حفيد هيمنغواي يعيد صياغة «وليمة متنقلة»

نشرت بعد وفاة جده وتتناول الخيانة الزوجية

سيان هيمنغواي حفيد هيمنغواي («نيويورك تايمز»)
TT

إلى جانب تصويرها اللاذع لكل من إف. سكوت فيتزجرالد وغرترود ستين، تحوي السيرة الذاتية التي وضعها إرنست هيمنغواي للفترة التي قضاها في باريس بعنوان «وليمة متنقلة» التي نشرت بعد وفاته، وصفا يدمي القلب للخيانة الزوجية. يحمل الفصل الأخير عنوان «هل هناك نهاية قط لباريس»، وهو عبارة عن أنشودة ثناء موجهة إلى هادلي ريتشاردسون، زوجة هيمنغواي الأولى، التي هجرها الكاتب ليتزوج صديقتها المقربة. وأصبحت هذه الصديقة بولين بفيفر، وهي امرأة ثرية، الزوجة الثانية لهيمنغواي، وجرى تصوير شخصيتها باعتبارها أشبه بحيوان ضارٍ مراوغ، وأن «الحظ السيئ» الذي مني به هيمنغواي هو الذي أوقعه في غرامها. بمرور الوقت، اتضح أن القصص القائمة وراء تحرير الكتاب لا تقل إثارة عن الأخرى الواردة به. وتحول الأمر إلى معركة ممتدة لأجيال عدة حول كيفية تصوير الحياة العاطفية العاصفة لهيمنغواي. جدير بالذكر أن ماري هيمنغواي، رابع وآخر زوجة للكاتب، هي التي تولت تحرير الطبعة الأولى من «وليمة متنقلة»، التي نشرتها دار نشر «سكريبنر» عام 1964، حيث قامت بجمعها من مقتطفات من مخطوط لم ينجز خلفه هيمنغواي وراءه. واستحدثت ماري فصلا أخيرا تناول انهيار زواج هيمنغواي الأول وبداية علاقته ببولين، واعتمدت في ذلك على أجزاء من الكتاب سبق أن أعرب هيمنغواي عن رغبته في عدم ضمها. مطلع الشهر القادم، من المقرر أن تنشر «سكريبنر»، التابعة لـ«سيمون آند تشوستر»، نسخة جديدة من الكتاب تطلق عليها اسم «النسخة المستردة». أما الذي تولى تحرير الكتاب هذه المرة فهو سيان هيمنغواي، حفيد هيمنغواي وبولين. ومن بين التغييرات التي أدخلها على الكتاب إزالة الفصل الأخير من الهيكل الرئيسي للكتاب وإضافته إلى ملحق، علاوة على إضافته فقرات من المخطوط الذي وضعه هيمنغواي يعتقد سيان أنها ترسم صورة أكثر إيجابية لجدته.

