موريتانيا: الأغنية السياسية عصب الحملات الانتخابية

كانت مصدر ثراء للفنان ويصل سعرها إلى 10 آلاف دولار.. أما اليوم فأصبحت بـ300 دولار بسبب الأزمة المالية

الأغنية السياسية في موسم الحملات الانتخابية مألوف طبيعي، لأن الثقافة الموريتانية ثقافة شفهية، والموسيقى رافد من روافد الثقافة الشفهية
TT

أعلنت الفنانة والنائبة البرلمانية المعلومة بنت الميداح، اعتزالها الغناء السياسي، بعدما عرضت أغاني لها أمام الجمهور، نتيجة لانشغالها بأغانٍ اجتماعية، حسب قولها.

وقالت بنت الميداح في حفل أقيم أخيرا إنها غنت آخر أغنيتها السياسية هذا العام، بعد عقدين من النضال السياسي.

وكشفت المعلومة عن كلمات الأغنية الجديدة أمام جمع من الصحافيين ورجال السياسية قبل أن تغني للجمهور الإعلامي أغنية الحملة الانتخابية التي كانت كلماتها موجهة بشكل صريح إلى جهات الوطن من أجل حشد الدعم لمرشح الانتخابات الرئاسية أحمد ولد داداه وإنهاء حكم العسكريين.

وتقول كلمات الأغنية الجديدة إن الشعب جرب حكم الجيش المحض، وحكم الجيش المقنَّع برموز مدنية، وإنه الآن أصبح بحاجة إلى حكم مدني يعيد إلى البلاد هيبتها وإصلاحها.

ومع اقتراب كل موسم للحملات الممهدة للانتخابات، خصوصا إذا كانت رئاسية في موريتانيا، تبدأ حملة من نوع آخر لا تقل شأنا عن المنافسة السياسية بين المرشحين. حيث يدخل الفنانون في حملات من التباري في صياغة الأغاني الدعائية الداعمة للمرشحين، كلمات وألحانا، لقناعتهم أن الفن يحتل الصدارة في مظهر الحملات الانتخابية، وهو «عصب الحملة الانتخابية» حسب تعبير أحد الفنانين.

المعلومة بنت الميداح تحدثت إليها «الشرق الأوسط» وسألتها عن أهمية الأغنية السياسية، حيث اعتبرت بنت الميداح أن الأغنية السياسية ليست مجرد دعاية سياسية لمرشح معين في إطار الحملات الانتخابية، بل إنها تختلف كثيرا نظرا إلى ما يجب أن تحمله من معانٍ.

الأغنية السياسية بالنسبة إليها تحمل خطابا يحدد واقع وهموم الشعب ويتحدث عن الحقائق ومعاناة الناس، وليس مجرد ترويج لشخص معين، كما أنها يجب أن تقدم المرشح كصاحب برنامج. وتعالج القضايا الوطنية الكبرى كالوحدة الوطنية وضرورة تنمية الاقتصاد ومناهضة الرق وغير ذلك من القضايا المطروحة للمجتمع الموريتاني خصوصا والعالم بشكل عام».

وأضافت المعلومة: «الأغنية السياسية كما هي شائع عند البعض في البلدان العربية وعندنا بشكل خاص هي مجرد دعاية بمقابل مادي. في حين إنني أعتبرها عملا سياسيا لا يقل أهمية عن عمل المؤولين الكبار في الأحزاب السياسية، بحيث إنها يجب أن تتعامل مع المتلقي بوصفه شخصا على مستوى كبير من الثقة، فالأغنية السياسية تعبّر بصفة واقعية وتلقي الضوء على الأشياء الكبرى، لهذا كنت أعبّر عن الانقلابات كحالة مرفوضة تصادر خيارات الشعب، ولهذا أيضا كنت أقف في وجه الخديعة التي تعاني منها الطبقات الضعيفة وشرائح الشعب الفقيرة التي تنخدع مع كل تغيير سياسي لتجد أنه في النهاية لا يلامس أحلامها.

وقال حمم ولد عاون (محلل سياسي) لـ«الشرق الأوسط» إن الأغنية السياسية في موسم الحملات الانتخابية مألوف طبيعي، لأن الثقافة الموريتانية ثقافة شفهية، والموسيقى رافد من روافد الثقافة الشفهية، وهي أكثر وقعا ووصولا إلى الضمير والشعور الموريتانيين من غيرها من الأنماط الأخرى. ويضيف ولد عاون: «ولذلك نجد المعلومة بنت الميداح بوصفها فنانة تحولت إلى زعيمة سياسية في لحظة، لأنها تملكت عقول الناخبين أكثر من غيرها بسبب أغانيها السياسية»، معتبرا أن الأغنية السياسية تكاد تكون «أغنية بلاط» موالية للسلطان أكثر الأحيان.

وكانت الأغنية في الحملات الانتخابية إبان حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع (1984 ـ 2005) مصدر ثراء عاجل للفنانين الموريتانيين، حيث كان الفنان يقوم بتسجيل أغنية المرشح بمبالغ تتراوح بين 2000 دولار و10 آلاف دولار.

أما اليوم ونتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية فقد أصبح بعض المغنين مستعدا لتسجيل أغنية بمبالغ زهيدة تصل إلى 300 دولار، نتيجة للأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم، ونظرا إلى تراجع الإقبال على هذه الأغاني بذات الحماس والاندفاع من قِبل المواطنين في موريتانيا.

ويرى مراقبون أنه منذ الإطاحة بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع في أغسطس (آب) 2005 لم يعد للأغنية السياسية تلك المكانة التي تجعلها تتردد على كل لسان وتؤثر في الناخبين، ولهذا الأمر أسبابه، فقد كان الفنان (المغني) يلتزم في تيار سياسي ـ اجتماعي، يحتكره لصالح مرشح وحملة انتخابية وحيدة، وأصبح الأمر يشكل «بورصة انتخابية فنية» يتعامل فيها الفنانون مع الكل، وتكون الاتفاقات على أساس مالي، لا اعتمادا على الموقف السياسي، بمعنى أن الفنان قد يغني بحماس واندفاع لمرشح غير مقتنع به، بل ويعمل ضده. وهو عكس ما كان موجودا إبان الفترة الماضية التي يطبعها الاستقطاب الشديد بالنسبة إلى الفنان الموريتاني، بحيث لا يساند بأغانيه إلا من يدين له بالولاء السياسي، نتيجة للضغط الاجتماعي.

وتحمل الأغاني السياسية عادة كلمات تمجد المرشح، أو اللائحة في حالة الانتخابات البرلمانية أو المحلية، وتحمل كلمات الأغاني أبرز نقاط البرنامج السياسي للمرشح. وتبرز تميز برنامجه وتعدد ملامحه.

وتشيد الأغاني أيضا بالصفات الشخصية التي يتمتع بها المرشح، وتجربته السياسية والمهنية خلال الفترات السابقة، وكذلك إنجازاته في حال كان قد انتُخب من قبل، أو تولى منصبا حكوميا.

وبينما يرى البعض أن الأغنية السياسية عامل مهم في التأثير على مواقف الناخبين وتغيير موازين القوى في الساحة الانتخابية، يقلل البعض الآخر من أهمية الأغنية، ويصفها بأنها مجرد «فلكلور» لا تتجاوز حدود التلهي والتسلية.