لورينا ماكينيت تفتتح مهرجانات جبيل.. كما في الأحلام

حضرها سليمان والسنيورة على مرفأ «بيبلوس»

الرئيس اللبناني ميشال سليمان وإلى يمينه زوجته وإلى يساره رئيس الحكومة فؤاد السنيورة (تصوير: جوزف أبي رعد) لورينا ماكينيت تعزف الأكورديون
TT

انتهت الانتخابات وانطلقت مهرجانات الصيف في لبنان، وأول المحتفلين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة اللذان، لم يضيعا الفرصة، ووصلا مع زوجتيهما، وسط تصفيق الحاضرين، إلى مرفأ جبيل للاستمتاع بحفل غنائي للبديعة والوديعة لورينا ماكينيت. استراحة رومانسية لمحاربين اجتازا معارك وتحديات انتخابية قاسية منذ أيام قليلة. وقد تجمهر أكثر من ثلاثة آلاف شخص لهذا الحفل الافتتاحي لـ«مهرجانات بيبلوس الدولية»، التي تأتي باكرا نسبة للمهرجانات الأخرى. ولم تخيب المغنية الكندية ماكينيت ظنا، فقد بدت بآلاتها الموسيقية المتنوعة وأنغامها الرومانسية، كساحرة مهابة، طالعة من قلب المتوسط، في زيارة لأحبة جاءوا لتحيتها.

من دون مقدمات، صعدت ماكينيت إلى المسرح بصحبة فرقتها الموسيقية التي توزعت على الخشبة، تأبطت قيثارتها، وأخذت تشدو بصوتها العذب، وشعرها المنسدل الطويل. اختارت أغنياتها الجديدة، وبعض قديمها. وكما لو أنها تنقل جمهورها في رحلة داخل حلم جميل حيتهم بالعربية، وأخذت تحكي قصة سفرها في البلدان، والثقافات، ومغامرة نسج ألحانها المصنوعة من خيطان الشرق وإبر الغرب. أعادتنا إلى أصولها الأيرلندية والتراث السلتي الذي تنهل منه موسيقاها. وفي كل مرة كانت تروي لجمهورها قصة اللحن الذي ستشدوه ثم تطلق لحنجرتها العنان وقد اختارت آلة جديدة لتعزف عليها. فما أن تترك قيثارتها حتى تذهب إلى البيانو، وحين لا يستجيب البيانو لرغبتها تتركه للأكورديون، أو تلجأ للأورغ. سيدة الأنغام الحية، تأبى إلا أن تسمع صوتها وهو يندغم في الموسيقى، ويندس فيها، وكأنما حنجرتها ليست إلا وترا في هذه الأوركسترا المفعمة بالحيوية التي ترافقها. ولورينا ليست وحدها من يستبدل الآلات، فغالبية أعضاء الفرقة يسكنهم هذا المس الخلاق، وكأنما هناك عطش إلى ما هو أنبل دائما. وإلى جانب الآلات الغربية حضر العود، والطبلة كما الدف وآلة أخرى غريبة لا بد أن لورينا نبشتها خلال أحد أسفارها من مكان كان يستحق اكتشاف موسيقاه. وكما لو أن هذه الكندية ولدت من رحم هذا المكان بدت جزءا من لوحة مكتملة مشغولة بعناية. فالمسرح مفتوح في الهواء الطلق وقد شيدت الخشبة كما المدرجات داخل المرفأ وفوق مياه البحر، في الخلفية، جبال لبنانية صغيرة تتناثر عليها معالم تراثية باقية من أيام الرومان، وإلى اليمين يمتد الساحل اللبناني بمياهه ومرتفعاته ومدنه الصغيرة المأهولة ضوءا ونورا، وإلى اليسار يكشف الجمهور مشهد مقاهي جبيل ومطاعمها الهانئة على المرفأ هي الأخرى. وخلفنا كان البحر بامتداده اللامتناهي يذكرنا بانفتاح الأفق على اللامحدود.

اختيار يمنح هذا المهرجان خصوصية فريدة، عرفت لورينا، هذه المغنية الروحانية العاشقة للطبيعة والشجر والأسرار كيف تلعب على أوتارها، فجاءت بأغنيات من شوارع دبلن وأخرى مستوحاة من تركيا، وغيرها من الشمال الأفريقي، وصدحت بألحانها المسكونة بالنغم اليوناني المألوف لأذن العربي العادي، ولم تتردد في أن تخرج من حيائها المعروف، حين اشتد بها الطرب، لترقص مع اكورديونها، وكأنما هي تداعبه، ليمنحها المزيد.

احتفت لورينا بالحضور أكثر من مرة، وبرئيس الجمهورية الذي جاء إلى مسقط رأسه ليستمع إليها، وبتاريخ بيبلوس الذي قرأته على عجل، وباللغة العربية التي حرصت على أن تستخدمها، قائلة «شكرا» في كل مرة أرادت التودد فيها للجمهور. ولورينا هذه الغربية المفعمة بروح الشرق، هي هذه الأيام في رحلة حول المتوسط. ألغت محطتها في فاس بسبب مرض والدتها، وتل أبيب لأسباب نجهلها، وحطت في جبيل، لتنتقل بعد ذلك إلى إيطاليا والبتراء في الأردن ومن ثم اليونان، لتقفل عائدة إلى كندا في جولة داخلية تحيي خلالها مهرجانات عدة.

وكينيت مغنية شهيرة في العالم باعت إلى اليوم، ما يزيد على 14 مليون نسخة من ألبوماتها، وحصدت جوائز عالمية عديدة، وهي مغنية وملحنة، وراقصة أيضا. وقد كتبت موسيقى لأفلام ومسلسلات وأعمال مسرحية، ولها في الغناء نهجها الخاص، وفي الأداء طريقتها. وهي إذ تنتمي في خلفيتها إلى النهج الكلاسيكي، إلا أن عشقها لمزج الألحان، وتجريب الآلات، وثقافتها الموسيقية العريضة، كل هذا يجعلها، مع صوتها الآسر والمطواع، متعة للسامعين والمتفرجين أيضا. ولهذا فإن افتتاحها للمهرجانات اللبنانية، من خلال وجودها في جبيل أضفى تفاؤلا وغبطة كبيرين، على جمهور ينتظر بلهفة حفلات ستشعل هذا الصيف أنغاما، ومرفأ جبيل أفراحا. وإن كان رئيس الجمهورية قد غادر مع عقيلته المكان فور انتهاء الحفل، فإن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة اصطحب زوجته إلى أحد المطاعم الجميلة المجاورة لاستكمال السهرة.