«أسرار» طفلة حرمها كرسي الفشل الكلوي من الحياة واكتفت بـ«الرسم»

حالات وقصص في عنبر الغسل الكلوي

أسرار الهويدي («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعلم أسرار الهويدي ابنة التسعة عشر ربيعا أن مرض «الذئبة الحمراء» الذي أصاب جهازها المناعي منذ أن كان عمرها 11 عاما ليهاجم أعضاء جسمها الداخلية سيفتح لها أبواب وحدة غسل الكلى في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، إذ أنه تسبب لها في فشل كلوي قبل نحو ثلاث سنوات.

أسرار التي اعتادت على ممارسة هواياتها منذ الصغر حرمت من امتطاء صهوة جوادها والانطلاق بحرية تحت الماء، لا سيما أنها تهوى ركوب الخيل والسباحة، غير أن مرضها جعلها تكتفي بمداعبة أوراقها لتبث من خلالها رسومات تعبر عما في داخلها من ألم ولّدته إصابتها بالفشل الكلوي.

على الرغم من رفضها التام لإكمال عملية الغسل التي تخضع لها ثلاثة أيام في الأسبوع، فإنها تأقلمت معها بعد فترة ليست بالقصيرة، لتعتمد على نفسها في الذهاب إلى المستشفى من دون مرافق كي تتمدد على سريرها الأبيض لمدة ثلاث ساعات متواصلة بين رنين الأجهزة ومجموعة الأنابيب التي تتدفق منها دماؤها إلى جهاز الغسل لتعود إليها مجددا خالية من الشوائب.

تقول أسرار في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أتعرض بعد الانتهاء من عملية الغسل إلى تعب وخمول وهبوط في ضغط الدم أحيانا، الأمر الذي يؤثر على مستواي التعليمي، خاصة أنني أدرس على مقاعد الصف الأول الثانوي، إلا أن معظم معلماتي مراعيات لظروفي الصحية».

ولأن وحدة الغسل الكلوي تضم بين جنباتها كثيرا من الحالات المرضية، فإن تكرار لقاءاتهم بداخلها نتج عنه جو أسري يسوده الود، إذ إنهم يعمدون إلى الاتصال ببعضهم بعضا كي يلتقوا هناك، ويخضعوا لعملية الغسل جميعهم في الوقت نفسه.

والدة أسرار ذكرت أن ابنتها أصبحت تشارك الأطباء في تشخيص حالتها ووضع الحلول البديلة التي تراها مناسبة لعلاجها، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «في إحدى المرات أصيبت بميكروب في القسطرة التي يتم من خلالها توصيل الأنابيب إلى أوردتها، واقترح الطبيب المعالج القيام بعملية أخرى لتبديل القسطرة، غير أنها رفضت خوفا من الآلام المصاحبة للجراحة واستطاعت إقناعه بإخضاعها لجرعات مضاد حيوي يقضي على الالتهاب». وأضافت: «عادة ما تطغى على لوحات أسرار التي ترسمها ملامح الحزن، إذ إنها رسمت ذات يوم فتاة في مقتبل عمرها تقف أمام قبرها، إلى جانب طفلة تسقط على الأرض وتطلب المساعدة لانتشالها من يدها الممدودة للأعلى، لافتة إلى أنها في بعض الأحيان ترسم بعض الشخصيات الكارتونية الشهيرة في محاولة منها لإخفاء حزنها».

وأشارت إلى أن حالة أسرار المرضية تجبرها في بعض الأحيان على ملازمة المستشفى لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، الأمر الذي يجعلها تنهمك في رسم لوحاتها التي كانت تزين بها جدران غرفتها وممرات جناح الأطفال بالمستشفى.

ويقف خلف دعم أسرار الهويدي وتغيير فكرتها حول عملية غسل الكلى وإقناعها بضرورة التعايش مع مرضها بشكل طبيعي هيثم هشام البالغ من العمر 25 عاما الذي أصيب بالمرض نفسه منذ نحو سنة ونصف جراء عقاقير طبية كان يتناولها لعلاج أحد الأمراض العضوية.

ومثلما حرم المرض أسرار من مزاولة هواياتها المفضلة، وقف بمثابة حجر عثرة أمام هيثم، لا سيما أنه اضطر إلى العودة من جمهورية مصر بعد عامين قضاها في إحدى الجامعات لدراسة تخصص طب الأسنان، غير أنه التحق بعد رجوعه للسعودية بكلية إدارة الأعمال الدولية.

وغالبا يساعد هيثم أصدقاءه في قياس أوزانهم وتجهيزهم قبل عملية الغسل في حال اضطر إلى الانتهاء قبل أن يبدأوا، ويقول: «أعيش حياتي بمنتهى التفاؤل في ظل إيماني التام بقضاء الله وقدره، إلى جانب أنني أوشكت على التخرج من الجامعة وأسعى لإكمال مسيرتي والحصول على وظيفة».

وأوضح أنه ينوي إجراء عملية زراعة للكلى، إلا أن النظام يقضي بضرورة أن يكون المتبرع من جنسية المريض نفسها، ما أدى إلى تأخر عمليته، خصوصا أن أحد أصدقائه من المقيمين كان يود التبرع له غير أنهم رفضوا ذلك من منطلق حرص الدولة على عدم متاجرة الأجانب بأعضائهم «بحسب قوله».

في عنبر الغسل الكلوي تتجاور القصص المأساوية، والمؤلمة، التي حاول أصحابها أن يواجهوها بكل كفاح وإيمان بالقدر، فبجانب هيثم يرقد أحمد القحطاني الذي أصيب بالمرض فجأة منذ نحو ست سنوات، إذ إنه أجرى عملية الزراعة بعد تبرع شقيقه له، إلا أنها باءت بالفشل بعد نحو خمس سنوات نتيجة رفض جسمه لها.

ويقول القحطاني: «أنا حديث العهد بالزواج ولا أواجه أي مشكلة مع المرض، لا سيما أن غسل الكلى بات أمرا عاديا في ظل مراعاة الشركة التي أعمل بها لظروفي ووضعي»، مؤكدا أنه يحرص على الانتظام في علاجه ومتابعة المواعيد الطبية.

يأتي ذلك في وقت أكد فيه الدكتور سليمان كرسوع، رئيس قسم الكلى بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حالات الإصابة بالقصور الكلوي الذي يأتي نتيجة لارتفاع الإصابة بمرض السكر وارتفاع ضغط الدم، اللذين يعدان من الأمراض الرئيسية المسببة للقصور الكلوي، مبينا أن هناك نحو 10 آلاف مصاب بالقصور الكلوي يجلسون على لائحة الانتظار لزراعة الكلى.