هجمة على قناة «المنار» بعد إلغاء جاد المالح حفلاته في لبنان

وزير الثقافة: لا مخاوف أمنية على الفنان كونه يهوديا

الصورة التي قيل إنها تعود لجاد المالح في ثياب عسكرية إسرائيلية
TT

تفاعلت يوم أمس في بيروت، قضية إلغاء نجم الكوميديا المغربي ـ الفرنسي الشهير جاد المالح حفلاته التي كانت مقررة أيام 13 و14 و15 من يوليو (تموز) المقبل ضمن «مهرجانات بيت الدين»، إثر حملة إعلامية، اتهمته بأنه يساند الجيش الإسرائيلي، وبعد أن نشرت صورة ـ قيل إنها له ـ بالملابس العسكرية الإسرائيلية. وأصدر مدير أعمال جاد المالح في باريس، جيلبير كولييه بيانا، يوم السبت الماضي، معلنا إلغاء الحفلات الثلاث، بسبب «التصرفات العدائية ودعوات المقاطعة التي أطلقت»، و«حفاظا على أمن الفنان الشخصي وحسن سير المهرجان».

وأول من أمس، توجهت رئيسة «مهرجانات بيت الدين» نورا زوجة النائب وليد جنبلاط يرافقها أعضاء من لجنة المهرجان، لمقابلة وزير الثقافة اللبناني تمام سلام، في موعد رتب على عجل، حيث أطلعته على ظروف إلغاء الحفلات الخاصة بالفنان الكوميدي في أعقاب الحملة التي أثارتها ضده قناة «المنار». وصرح الوزير إثر هذا اللقاء بأن «الحفلات كان يجب أن تستمر، ولم يكن هناك مخاوف أمنية على السيد المالح، لكونه مغربيا من الطائفة اليهودية، فقد اعتاد لبنان أن يستقبل الفنانين من جميع الطوائف بلا استثناء، لا سيما أن جميع هؤلاء يحملون سمّة دخول من السفارات اللبنانية أو من المديرية العامة للأمن العام. أما ما أثير من لغط حوله منسوب إلى ما تحمله صفحات الإنترنت، لقد أكدت اللجنة كما أكد السيد المالح أنها حملة مدسوسة عليه». وختم سلام قائلا: «إن تبين الحقائق هو من ضرورات العمل الإعلامي، أما الافتراء فهو من الخطايا التي لا نريد للوسائل الإعلامية الوقوع فيها، و لا سيما ترويج الحملات المدسوسة، فهذا الأمر مضر بسمعتها، وحتما بسمعة لبنان وصورته الحضارية أمام العالم».

وسبق تصريح الوزير بيان احتجاجي للنائب سامي أمين الجميل، يعترض فيه على إلغاء الحفلات. ويرى أن «ما حصل هو تمييز عنصري وخلط بين السياسة والثقافة والدين بشكل غير مقبول». وأضاف الجميل: «يهمنا أن نوضح أن المادة 27 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يلتزم به لبنان، تشير إلى أن لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكا حرا في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون». كما طالب الجميل «مجلس الوزراء ووزير الثقافة الوفاء بالتزامات لبنان تجاه العالم والاتصال بالفنان والاعتذار منه وإقناعه بالرجوع عن قراره والتعهد بالحفاظ على أمنه من قبل الدولة اللبنانية، لا سيما أنه نال الكثير من الجوائز العالمية، وقد حضر حفلاته الملايين عبر العالم».

