«فقاعة» الدبلوماسيين والموظفين على وشك الانفجار في بروكسل

الاتحاد الأوروبي يعرض خطة معمارية جديدة ليمحو الخطايا التي اقترفها على مدار السنين

اسم بيرلايمونت هو اسم دير الراهبات الذي كان يحتل المكان. يقول البعض إن تأثير الدير ما زال ماثلا ويسمونه «الفقاعة» التي تعزل المسؤولين الأوروبيين عن الحياة في المدينة (نيويورك تايمز)
TT

لم يلقَ الاتحاد الأوروبي أي ترحيب منذ وصل هنا قبل أربعة عقود. ويُعرَف مقر رئاسة الاتحاد الأوروبي الواقع على بعد عشر دقائق غرب وسط المدينة رسميا بمبنى «بيرلايمونت». ولكن بالنسبة إلى الكثير من أهل البلد الذين لا يلقون بالا إلى مظهره الأشبه بالحصن، فإنه «بيرلا مونستر» (شبح بيرلا)، المبنى الضخم المبنيّ على شكل صليب، ذو الجدران المشيدة من الزجاج لتسمح بتخلل القليل من أشعة الشمس الذي يضيء سماء تلك المدينة المظلمة.

ولكن الأسوأ أنه قد ألحق بالمبنى عدة مبانٍ أخرى مشابهة له في حي ليوبولد القديم. وقد استحوذت المكاتب والشقق المصنوعة من الزجاج والصلب ـ للبيروقراطيين والدبلوماسيين والمحامين وأعضاء جماعات المصالح وغير ذلك من الأشخاص المرتبطين بالاتحاد ـ على مساحات من المناطق السكنية العتيقة الهادئة التي كانت تعج في يوم من الأيام بالمتاجر والكنائس والمدارس والحدائق.

ولكن الاتحاد الأوروبي عرض خطة تنموية جديدة، وهي – وفقا للاتحاد ـ سوف تمحو بعض الخطايا الحضرية التي اقترفها على مدار السنين. وفي نفس الوقت، يأمل المسؤولون في تبسيط بيروقراطيته التي تتوزع على 55 مبنى متفرقين في المدينة وتوفير المساحة التي يحتاجها لكي يتوسع.

ولذلك وقع اختيار الاتحاد على المهندس المعماري الفرنسي والمخطط المدني كريستيان دي بورتزامبارك (65 عاما) من بين عدد من الخيارات تضمنت الفرنسي كريستيان دي بورتزامبارك والهولندي ريم كولهاس والبلجيكي إكسافير دي جيتير، ليقدم خطة شاملة مدتها خمسة عشر عاما والتي لن توفر فقط مساحة للمكاتب الإضافية ولكنها ستضع إطارا معماريا يرمز إلى الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت، يجعل بروكسل مكانا صالحا للعيش به.

كذلك تم اختيار السيد بورتزامبارك مؤخرا لينضم إلى عدة معماريين بارزين في وضع خطة كبيرة لمستقبل باريس. ولكن التحدي في بروكسل مختلف، فبدلا من إعادة تصميم المدينة بأسرها فإن مهمته ستكون توفير مكان للاتحاد الأوروبي إلى جانب «رو دي لا لوا» وهو طريق سريع مكون من أربع حارات يربط بين بيرلايمونت والقلب التاريخي للمدينة، ومثله في ذلك مثل طريق كروس برونكس إكسبريس واي السريع في نيويورك فإنه يشق طريقه بين العديد من الأحياء السكنية.

من ناحيته، قال السيد بورتزامبارك في أثناء عرضه لنموذج للمشروع داخل الاستديو الخاص به في باريس: «لقد فكرت في فكرة كبيرة وجميلة تتعلق بهذا المحور التاريخي بحيث تربط بين القديم والجديد. وبذلك ستصبح المدينة تجسيدا لأوروبا وتمثل العديد من الفترات التاريخية. إنها فرصة هائلة».

ولتوضيح خطته، أعرب السيد بورتزامبارك، الرجل المكتنز الذي يتحدث بما يشبه الهمس وتعبّر عيناه عن شغفه بعمله، عن رغبته في محاكاة مانهاتن بمزيجها من المباني المنخفضة وناطحات السحاب، والأحياء السكنية والتجارية المحاطة بالحدائق الصغيرة. وفي أوقات أخرى يستخدم بورتزامبارك مصطلحات الرسم فيقول: «إنها مثل لوحات الطبيعة الصامتة التي تحتوي على التفاح والبرتقال والزهور وآنية الزهور».

ويأتي اسم بيرلايمونت من اسم دير للراهبات كان يحتل ذلك المكان في أحد الأوقات. وعلى الرغم من أن الراهبات قد تم نقلهن منذ وقت طويل إلى مكان مجاور، فإن البعض يقول إن تأثير الدير ما زال ماثلا، ويسمّونه «الفقاعة» التي تعزل المسؤولين الأوروبيين عن الحياة في المدينة.

