مواويل البحر تعانق عزف الربابة في الخيمة الشعبية بجمعية فنون الدمام

كبار السن يتذكرون أيام شبابهم ويتجاذبون أطرافا من الفنون الشعبية

النهام يؤدي جملة فنية في الجمعية («الشرق الأوسط»)
TT

يجد مجموعة من كبار السن ضالتهم في اجتماعهم الأسبوعي الذي تحتضنه مساء الثلاثاء من كل أسبوع جمعية الثقافة والفنون في مدينة الدمام شرق السعودية، حيث يجتمع عدد من عازفي الآلات الموسيقية المختلفة إلى جانب عدد من قصاصي السير الشعبية والنهامين الذين يتذكرون بحنين، أثناء تأديتهم جملة من الفنون الشعبية كالزهيريات والمواويل، أيام صباهم التي قضوها في البحر أو في البادية.

ويحكي عازف الربابة عايد العنزي لـ«الشرق الأوسط» عن بداية عهده مع الربابة حين كان يسكن في بادية المنطقة الشرقية منذ سنوات طويلة وحيث تعلم هناك أنواعا من العزف على الربابة كالسامري والمسحوب والهجيني والمنكوس والصخري، موضحا أن هذه التسميات يعود بعضها إلى جانب من معيشة أهل البادية وتراثهم، فالهجيني يغنى على ظهور الجمال، والصخري يعود إلى قبيلة بني صخر التي اشتهرت به، أما المنكوس فيغنيه أهل البادية في المملكة والخليج.

ويضيف أن الربابة كانت صديق الإنسان منذ القدم وهي معروفة في بادية مصر والصين، غير أن الربابة في هذين البلدين اللذين زارهما لتمثيل المملكة تتحلى بوترين وليس وترا واحدا كما في المملكة. ويؤكد العنزي أن الربابة لا تزال قادرة على المنافسة، فهي تجتذب إليها الكثير من عشاقها رغم وترها الوحيد ورغم تعدد الأوتار في الأدوات الموسيقية الأخرى، مرجعا السبب إلى أنها تشد الإنسان إلى بساطة الصحراء وأفقها المفتوح، مضيفا أن الربابة تتمتع بشعبية جيدة لمسها من خلال المناسبات التي يدعى إليها حيث يتقاطر الكثير من أبناء قبائل البادية إلى سماع عزفه.

ويضيف العنزي أن عزفه بين قرنائه يشكل له متعة كبيرة تفوق متعة العزف في أي مكان آخر على الرغم من مشاركته في تجمعات ثقافية كبرى مثل يوم المسرح العالمي، غير أنه يؤكد افتخاره بالاهتمام بفنون ربابته التي تكرم وتدعى إلى مهرجانات وطنية مهمة كاحتفالات اليوم الوطني ومهرجان الجنادرية.

ويقول الفنان يوسف العزوبي إنه يعمل بالجمعية منذ عام 1977 وهو كاتب وملحن ومغن للأغنية الشعبية وقد صدرت له مجموعة من الأشرطة والأسطوانات، ويترأس حاليا فرقة الفنون الشعبية في الجمعية، ويتمثل عمله في جمع الفنانين والعازفين وتنسيق عمل الفرقة وتدريبها وتهيئتها للمشاركة في المهرجانات. ويقول العزوبي إن فرقة الفنون الشعبية لا تكتفي بجلسة السمر الأسبوعية بل تشارك في جميع الأنشطة التي تقيمها الجمعية كالأمسيات الشعرية والمسرحيات والاحتفالات. أما صالح العبيد فيأتي إلى الجمعية محملا بتراث عريق عن البحر ومواسم الصيد والغوص التي كان يعيشها في الماضي والتي بقي منها الذكريات والقصص التي يحكيها لأصحابه والمواويل التي يغنيها لقرنائه.

ويقول العبيد إنه وجد ضالته في الجمعية حيث تلتقي الفنون وتتجاور وحيث يجد لنفسه ولفنه مكانا بين أصحابه الذين وصفهم بأنهم (أناس يحبون الفن ويقدرونه ويطربون له).

ويذكر العبيد أنه تعلم من عمله في البحر صنع أنواع مختلفة من شباك وأدوات الصيد وحفظ الكثير من التراث البحري كالمواويل والزهيريات والإحديات (حداء البحر) الذي يسمى صاحبه في الخليج (نهاما)، ويتحسر العبيد لأنه لم يفلح في إقناع أحد أبنائه بالعمل في مهنته الجميلة على الرغم من كونها مهنة تدر الكثير من المال.