من جهته، علق سيان، 42 عاما، بقوله: «أعتقد أن هذه النسخة ستضع سجل الأحداث في الصورة الصحيحة»، مشيرا إلى أن ماري اقتطعت من مخطوط هيمنغواي الأجزاء المتعلقة بمشاعر «الندم وبعض السعادة التي شعر بها وآرائه المتناقضة للغاية حيال نهاية زواجه». من ناحية أخرى، أوضح الخبراء أنه من الضروري عدم التعامل مع هذه النسخة باعتبارها أكثر دقة وحسما من سابقتها الصادرة عام 1964. على سبيل المثال، أكدت آن دوغلاس، بروفسور الأدب بجامعة كولومبيا، أنه «لا يمكن التعامل مع هذا الكتاب باعتباره نصا مقدسا»، مستطردة أنه «لا يمكن أن يكون هناك نص نهائي لأنه لا وجود لمثل هذا النص». في الواقع، يدرك الخبراء وقراء هيمنغواي منذ أمد بعيد أن الكاتب لم يعتبر السيرة الذاتية التي ألفها عن الفترة التي قضاها في باريس مكتملة حتى لحظة انتحاره عام 1961. وقد كتب خطابا ـ على الرغم من أنه لم يتم إرساله حتى ما بعد وفاته ـ إلى الناشر الذي يتعاون معه، تشارلز سكريبنر، أكد فيه أن الكتاب «لن ينشر على هذا النحو، كما أنه ليست له نهاية». إلا أنه في مقال نشرته في القسم الخاص بمراجعات الكتب في «نيويورك تايمز» في مايو (أيار) 1964، قالت ماري إن هيمنغواي «لا بد أنه اعتبر الكتاب منتهيا». وبالتعاون مع هاري براغ، المحرر في «سكريبنر»، عملت على صياغة المخطوط الذي تركه هيمنغواي، وغيرت ترتيب بعض الفصول، وأضافت أخرى كان هيمنغواي قد اتخذ قرارا بعدم إضافتها، وعلى رأسها الفصل الأخير الذي وضعته ماري في الكتاب عن نهاية زواج هيمنغواي الأخير. وفي شظايا المسودات التي وضعها هيمنغواي للمقدمة التي لم ينجزها قط ـ والمنشورة الآن في الطبعة الجديدة ـ كتب هيمنغواي أنه رغب في ادخار بعض هذه المواد «من أجل بداية كتاب آخر»، يتعلق بتأريخ «السعادة التي لا يصدقها عقل» التي حظي بها مع بولين. إلا أن هيمنغواي انتحر قبل أن يتمكن من تأليف هذا الكتاب. في عمله، اعتمد سيان، مساعد أمين متحف ميتروبوليتان للفنون الذي سبق له تحرير مقتطفات أدبية مختارة من أعمال هيمنغواي حول الحرب والصيد، على مخطوطات موجودة حاليا داخل مكتبة جون إف. كينيدي الرئاسية ومتحف بوسطن. وتتضمن الطبعة الجديدة التي تولى تحريرها، التي ستتوافر في المكتبات بدءا من الأسبوع القادم، 19 فصلا رغب هيمنغواي في ضمها إلى الكتاب، وبالترتيب نفسه الذي حدده هيمنغواي. أما الفصول الـ10 المتبقية، فتم نقلها إلى جزء حمل عنوان «صور وصفية إضافية لباريس». من ناحيته، أوضح سيان أنه تولى تنقيح إجراءات التحرير التي اتخذت حيال الطبعة الأولى، وأعاد فقرات اعتقد أنها ترسم صورة أكثر دقة وصدقا لعلاقة جدته بهيمنغواي. واستطرد سيان قائلا إنه من خلال اضطلاعه بذلك، شعر بأنه أعاد النص إلى صورة أقرب لما كان جده يرغبه. وتم دمج الصورة الجديدة لدخول بولين حياة هيمنغواي في الجزء الخاص بالصور الوصفية الإضافية لباريس. وخلال هذا الفصل الجديد، يبدي هيمنغواي تحمله لقدر أكبر من المسؤولية عن انفصاله عن هادلي. وبينما ترسم طبعة عام 1964 صورته باعتباره ضحية بولين، يتقاسم هيمنغواي في الطبعة الجديدة اللوم معها. على سبيل المثال، كتب هيمنغواي في الطبعة الجديدة أنه: «بالنسبة لخيانة الفتاة لصديقتها كان هذا أمرا مروعا، لكن الأمر كان خطئي وحال فقداني البصيرة دون تمردي على هذا الأمر. ولتورطي في الأمر وسقوطي في الحب، تقبلت كل اللوم عن هذا الأمر وعشت مع الندم». من جهته، أعرب باتريك هيمنغواي، عم سيان ونجل بولين الذي اقترح فكرة المشروع في بداية الأمر على سيان، عن رغبته في التعرف على ما إذا كانت هناك المزيد من المواد حول والدته. وخلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف من منزله في بوزمان، قال باتريك: «أعتقد أن الطبعة الأصلية كانت بشعة في تناولها لوالدتي». وأبدى سعادته بصدور طبعة جديدة تذكر القراء بأن والده عاش سعيدا مع بولين. وأشار باتريك إلى أنه في الطبعة الجديدة، يبدو والده: «بطابع إنساني أكبر ويبدي ميلا أقل لتقديم المبررات لنفسه». ونوه باتريك، 81 عاما، بأنه لا يلقي اللوم على ماري، التي توفيت عام 1986، على أعمال التحرير التي قامت بها، مضيفا: «أعتقد أنها قامت بعمل رائع، بالنظر إلى ظروف ذلك الوقت». لكنه خمن أن ماري، التي كانت على خلاف مع بولين، ربما رغبت في كسب ود هادلي، التي امتلكت الحقوق المتعلقة بلوحة تخص الرسام ميرو رغبت ماري في الحصول عليها. (يذكر أن هيمنغواي كانت له زوجة أخرى، وهي الزوجة الثالثة له، مارثا غيلهورن) من ناحيتها، أعربت ساندرا سبانيير، أستاذة اللغة الإنجليزية بجامعة ولاية بنسلفانيا والمحررة العامة المسؤولة عن الأعداد القادمة من خطابات هيمنغواي التي سيتم نشرها في «كامبريدج يونيفرسيتي برس»، عن اعتقادها بأن الطبعة الجديدة تقدم صورة أصدق عن هيمنغواي. وشددت سبانيير على أنه «تمتع بضمير حي للغاية، وكان أمينا تماما مع نفسه». يذكر أن «سكريبنر» قررت طبع 16 ألف نسخة من الطبعة الجديدة واستغلال هذا الحدث في إعادة طبع روايات هيمنغواي كافة بغلاف جديد. من ناحية أخرى، نوه خبراء متخصصون في أعمال هيمنغواي بأنه غالبا ما عمد إلى تنقيح ذكرياته المعتمدة على خطابات ومذكرات سابقة. في هذا الصدد، أكدت جاكلين تورنيير كوربان، مؤلفة كتاب «(وليمة متنقلة) لإرنست هيمنغواي: صنع أسطورة»، أن هيمنغواي كان: «يعيد فعليا تنقيح الماضي». وتتضمن النسخة الجديدة مواد لم يسبق نشرها، مثل سرد لمحادثات جرت بين هيمنغواي وصديقه الشاعر إيفان شيبمان، والأوقات التي قضاها مع ولده جاك في مقاهي باريس. وأبدى بعض الخبراء الذين رحبوا بفرصة الاطلاع على مواد جديدة حيرتهم إزاء ما إذا كانت الإضافات الجديدة ستزيد القيمة الأدبية للكتاب. في هذا الصدد، قالت دوغلاس: «من ناحية، ترغب في معرفة كل ما كان يدور بذهنه حتى وإن لم يرغب في نشره. لكن طبعة عام 1964 كانت كتابا رائعا بالفعل».

* خدمة «نيويورك تايمز»