واتصلت «الشرق الأوسط» بمسؤولة مهرجانات بيت الدين، وفاء صعب للاستفسار، عن إمكانية إعادة الاتصال بالفنان المالح وإقناعه بالعدول عن موقفه، فقالت: «لم يكن هذا هو الهدف من زيارتنا لوزير الثقافة، وإنما أردنا وضعه في الأجواء، وأن نشرح له ما حصل، ولنسجل موقفا مبدئيا نرفض من خلاله تسييس الثقافة، ونؤكد أننا نرفض التعاطي مع المهرجانات، بالطريقة التي رأيناها، خاصة أننا عروبيون ووطنيون، ونزن خياراتنا جيدا. وضمن حفلات المهرجان هناك ليلة للقدس عاصمة ثقافية». وتشرح وفاء صعب، أن الحملة التي شنتها قناة «المنار» وشاركتها فيها «جريدة البلد»، بقيت حملات إعلامية تشويهية «وكنا نتمنى لو اتصلوا بنا وشرحوا وجهة نظرهم، وتكلموا معنا عن مخاوفهم، وتركوا مجالا لنشرح لهم، بدل الاعتماد على أخبار المواقع الإلكترونية. ومع ذلك فحينما شنت قناة المنار حملتها الأولى اتصلنا بهم وشرحنا لهم أن الصورة مفبركة، وأصدرنا بيانا توضيحيا، ومع ذلك استمروا في حملتهم». وتنفي صعب أن تكون لجنة المهرجانات قد تلقت أي تهديد من أي جهة كانت، وقالت: «نحن سمعنا استنكارات، لكن مدير أعمال جاد المالح يقول إن الفنان تعرض لتهديدات».

إلى ذلك، فإن الحفلات الثلاث بيعت بطاقاتها بالكامل، وهناك من بقي على لائحة الانتظار، على أمل إقامة حفلة رابعة، وستضطر اللجنة إلى إعادة ثمن البطاقات. غير أن الخسارة المادية ـ بحسب ما تقوله صعب ـ ليست هي المهمة، «والأهم من ذلك هو الخسارة المعنوية التي ستنعكس على صورة لبنان في الخارج. وكان المئات من عشاق جاد المالح اللبنانيين قد أقاموا تجمعا على موقع «فيس بوك» عبروا من خلاله عن أسفهم وحزنهم، لإلغاء حفلاته، وحرمانهم من لقائهم الموعود معه.

ومعلوم أن هذه هي الدعوة الثانية لجاد المالح إلى لبنان، التي يتم إلغاؤها لأسباب قسرية. فقد سبق له أن دعي إلى «مهرجانات بيبلوس» عام 2006 وبيعت كل البطاقات ثم ألغيت الحفلات بسبب حرب يوليو (تموز) الإسرائيلية على البلاد. وها هو جاد المالح يجد نفسه لمرة ثانية، أمام حفلات ملغاة في بلاد الأرز. وترافقت الحملة الإعلامية مع حملة أخرى على الإنترنت، تدل القارئ على مواقع تعرض أفلاما لزيارة المالح للقدس، وغنائه هناك، وحديثه بالعبرية، كما أن هناك مواقع تتحدث عن ميوله الصهيونية. ومن بينها موقع جمعية تحمل اسم «من أجل خير الجنود الإسرائيليين» ظهرت فيه صورة لمقاتل بالثياب العسكرية، كتب إلى جانبها جاد المالح. وهي ضمن مجموعة من الصور لشخصيات فنية شهيرة في العالم، قيل إنها تدعم الجنود الإسرائيليين تحت عنوان «من كل القلب مع جنود تساحال».

ونفى بيان صادر عن مدير أعمال الفنان أن يكون جاد المالح مؤيدا لإسرائيل أو حارب في صفوف الجيش الإسرائيلي مؤكدا أن «الصورة المنشورة ليست للفنان، وكل من يعرفه، ولو عن بعد، يمكنه تأكيد ذلك من دون أي عناء». معتبرا أن كل ما قيل «يقع في إطار السخف الغليظ». ولمزيد من الوضوح تعقد لجنة مهرجانات بيت الدين مؤتمرا صحافيا ظهر اليوم في بيروت، تشرح فيه الملابسات التي أدت إلى كل هذا الضجيج الإعلامي، وتعلن موقفها من قضية ما تزال تثير غبارا كثيرا.

جاد المالح فنان مشهور بعروضه الكوميدية الساخرة. ولد في المغرب وبقي هناك حتى سن السابعة عشرة، حيث سافر إلى كندا ليكمل دراسته، وفي عمر الثانية والعشرين انتقل إلى باريس، وبقي هناك، حيث اشتهر كواحد من أهم مقدمي عروض الـ«ستاند أب». يتكلم المالح الفرنسية والعربية والعبرية، فقد تلقى علومه الأولى في المغرب في مدارس يهودية.