ويشيد عازف الناي صالح الشايع بالعزف الجماعي الذي يجد الفرصة للمشاركة فيه مع زملائه في جمعية الثقافة والفنون إلا أنه يشكو أن العمل كمجموعة لا يتأتى له دائما لعدم اكتمال مجموعة العازفين.

ويقول الشايع، الذي يواظب على حضور جلسة الثلاثاء منذ سنوات طويلة، إن الفرقة الموسيقية لا تكتمل دون وجود الناي، ويجد الفرصة مواتية فيتحدث عن أهمية الناي الذي يصفه بـ«أقدم الآلات الموسيقية» ويستعرض معلوماته عنه فيقول إنه مصنوع من شجر (القاب) الذي يزرع على ضفاف الأنهار ويقول إن الناي «أصيل» يجود صوته كلما ازداد عمره وعتق. ويردف الشايع مفتخرا بأنه عازف الناي الوحيد في المنطقة الشرقية، ويتحدث عن شغفه المبكر بالناي ويقول إنه علم نفسه بنفسه، في حين تحتاج دراسة العزف على الناي في المعاهد الفنية إلى ثماني سنوات بحسب قوله. ويختم الشايع بعرض أنواع ناياته السبعة المتفاوتة الطول والتي يستخدم كل واحد منها في عزف مقام معين من المقامات العربية الأصيلة كالصبا والنهاوند والحجاز والعجم والسيكا والرست.

وتتسع جلسة الفن هذه لكبار السن من محترفي المهن التقليدية والذين ترعاهم الجمعية تحت مظلة (ديوانية التراث والثقافة) التي يدخل في اهتماماتها رعاية أصحاب المهن التقليدية من أمثال الحاج صالح أبو شويعي رئيس الحرف والمهن والصناعات القديمة في الديوانية والذي يتركز دوره في ترتيب ودعوة أصحاب المهن التقليدية للمشاركة في المهرجانات التي تقام محليا وخارجيا. وتتراوح أعمار معظم الحرفيين، الذين ينتمون إلى ما يزيد على ثلاثين مهنة، ما بين الخمسين والستين سنة. ويقول الشويعي إن العديد من المهنيين الذين يعملون في صنع الفخار والخوصيات والأقفاص والقراقير وشباك الصيد شاركوا في مهرجانات عديدة بمساعدة الجمعية إلا أن الحرفيين لا يزالون يتوقون إلى إنشاء مظلة رسمية تخصهم وتحافظ على تراثهم من الضياع والاندثار.

وفي جانب من جلسة كبار السن العازفين جلس الشاب جويعد الأكلبي الذي وجد هو الآخر ضالته في كبار السن الذين يقدرون هوايته المتمثلة في حفظ عدد كبير من قصص العرب في البادية وأشعارهم وأساطيرهم.

ويقول الأكلبي إن ما يدفعه لهذه الهواية هو حفظ تراث الأجداد وقصصهم الحافلة بالقيم العربية والمواقف الاجتماعية الجميلة كإكرام الجار وإقراء الضيف، ويضيف أنه يقصد الجمعية ليستفيد من أنشطتها المتنوعة والتي تحتوي على بعض المحاضرات المفيدة حول التاريخ والتراث. وقال إن حضوره إلى الجمعية هيأ له الاحتكاك برواة ذوي خبرة من كبار السن وأكسبه المهارة والجرأة في الإلقاء.

ويقول الشاب فهد العويصي، رئيس قسم الإنشاد في ديوانية التراث والثقافة، إنه حريص على حضور ملتقى الفنون الشعبية الذي يحضره الرعيل الأول من فناني المنطقة الشرقية ليثري تجربته في الإنشاد الديني، مستفيدا من الألحان التي يستمع إليها في الجلسة ليقوم بتطعيم الأناشيد بها، لافتاً إلى أن الوقت الذي يتداخل فيه الإنشاد الديني مع الموسيقى قد أضحى قريبا لتقبل المجتمع لمثل هذه التجارب التي قام بها منشدون عالميون ولقيت قبولا واسعا. وختم قائلا إن اهتمام المؤسسات بالإنشاد الديني الذي يدعو إلى الأخلاق الكريمة ويتغنى بمدح الرسول الكريم ويدعو إلى حب الله أولى من رعاية الغناء الذي يكاد ينحصر موضوعه في العشق والغزل الحسي.