يمكنك الآن أن تلمس تلك «الفقاعة» من ميدان دي ميوس، الحديقة الوارفة القريبة من بيرلايمونت في قلب ما كان يوما ما حيا جذابا يتكون من صف من المنازل التي تمتلئ بالأطفال.

عملت مايا كاراس (32 عاما)، وهي من كرواتيا بالمفوضية الأوروبية لمدة عامين في مكتب يقع قريبا من الميدان وتشارك بلجيكية لا تعمل في المفوضية في السكن في إحدى الشقق. تقول مايا: «إن بروكسل هي عالم مكون من جزأين، عندما أتحدث إلى رفيقة سكني حول الأماكن التي يمكنني الذهاب إليها (المطاعم، السينمات...) أشعر بالفقاعة. نأتي إلى هنا، جميعنا عزباوات ومعظمنا لا يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة».

وتضيف مايا أن الحي المحيط ببيرلايمونت حي هادئ، وتضيف: «في الإجازات الأسبوعية يصبح الحي مهجورا فلا توجد متاجر عادية، ولا كافيتريات مفتوحة. إن ذلك غريب للغاية ويبعث على الاكتئاب بعض الشيء».

تعرضت بروكسل، مدينة المليون نسمة، «لصدمة وصول» الاتحاد الأوروبي في الستينات، كما تقول ماري لور روغمانز، خبيرة علم الاجتماع التي تمثل منطقة بروكسل في تخطيط إعادة التنمية. وتقول إن مباني الاتحاد الأوروبي الحالية مثل بيرلايمونت هي «معمار بغيض».

ويقول السيد بورتزامبارك إنه يأمل أن يفجر الفقاعة بإعادة اجتذاب سكان بروكسل العاديين مرة أخرى إلى المنطقة. وقد خصص بورتزامبارك نحو 12 في المائة من مشروعه الجديد لمنازل العائلات، فهو يرغب في أن يعيد شارع رو دي لا روا ذا الأربع الحارات إلى شارع ذي حارتين فقط وأن ينشىء خطا للترام ويوفر مساحات للدراجات والدراجات البخارية إلى جانب ما سوف يكون طريقا محاطا بالأشجار.

ويتوقع بورتزامبارك أن يربط بين الأحياء المتجاورة المنفصلة حاليا بإنشاء طرق للمشاة. ولكي يساعد في الحفاظ على هوية الأحياء، يريد بورتزامبارك أن يترك المباني العتيقة إلى جانب المباني المعاصرة، فيقول: «قلت لهم إنها يجب أن تكون مثل وسط البلد في المدن الأميركية بها ثلاث من ناطحات السحاب. نعم، ولكن بها جزرا مفتوحة ومباني عتيقة وحدائق صغيرة كذلك».

يقع رو دي باسكال على الجانب الآخر من بيرلايمونت من ميدان دي ميوس. ويتساءل الناس هناك ما إذا كان السيد بورتزامبارك يستطيع القضاء على التخريب الفعلي لما كان حيا مبهجا في يوم من الأيام.

يقول توني شورتول (38 عاما، مستشار مالي أيرلندي انتقل وزوجته وأطفاله الأربع إلى هنا قبل ثلاثة أعوام): «انظر إلى هذا الشارع مثلا، يتميز جزء منه باستقرار كبير، وبعض كبار السن ـ في أواخر الثمانينات ـ انتقلوا إلى هنا قبل ثلاثين عاما أو أكثر».

ولكن الباقين كانوا من الموظفين الأوروبيين الشباب الذين استأجروا شققا تم استقطاعها من منازل الأسرة الواحدة. وعندما سُئل عما إذا كان هناك أطفال بخلاف أطفاله في الشارع أجاب بالنفي.

ولكنه قال كذلك إن رو دي باسكال تعكس كيف غير مبنى بيرلمونت بنية بروكسل. لتوفير مساحة للإسكان الجديد للموظفين الأوروبيين، تم إخلاء صفَّي المنازل الموجودَين في الشارع: على أحد الجانبين يشغل عدد من الأفراد سيطروا على المنازل بوضع اليد، وعلى الجانب الآخر تتهدم البيوت.

يقول ألكسندر سميتس (32 عاما) الذي نقل مختبر الأسنان الخاص به إلى منزله الذي يستند حاليا على دعامات الصلب: «كانوا يحفرون قبل عام لكي يستطيعوا وضع الدعامات ولكنهم فشلوا في تدعيم المنازل المجاورة». وسميتس الذي يعكس وجهة نظر سكان بروكسل رابطي الجأش لا يخطط لترك الحي، وكذلك بقية المستأجرين.

من جهته، يؤكد السيد بورتزامبارك أنه سيوفر مساحة للقديم والجديد معا قائلا: «إن المدينة هي شيء حي فلا تقتلها، بل اعمل على تحسين الحي».

* خدمة «نيويورك تايمز»