الناي يصدح في كهوف أوروبا قبل 35 ألف عام

صناعتها من العظم والعاج بينت أيضا العلاقة بين الموسيقى وفن النحت

يقول خبراء الموسيقى إن الناي القديم كان قادرا على إخراج نوتات موسيقية لا تختلف كثيرا عن ما يقدمه موسيقيا الناي الحديث (أ. ف. ب)
TT

أظهر العثور على آلات ناي مصنوعة من العظم والعاج تعود إلى 35 ألف عام في جنوب غربي ألمانيا، ما يعرف حاليا بأنه أقدم آلات موسيقية تكتشف، وهذا يبين أن صوت الموسيقى كان في القِدم يملأ كهوف الناس خلال العصر الجليدي، على ما جاء في دراسة نشرتها صحيفة «نيتشر»، كما كان يقوم الإنسان القديم بنحت الأشياء من الأخشاب ليصنع منها آلاته الموسيقية القديمة.

الاكتشافات الجديدة تبين أيضا أن فنون النحت والموسيقى كانت تتطور لدى الإنسان الحديث في آن واحد، وهي التي تثبت الجانب الإبداعي للإنسان الذي بدأ ينتشر في أوروبا بعد انتقاله من أفريقيا، كما قالت بعض النظريات حول أن أصل الإنسان الحديث يرجع إلى أوروبا.

وفي سبتمبر (أيلول) 2008 عثر علماء الآثار على 12 قطعة من ناي مصنوع من العظم طوله 21.8 سنتيمترا وقطره ثمانية ميليمترات، في مغارة هولي فلس في جبال غورا الألمانية. والناي مصنوع من عظام نسر «جيبس فولفوس» الذي يتراوح طول جناحيه المفتوحين بين 2.35 و2.65 مترا، وهو حيوان تعد مقاساته مثالية لصناعة آلات الناي الكبيرة بحسب الدراسة التي وضعها نيكولاس كونارد وسوزان مونزيل من جامعة توبينغن، وماريا مالينا من أكاديمية هايدلبرغ الألمانية للعلوم. وأشارت الدراسة إلى أن «مسطحات وهيكلية الناي بحالة ممتازة وتظهر تفاصيل عدة حول صناعة» الناي. وفي الناي خمسة ثقوب وأربعة خطوط رفيعة محفورة يفترض أنها استخدمت لتحديد المكان الذي يجب أن تثقب فيه العظمة بالضبط، وذلك بواسطة حجارة منحوتة. وفي طرف الناي أيضا فتحتان على شكل الرقم سبعة، ويعتقد علماء الآثار أن هذا الطرف كان يستخدم للنفخ.

وتم العثور أيضا في الموقع نفسه في هولي فلس على قطعتين من نايين عاجيين بحجمين مختلفين، كما عثر على قطعة ناي عاجي ثالث في وادي لوني على بعد عشرة كيلومترات من الكهف. وتؤكد الدراسة أن «تقنية صناعة الناي من العاج أكثر تعقيدا من صناعته من عظم الطيور»، وأشارت أيضا إلى أنه «نظرا إلى هشاشة العاج فإنه من المرجح العثور على أجزاء متفرقة من آلات مماثلة».

وعبر استخدام تقنية التأريخ بالكربون 14، توصل العلماء إلى أن هذه النايات تعود إلى ما بين 31 ألف سنة وأربعين ألف سنة، إلا أن تقنيات حديثة أخرى سمحت بتحديد عمرها بنحو 36 ألف سنة. وفي الكهف نفسه عثر فريق العالم نيكولاس كونارد أيضا في سبتمبر (أيلول) 2008 على تمثال صغير يعود إلى 35 ألف عام، وهو يمثل أقدم تجسيد لجسد المرأة، وسبق لمجلة «نيتشر» أن نشرت دراسة حول التمثال.

وقال البروفيسور كونارد في رده على رسالة إلكترونية من جريدة «نيويورك تايمز» قائلا: «النايات المكتشفة تبين أنها تعود إلى أكثر من 40 ألف سنة، وهذا يعني أنها صنعت مع بداية استيطان الإنسان في أوروبا»، مضيفا أن الاعتقاد الآن يشير إلى أن الأدوات المنحوتة من الأحجار والعاج تبين أن الإنسان بدأ يعمل في المكان من أجل الاستقرار.

وعثر على الناي المصنوع من العظم على بعد سبعين سنتيمترا فقط من تمثال المرأة الذي يعود إلى الحقبة نفسها، مما يشير بحسب الدراسة إلى إمكانية ترابط ما بين الناي والتمثال.

وأكد علماء الآثار في الدراسة أن اكتشاف هذه الآلات الموسيقية يثبت «أن تعبيرا موسيقيا كان موجودا في التقليد الثقافي للعصر الأورينياسي»، كما ذكروا أنه لم تكن توجد أدلة على وجود آلات موسيقية تعود إلى أكثر من ثلاثين ألف سنة.