في ساحات دمشق.. موسيقى شرقية وغربية ورقص شعبي و«حكواتية»

في يوم الموسيقى العالمي كل يوم جمعة حتى منتصف أغسطس

من أمسيات ليالي الشام الموسيقية في باب توما («الشرق الأوسط»)
TT

دمشق القديمة، بدءا من ساحة باب توما وحتى أحياء القيمرية والأمين وباب شرقي، ليست هي كما في باقي الأيام، فعلى الرغم من الازدحام البشري اليومي الذي تشهده حارات المدينة القديمة، خاصة باب توما والقشلة والقيمرية حيث تنتشر مئات المطاعم والمقاهي والنوادي الليلية والفنادق، فإن الكم الهائل من الناس كان مساء الجمعة وعلى مدى ساعات منذ غروب الشمس وحتى منتصف الليل لم يكن ازدحاما عاديا بل كان احتفاء بيوم الموسيقى.

ففي ساحة باب توما وأمام الأعمدة التراثية والبوابة التاريخية المطلة على حي القصاع وحارات الجورة والقشلة، أرادت محافظة دمشق أن تطلق احتفاءها بالموسيقى وببدء الموسم السياحي من هذه المنطقة الشهيرة، بجذب زوار دمشق من الدول العربية ومن المحافظات السورية، وعلى خشبة مسرح ضخمة أقيمت في الساحة وتجمهر حولها الآلاف من الناس مستمعين ومئات الجوالات مرفوعة للأعلى تصور الحدث الذي يقام مرة في العام احتفاء بيوم الموسيقى الذي أطلقته قبل 27 عاما وزارة الثقافة الفرنسية ليصبح يوما عالميا. والدمشقيون، الذين عشقوا الموسيقى منذ مئات السنين وسجلت كتب التاريخ لهم معالجة المرضى بالموسيقى في البيمارستان النوري (مشافي أيام زمان) ومنذ 600 عام في العصر المملوكي، أطلقوا موسيقى الشام مع صوت «الحكواتي» الذي تحدث للناس عن عراقة الشام وتراثها وحب أهلها للفن والموسيقى وتمسك حاراتها القديمة بالأصالة والعادات العربية الأصيلة.

وتظهر فقرة «العراضة» الشامية لتؤكد كلام «الحكواتي» حيث هي فن الرجولة والأصالة، ولتبدأ بعدها الفقرات الموسيقية المستوحاة من تراث دمشق الموسيقي وأغاني السيران للغوطة ونبع بردى والفيحة وميدان المرجة، حيث تصدح الأهزوجة (لاقونا ع المرجة والمرجة لينا شامنا فرجة وهي مزينة)، وحيث الراقصين والراقصات بلباسهم التقليدي الشامي يتمايلون ويملأون الخشبة في رقصات تعبيرية، ومع فقرات المولوية والأغاني الشعبية ومع عازفين هواة ومحترفين، استمتع الجمهور بأغان ومعزوفات كلاسيكية وحديثة، لينتهي الحفل وليكون الجمهور على وعد محافظة دمشق المنظمة لهذا الحدث الذي أطلقت عليه اسم «ليالي الشام» بنقله كل يوم جمعة إلى إحدى ساحات دمشق العامة وحتى منتصف شهر أغسطس (آب) المقبل، بحيث لن يكون فقط مقتصرا على يوم واحد وهو يوم الموسيقى العالمي، أي يوم الجمعة الماضي. ولكن بخلاف مبادرة محافظة دمشق، فإن الأماكن الأخرى التي احتفت بالموسيقى في يومها كانت فقط ليوم واحد. فليس بعيدا عن ساحة باب توما وفي بيوت شامية تقليدية كبيرة، من مكتب عنبر (قصر الثقافة والفنون) وحتى بيت السباعي وبيت نظام وبيت كايد وبيت القوتلي وبيت العقاد (المعهد الدانمركي) وغاليري مصطفى علي، كان الفرنسيون والسوريون حاضرين في الأمسيات الموسيقية التي احتضنتها هذه البيوت ونظمتها عدة جهات ثقافية، ومنها المركز الثقافي الفرنسي بدمشق ومديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة السورية والمعهد العالي للموسيقى وإذاعة «سورية الغد» وتلفزيون «المشرق» وجمعية «صدى دمشق».

ستة بيوت عربية تقليدية فتحت أبوابها من الثامنة مساء الجمعة وحتى منتصف الليل لعازفين هواة ومحترفين، حيث صدحت بين جدرانها وأوواينها وبجانب بحراتها ومع صوت مياه فسقياتها وشجرات الليمون والكباد والنارنج موسيقى تراثية ومعاصرة تنوعت بين اللاتيني والروك والجاز والراب ومع آلات الإيقاع والساكسفون والغيتار والدرامز والكلارينيت والقانون، حيث كانت تعزف عليها أصابع موسيقيين شباب، وكانت أصوات غنائية شابة تنطلق بقوة وبنعومة أحيانا، فكانت جدران البيوت تردد صدى هذه الأصوات كما كانت أزقة دمشق القديمة تستقبل هذه النغمات والأغاني والموسيقى بكثير من الألفة والحنين كحالها كل يوم، حيث تتزاحم الحارات والبيوت على بعضها في عناق أيد، ولتعانق الموسيقى في يومها العالمي وتحتضنها بدفء وحنان.