدولة صغيرة ونامية مثل ناميبيا على مستوى إنتاج الطاقة البيئية. وشارك في المشروع أيضا علماء من جامعة فوبرتال الألمانية (غرب) ومن جامعات جنوب أفريقيا.

وهو توسيع لمشروع مماثل صممه المهندس البروفيسور يورغ شلايش، وتم بناؤه عام 1982 في مدينة مانزاناريس الاسبانية. ويرتفع برج مانزاناريس إلى 200 متر ويوفر 100 كيلوواط من الطاقة. ووفر البرج الطاقة للمنطقة طوال 9 سنوات قبل أن ينهار ويتسبب بكارثة للسكان. ويقول نيمان إن تصميم برج أرانديس لن ينهار بسبب قاعدته المتينة ونوع الاسمنت الخفيف والمتين المستخدم في البناء. ويزيد وزن برج الألف متر 30 مرة عن وزن برج المائتي متر. وذكر المهندس كريتزغ أن بناء البرج الاسباني قبل 25 سنة من الاسمنت كان متعذرا، في حين تتوفر اليوم رافعات قادرة على رفع الاسمنت الخاص إلى الأعلى. ويتميز الاسمنت الخاص هذه المرة بأنه صلب كالحديد وخفيف. ثم سيتم بناء البرج الناميبي من قطع من هذا الاسمنت تجعل بناء البرج كالطائر المكسو بالريش وهو ما سيعزز قوته في وجه الريح وعوامل الطقس.

وتم استخدام الكومبيوتر لرسم البرج وطريقة بنائه وفحص قدرته على الصمود في وجه أشد العواصف. ويقول نيمان إن البرج المرتفع والرشيق سيكون مثل قصبة شرب البيبسي كولا، لكنها قصبة مصنوعة من قطع كونكريتيه تشبه الأصداف. وصنع المهندسان، بهدف التأكد من صلابة المبنى العمودي المرتفع، «قناة هوائية» عرضا فيها نموذجا مصغرا من البرج إلى عواصف هوائية وتيارات ريح مختلفة من الأسفل ومن الأعلى.

ولأن المهندسين الألمانيين يتعاملان مع بلد فقير مثل ناميبيا، فقد فكرا أيضا في استثمار مساحة الأرض التي تغطيها المظلة الهائلة في أعلى البرج. وسيحول المشروع هذه المساحة إلى منطقة زراعية تشبه الأحواض الزجاجية. ويخطط المهندسان، في حالة الاتفاق على المشروع، زراعة الحبوب في المساحة المركزية تحت البرج وزراعة الخضروات والفواكه على حافاتها.

ونشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية المعروفة خريطة أعدها موللر شتاينهاغن تظهر قدرة إنتاج الطاقة من الصحراء العربية الهائلة الممتدة بين المغرب والجزائر وليبيا والسودان. وأشّر الباحث منطقة صغيرة في صحراء الجزائر بإشارة «العالم»، تساوي مساحتها مساحة بلد أوروبي صغير مثل النمسا، وذكر أن الشمس فيها تكفي لتزويد العالم كله بالطاقة. كما أشر مساحة أخرى في الجزائر تعادل ربع المساحة الأولى بكلمة (E25) وتكفي لتزويد أوروبا كلها بالطاقة، مع مساحة أخرى في ليبيا تبدو كنقطة في بحر الصحراء وتكفي الشمس فيها لتعويض ألمانيا عن كامل حاجتها من الطاقة.

وقال شتاينهاغن إن أوروبا بحاجة إلى الطاقة الشمسية في حين أن الشمال الأفريقي بحاجة إلى الماء، وعلى هذا الأساس فإن مشروع «ديزرت تيك» يمكن أن يوفر الطاقة الشمسية لأوروبا وأن يعين البلدان العربية، حتى 2050، في تنقية مياه البحر باستخدام حرارة الشمس المستمدة من المشروع نفسه.