مدرسة لبنانية تحول سطحها لأول حديقة بيئية في بيروت

أملا في استعادة الخضرة والنضرة

التلاميذ يتولون استنبات الشتول والأزهار (تصوير: جوزيف أبي رعد)
TT

من ينظر إلى بيروت من الجو يعتقد أنه أمام مرآب للسيارات، ومساحات من السطوح الخرسانية المتلاصقة من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وقد انتفت الفسحات الخضراء وانتفت معها الطيور والعصافير التي كانت تستوطن ربوعها أو تعبر حدائقها.

ويبدو أن هذه المساحات الخرسانية البيروتية التي «اكتنزت» بخزانات المياه وهوائيات أجهزة التلفزيون وصحون الدش وحتى براميل النفايات، قد هالت أساتذة وتلاميذ مدرسة الفرير في حي «الجميزة» الملاصق لمنطقة وسط بيروت التجاري، فأخذوا على عاتقهم، وبإشراف «الحركة اللاسالية لحماية البيئة» إقامة أول حديقة معلقة وبيئية على سطح مدرستهم الثانوية البالغة مساحته 600 متر مربع.

ويشرح المدرس أنطوان التيان، المشرف على تنفيذ الحديقة البيئية، لـ «الشرق الأوسط» ما نفذ من المشروع وما هو مرتجى تنفيذه، والغاية منه، فيقول «لقد هالنا أن تتحول بيروت إلى غابة أسمنت وتغيب منها الفسحات الخضراء باستثناء ثلاث حدائق عامة كادت تتحول إحداها إلى مرآب للسيارات، لكننا أسهمنا في التصدي لهذا التوجه، وحتى الآن علمنا أن الفكرة طويت، ولكننا سنبقى حذرين وجاهزين لإسقاط أي فكرة مماثلة. وفي هذا الجو النفسي الضاغط على صدور البيروتيين قررنا، كإدارة مدرسة، وتلاميذ، أن نقيم أول حديقة بيئية على سطح مدرستنا، مستعينين بالتلاميذ، بدلا من العمال، في نقل الأتربة وبناء الأحواض، وحمل الشتول والأشجار ورعايتها بالماء والأسمدة، في مسعى منا إلى إعادة النضرة والخضرة إلى بيروت، واجتذاب الطيور والعصافير إلى فضائها وأشجارها، مستوطنة، وبانية أعشاشها، ومسترخية بعض الوقت في رحلاتها العابرة للبلدان وحتى للقارات». أضاف «لقد بادرنا كخطوة أولى إلى تنظيف السطح وحمايته من الرطوبة، وضربنا سورا حديديا لحماية التلاميذ والحديقة، ثم بدأنا بتنفيذ الخطة الموضوعة للزرع والتشجير. وأول عمل قمنا به هو زرع شجرة جميز لكي نصالح منطقة الجميزة مع اسمها، وهي الشجرة التي اشتهرت في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، ويقال إن مدينة «أريحا» في فلسطين تحتضن شجرة جميز عمرها ألفا عام. ويطلق بعضهم على هذه الشجرة أسماء أخرى مثل «الرفاع» و«الابرا». كما زرعنا شجرة صنوبر تعتبر رمزا من رموز بيروت التي تسببت الأعمال العسكرية بإحراق حرجها المزمن الذي أعيد تشجيره حديثا».

وأشار التيان إلى أن المشروع يضم محطة رصد جوي، الغاية منها تعرف التلاميذ إلى أحوال الطقس، كما يضم مختبرا بيئيا تابعا لمختبرات المدرسة يتيح للتلاميذ التعرف إلى طريقة الزرع. «وسبق للتلاميذ أن زرعوا بذور الصنوبر في أكياس بلاستيكية لزرع شتولها في الأحراج والغابات التي التهمتها الحرائق، ونحن في صدد تطوير المختبر البيئي لاستنبات الشربين والأشجار اللبنانية التقليدية والمثمرة والزهور من أجل توزيعها في البرية والمنازل».

ولعل أهم ما يتضمنه المشروع إقامة محمية لطيور بيروت من اليمام والعنادل وعصافير الدوري وغيرها من الطيور والعصافير العابرة. ويقول التيان «إن تلامذتنا عمدوا إلى تحضير المآكل والمشارب والأعشاش لهذه الطيور والعصافير، لكي نحضهم على معاشرة الطير وليس على مطاردته واصطياده». ويكشف عن الاتفاق مع جامعة القديس يوسف لكي يتعلم التلاميذ اختبار مدى تلوث الهواء.

ويستمر المشروع، بحسب التيان، مدة سنة كاملة، «وسيحل التلاميذ، صغارا وكبارا محل العمال في تهيئة كل مستلزمات الحديقة. وأملنا في أن نحول كل سطوح مدارسنا إلى حدائق، لعل هذه العدوى تنتقل إلى سطوح بيروت كلها. وندرس حاليا فكرة الطلب من الوزارات المعنية تشجيع التوجه نحو هذا العمل من خلال الإعفاء من بعض الرسوم كالرسوم البلدية، وغيرها، عسى تستعيد بيروت بعض خضرتها ونضرتها».