نيويورك تستضيف الفن الإيراني المعاصر

لفنانين من داخل إيران وخارجها

معرض «إيران من الداخل والخارج» في متحف تشيلسي بنيويورك (نيويورك تايمز)
TT

قد تكون الصدفة وحدها من ساهمت، في أن يكون افتتاح معرض خاص للفن التشكيلي المعاصر في إيران في متحف (شيلسي) للفن متزامنا مع الأحداث التي شهدتها إيران بعد انتخابات يوم الثاني عشر من شهر يونيو (حزيران) الماضي. فالمتحف حديث العهد استضاف 210 أعمال فنية لفنانين إيرانيين من الداخل ولآخرين في المنافي، عكست إلى حد كبير ما يعتمل داخل إيران وخارجها من تحولات على صعيد الجدل الثقافي. فأعمال الداخل تميزت بالتمرد على المؤسسة الثقافية الرسمية، وسعت بأساليبها التي تنتمي بامتياز إلى فن ما بعد الحداثة، أن تبرهن على حيويتها وعلى الخروج من أساليب الفن التقليدية التي انحسرت ما بين صنعة فن الخط والزخرفة. ويمكن لمشاهد المعرض، الذي افتتح منذ أسبوعين وحمل اسم (إيران من الداخل والخارج) أن يميز بين فناني الداخل وفناني المنافي و«الدياسبورا»، وقد تميزت بعض أعمال فناني الخارج بالحنين؛ مستخدمة أساليب وتقنيات مستمدة من تاريخ إيران الثقافي الإسلامي والشعبي، وقد استعانت بالمنمنمات وبتقنيات فن الخط والزخرفة وببعض أصول التراث الشعبي.

وتبدو أعمال فناني الداخل أكثر نضارة وطزاجة في استخدامها لتقنيات فن ما بعد الحداثة، فتنوعت أعمال الداخل حيث استفادت من الميديا ومن التقنيات الحديثة في التصوير الفوتوغرافي وفي استخدام الفيديو، وحاولت بالقدر الممكن أن تنتمي إلى «المدرسة الندرية» في استخدام أقل ما يمكن من الأدوات للتعبير عن سخريتها من واقع الحياة اليومية في ظل نظام ثيوقراطي يقوم على ولاية الفقيه.

والأعمال التي ضمها المعرض تنوعت ما بين الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي والفيديو وفن التراكيب. وجمع المعرض أعمال 35 فنانا من الداخل، إضافة إلى أعمال 21 فنانا من فناني المنافي، والبعض منهم حقق حضورا متميزا في أميركا وفي أوروبا.

وهو أول معرض يقدم صورة متكاملة للفن الإيراني المعاصر تستضيفه نيويورك. ويقول سام باردويل منسق المعرض «يعتقد البعض أن الفن في إيران هو حول النساء المحجبات وحول فن الخط، ومن يعتقد هذا فقد تجاهل النظر إلى أعمال فن حقيقي أخذ يتنامى في إيران».

وفي بعض النصوص التي أدرجت في كاتالوغ المعرض يعترف بعض فناني الداخل بالصعوبات التي يواجهونها مع الرقابة، والبعض منهم تحدث عن سبل التحايل عليها. ومن بين الأعمال لوحة للفنان مهدي فرهاديان عن فريق نساء لكرة القدم. فاللوحة التي تميزت بألوانها الهادئة تقدم احتجاجا على النظام الذي لا يسمح للمرأة بمشاهدة لعبة كرة القدم. وما يميز هذا المعرض الشامل هو اجتماع أعمال مختلفة ومتنوعة لتقدم لحظة نادرة بين عالمين مختلفين، هو عالم «الدياسبورا» وعالم الداخل وأعماله التي ترمز إلى نوع من الاحتجاج على ثقافة النظام الرسمي. ومن حسنات المعرض التركيز على الجيل الجديد من فناني الداخل، ونجح في تسليط الضوء على جهود هذا الجيل في تقديم أعمال غير متوقعة تضع نظام الملالي وثقافته في الطرف الآخر من الحياة. فالأعمال في تنوعها تحاول الإمساك بما هو يومي وسط ثقافة تبدو ذات بعد واحد، وتتميز بنوع من الطاقة التي تسعى بطريقة لا تخلو من التجريب إلى متابعة التحولات الثقافية التي يعيشها الجيل الجديد في إيران في ظل حراك لا يهدأ. وربما هذا ما عبرت عنه المظاهرات التي شهدتها إيران بعد الانتخابات احتجاجا على سلطة وثقافة ولاية الفقيه.

وتحاول هذه الأعمال الفنية الكشف عن عمليات تفكيك للذات الثقافية بشكلها الجمعي، وفي الوقت ذاته تسعى من جديد إلى إبداع الذات والنفس. وربما من المفارقة الساخرة تبدو الأعمال التي عرضها متحف (شيلسي) للفن في حالة حوار بين الداخل والخارج. فأعمال فناني الخارج والمنافي تؤسس بإصرار نزعة محافظة للتراث الإيراني، في حين تبدو أعمال فناني الداخل مأخوذة بعالم الخارج وبإنجازاته الثقافية والتقنية، وتريد بالقدر الممكن استشراف ما هو يومي وفي استثمار الحياة اليومية لما تنطوي عليه من مفارقات وتناقضات وكأنها تنطلق من أرضية الحوار والانفتاح والانغلاق.