صيادو الأسماك في صور يتحسرون على عصر ذهبي مضى

كان دخل الواحد منهم يصل إلى 600 دولار أسبوعيا أما اليوم فلا يتجاوز 200 دولار شهريا

يشكو الصيادون من «حصار بحري» تفرضه البحرية الإسرائيلية التي تمنعهم من الخروج إلى عرض البحر (أ.ف.ب)
TT

يقف مصطفى شعلان في مرفأ الصيادين في صور جنوب لبنان متحسرا على زمن كان يصطاد فيه حوالي أربعين كيلوغراما من السمك في وقت قصير، فيما أصبح يعتبر نفسه محظوظا إذا اصطاد كيلوغراما أو اثنين في اليوم.

فقد ساهمت في القضاء على الحياة البحرية في الساحل الممتد على طول 220 كلم على البحر المتوسط عوامل عدة منها تواصل الصيد دون مراعاة المواسم والتلوث والصيد بواسطة الديناميت. كما أدت إلى إفقار نحو ثمانية آلاف شخص يعملون في هذا القطاع.

ويقول شعلان (68 عاما) الذي بدأ مهنة الصيد في العاشرة من عمره «في الستينات والسبعينات وحتى في الثمانينات كان البحر غنيا بالأسماك وكان الجميع يحسدوننا».

ويضيف شعلان، وهو أب لسبعة أولاد «في الماضي كنت أعود محملا بأطنان من الأسماك بعد ساعات قليلة من الصيد على مركبي الكبير في عرض البحر. كانت غلتي في الأسبوع تتراوح بين 400 و600 دولار».

حاليا لا يتجاوز معدل متوسط مدخول الصيادين المائتي دولار شهريا فيما الحد الأدنى للأجور يبلغ 500 ألف ليرة لبنانية (333 دولار). ويشكل الصيد مورد الرزق الوحيد لنحو ألفي عائلة في مدينة صور البالغ عدد سكانها نحو مائة ألف شخص كما يؤكد رئيس نقابة صياديها خليل طه (49 عاما).

ويقول طه «كان مدخول الصيد وافرا لذا رفضت وإخوتي أن نتوظف في مؤسسات الدولة براتب شهري» ويضيف «مدخول والدي من الصيد سمح له بتعليمي مع تسعة من أشقائي وشقيقاتي في المدارس الخاصة».

ويتذكر طه أنه كان في صغره يذهب برفقة والده وإخوته «إلى قبرص لنبيع أسماك صور»، ويقول «كنا ننطلق فجرا وقد غطينا السمك بالثلج، نبيعه ونشتري من أسواق ليماسول مواد منزلية ومواد تنظيف وغيرها». ويضيف بحسرة «ترك أشقائي المهنة وسافروا إلى الخارج».

ويعتبر طه أن الحكومات المتعاقبة لم تقم بأي خطوة لحماية صيد السمك أو للمساعدة على تطويره إضافة إلى الصعوبات الناجمة عن الأزمات السياسية المتلاحقة بما فيها الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) والاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بين 1982 و2000، وأخيرا الحرب المدمرة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006.

ويشكو الصيادون أيضا من «حصار بحري» تفرضه البحرية الإسرائيلية التي تمنعهم من الخروج إلى عرض البحر. وقد ندد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأسبوع الماضي في حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية بهذا الحصار، معتبرا أنه «خرق لكل المعاهدات والقرارات الدولية».

ويقول طه «منذ عشر سنوات ندق ناقوس الخطر ونقول إن الوضع كارثي. لم يسمعنا أحد ولا أظن أن أحدا سيسمع».

ويلفت الخبراء إلى أن أنواعا متعددة من الأسماك تواجه خطر الانقراض خصوصا بسبب سوء أساليب الصيد ومنها سمك الجربيدي والسلطان والمرلين والمرمور والأجاج والمليفا والكركند.

ويقول الخبير في علوم المياه في الجامعة الأميركية في بيروت عماد سعود «الصيادون الذين يعتاشون من البحر يضرون به أكثر من غيرهم» باستخدامهم وسائل غير قانونية مثل الديناميت والحربة.

واجتاحت المشاريع الاستثمارية والأبنية، دون احترام المعايير البيئية، الساحل الذي تصب في مياهه المجارير ونفايات المصانع مع ما تحتويه من بقايا المعادن والمواد الكيميائية.

ويحذر الاختصاصي في علم الأحياء البحري في الجامعة الأميركية ميشال باريش من أن «وضع البحر المتوسط كارثي على كل المستويات والآتي أسوأ مما مضى» معتبرا أن الحكومة «إذا أرادت القيام بشيء فهي لا تعرف كيفية تنفيذه».

ويضيف «حتى لو قدم العلماء الحلول، لا توجد أي فرصة لتطبيقها». ويؤكد باريش، الذي عمل مباشرة مع الصيادين، أنه نبههم عبثا بضرورة إنشاء محميات بحرية وإلا فإن مورد رزقهم سيكون في خطر. ويقول «يجب إقناعهم أن المحميات هي لمصلحتهم وإلا فلن يجدوا قريبا سمكا في البحر».

وتأتي الأسماك الموجودة حاليا إما من مصر أو إسرائيل لأن التيارات تتجه شمالا. كما يستورد لبنان السمك من تركيا ومصر ودول خليجية.

ويقول طه: «من سخرية القدر أن الأسماك كانت وفيرة أكثر عندما كان الجنود الإسرائيليون في لبنان لأن الصيادين كانوا ممنوعين من الخروج إلى البحر». ويضيف: «بعد الانسحاب الإسرائيلي تهافت الصيادون على البحر صباحا ومساء» بحيث إن «نحو عشرين صيادا كانوا يلاحقون ليلا كل سمكة تظهر على وجه الماء».

ويقر رئيس مصلحة الصيد والاحراج في وزارة الزراعة داهش المقداد بضرورة فرض قوانين جديدة لصيد السمك، لافتا إلى أن نقص التمويل والخلافات السياسية هي من أبرز الأسباب التي تحول دون ذلك.

ويقول: «لا نملك وسائل القيام بعملنا»، مضيفا: «لا نملك حتى مراكب للقيام بدوريات.. ولا أحد ينظر إلى بحرنا على أنه ثروة وطنية».

وفي صور، يرفض توفيق برناوي أن يمتهن أولاده صيد السمك ويقول: «شربت هذا الكأس ولا أريد لأولادي أن يشربوه». ويضيف: «لقد أرسلتهم إلى أفريقيا عند أقارب لنا ليصنعوا مستقبلا لهم».