مهرجان الكرز في حمانا اللبنانية يحيي تقليد اللون والشهية

حدث يقام كل عام منذ ستينات القرن الماضي

يقول أبناء البلدة إن أول شجرة كرز أتى بها إلى حمانا راهب إيطالي منذ قرون ولذلك بات يطلق على نوع من كرز حمانا اسم «الكرز الطلياني» («الشرق الأوسط»)
TT

اشتهرت كل بلدة من البلدات اللبنانية بصناعة معينة، أو حرفة معينة، أو بفاكهة معينة. ففي موازاة تفاح ميروبا شهي اللون والنكهة، ودراق بكفيا وبسكنتا، وليمون صيدا، وحمضيات صور، وعنب بحمدون، ومشمش بعلبك، هناك كرز حمانا، الذي بات على كل شفة ولسان، الذي يمهرج له أبناء البلدة كل سنة منذ عقود، على الرغم من بعض الانقطاع في حقبات الحرب، وكان آخر مهرجان متجدد منذ بضعة أيام وفي عز الموسم.

قبل الحرب كانت حمانا، التي تبعد نحو 30 كيلومترا عن بيروت، وتقع على علو يفوق 1100 متر عن سطح البحر، عاصمة الكرز من دون منازع. في هذا المجال يعود بنا رئيس المجلس البلدي حبيب رزق إلى تلك الحقبة الزاهية فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت حمانا تنتج قبل الحرب بين 30 و40 طنا من الكرز بكل أنواعه «المكحل»، و«قلب الطير»، و«الموشح»، و«نابوليون»، و«النواري»، بالإضافة إلى الكرز البري الذي يستخدم للتطعيم، وثمره للشراب وحتى المربّات ذات النكهة المميزة.

ويردد أبناء البلدة أن أول شجرة كرز أتى بها إلى حمانا راهب إيطالي منذ القدم، ولذلك بات يطلق على نوع من كرز حمانا اسم «الكرز الطلياني». ويضيف رزق أن «حمانا كانت تنظم مهرجان الكرز منذ الستينات، بوجود أعداد كبيرة من السياح العرب الذين كانوا يواظبون على الاصطياف في بيوتنا وفنادقنا. حيث كانت تزين السيارات بالكرز وسائر منتجات البلدة، لا سيما منها الفاصولياء الحمّانية، وكانت تطوف البلدة، ويرافقها توزيع جائزة لأفضل سيارة مزينة، وانتخاب ملكة جمال الكرز. لكن الحرب المشؤومة أجبرت كثيرين على هجرة البلدة أو النزوح عنها، وعرضت البساتين للتدمير والإهمال، وبالتالي توقف المهرجان».

ويؤكد أن البلدية تنفذ حاليا خطة لإعادة زرع شجر الكرز، وإيجاد أسواق التصريف، وإعادة تأهيل قنوات الري وحفر آبار ارتوازية وإيجاد خزانات والسعي لإنشاء سد على مجرى نهر الشاغور، وتعزيز منتجات حمانا التقليدية وتسويقها بالتعاون مع «سوق الطيب» ـ وهي جمعية تشجع الزراعات البيئية والأغذية الطبيعية ـ ويشير إلى إحياء مهرجان الكرز بصيغة جديدة تحفل بمجموعة من النشاطات كتطيير المناطيد والمظلات الهوائية، ونزهات إلى بساتين الكرز، وممارسة القطاف شخصيا، علما أن موسم الكرز لم يعد يتعدى حاليا السبعة أطنان، بسبب بوار بعض البساتين، أو زحف العمران إلى بعضها الآخر، أو «تقاعد» بعض الرواد عن العمل في هذا القطاع.

ويعتبر رزق أنه لا يضاهي كرز حمانا جودة سوى كرز بلدة بسكنتا في أعالي منطقة المتن «ربما بسبب تقارب التربة والمناخ ونوعية المياه». ويكشف عن إنشاء أول مكتب تنمية محلية بالتعاون مع مقاطعة برشلونة الإسبانية عبر «المكتب التقني للبلدات اللبنانية» الذي يهدف إلى تنمية النشاطات، وابتكار مهرجانات محلية، وتقديم الدعم للمزارعين.

أما مختار حمانا اميل رومانوس خليل الذي عايش شجرة الكرز منذ نعومة أظفاره، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «موسم الكرز في حمانا يسوق محليا بالكامل، وحتى الموسم الأكبر قبل الحرب كان استهلاكه حكرا على السوق اللبنانية والمصطافين العرب».

وعن تجربته مع شجرة الكرز يقول: «الغرسة تحتاج إلى 5 أو 6 سنوات للإثمار إذا كانت صغيرة، أما إذا كانت كبيرة فتحتاج إلى 3 أو 4 سنوات. وهي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، ويمكن أن يعيش بعضها بعليا (أي من دون سقي)، وأفضل الأغراس ما يطعم على الأغراس البرية. ولا يحتاج الكرز مثل سواه من الأشجار المثمرة، لعناية كبيرة، فهو يحتاج إلى حراثة مرة واحدة في السنة، ورش بالمبيدات مرة واحدة أيضا، وتسميد مرة واحدة كل سنة أو كل سنتين.. ولعل ألد أعداء الكرز هو عصفور الدوري وخفافيش الليل التي يعمل البعض على الوقاية منها برمي الشباك على الأشجار المثمرة».

وإذا كان الكرز يتصدر مائدة الصيف اللبنانية، فإن بعض العائلات تحوله مربي لذيذة، أو مجففا.