المهرجان الأفريقي: فرصة الجزائريين لاكتشاف ثقافات قارتهم.. والخروج عن الروتين

عروض متنوعة تظهر إبداعات القارة السمراء.. بعيداً عن الصورة المختزلة

راقصون من مالي يؤدون عروضهم في المهرجان (ا.ب)
TT

يتوافد الجزائريون منذ بدء «المهرجان الثقافي الأفريقي» يوم 5 من الشهر الحالي، بشكل لافت، على الأماكن التي تجري فيها فعاليات المهرجان لمتابعة العروض الفنية المتنوعة التي تقدمها فرق أفريقية في المسرح والرقص والموسيقى والصناعات التقليدية. ويعتبر غالبيتهم أن التظاهرة الفنية المتنوعة فرصة للخروج عن الرتابة وروتين الحياة.

ويعد «قصر المعارض» بالضاحية الشرقية للعاصمة، من أكثر المواقع أهمية من حيث حجم الحضور بفضل اتساع المكان الذي يقع على شاطىء البحر الأبيض المتوسط. وشد انتباه عائلات من العاصمة زارت المعرض، الجناح المخصص للهندسة المعمارية الطوبية الذي يعكس طريقة البناء التقليدي في غالبية بلدان أفريقيا. وقالت سيدة التقتها «الشرق الأوسط» الليلة قبل الماضية عندما كانت تشاهد المجسمات الهندسية المصنوعة بالطوب: «أنا مهندسة معمارية متقاعدة منذ سنوات، وما أشاهده في هذا الجناح جميل ومتميز يبين عبقرية الإنسان الأفريقي الذي استطاع أن يبتكر حلولا في الأزمنة القديمة، بوسائل بدائية وإمكانيات شبه منعدمة».

وذكرت رئيسة الجناح، وهي من الكاميرون، للمهندسة الجزائرية ان البناء بالطوب يمثل مأوى غالبية السكان في أرياف القارة، ودعتها إلى زيارة قرية تتحدر منها تبتعد عن العاصمة ياوندي بـ 2500 كلم، قالت إنها بيوتها مبنية كلها بالطوب. واعتبرت مادة الطوب «ثقافة وتراثا هاما لا يقدر الأفارقة للأسف قيمته ومكانته في حضارة الانسان الأفريقي».

وفي «قصر الثقافة مفدي زكرياء» بأعالي العاصمة، يعرض 200 حرفي من 30 بلدا أفريقيا منتوجات خاصة بصناعة السلات والمجوهرات، والنحت على الخشب وصناعة الزرابي والألبسة التقليدية والمطرزات وصناعة الجلود والفخار. ويشارك الجزائريون في التظاهرة بمنتوجات حرفية تميز كل مناطق الجزائر، بما فيها منتوجات قبائل الطوارق، التي جاءت من عمق الصحراء ومن الحدود مع مالي والنيجر للمشاركة في «الطبعة الثانية من المهرجان الثفافي الأفريقي» الذي يدوم إلى 20 من الشهر الحالي.

واشترى الكثير من الأشخاص منحوتات خشبية تمثل حيوانات تسكن أدغال أفريقيا، من صنع حرفيين من بوركينا فاسو وزرابي من صنع تونسي وتحفا من النحاس صنعها مصريون. واكتشف الزوار إبداعات حرفيين جاؤوا من البرازيل وأميركا في إطار التبادل الثقافي مع الجزائر.

واستمتع جمهور العاصمة بسهرة الأربعاء في «ساحة رياض الفتح» على إيقاع موسيقى المطرب الغيني الشهير موري كونتي، الذي رقص طويلا فوق الساحة وانضم إليه بعض الشباب من أنصار ناد محلي لكرة القدم، ورددوا معه أغنيته المعروفة عالميا «يكي يكي». وذكرت فتاة من حي «ديار المحصول» المجاور للساحة: «إنه أمر رائع فعلاً. نتمنى لو أن كل سهرات الصيف تكون بهذا الشكل، ونتمنى لو أن وزارة الثقافة مددت في أيام المهرجان إلى ما بعد 20 يوليو (تموز) الحالي».

ورقص الكثير من الجزائريين والطلبة الأفارقة الذين يدرسون في الجامعات الجزائرية، مستمتعين بأغاني كونتي وبإيقاع الآلات الموسيقية التي استعملتها فرقته، واستمر الحفل حتى الصباح وحاول الجمهور منع كونتي من مغادرة الساحة حيث ألحوا عليه إعادة بعض الأغنيات. وقد وعد محبيه بسهرات أخرى في إطار المهرجان، خارج العاصمة.

وكان نفس الجمهور على موعد من مطرب آخر في إحدى السهرات لا يقل شهرة عن كونتي، هو السنغالي يوسو ندور الذي قال للصحافة عن المهرجان: «إن هذه المناسبة فرصة غير مسبوقة لجلب اهتمام الشباب للموسيقى الأفريقية. أعتقد أن أهمية هذا المهرجان تكمن في إطلاع الشباب على ثراء الفن الأفريقي بشكل عام والموسيقى الأفريقية بشكل خاص، ويمكنني التأكيد اليوم أنه تم إبلاغ هذه الرسالة بالنظر إلى الاهتمام الذي يوليه الشباب لهذه الموسيقى التي اعتبرها قوة إبلاغ رسائل للعالم لنثبت له أن قارتنا لا تختزل في البؤس والفقر والأمراض والحروب والانقلابات والقلاقل السياسية».

وتحدث ندور مطولا مع الصحافيين عن جمعيته التي أنشأها بفرنسا مطلع عام 2007 والتي تهتم بالموسيقيين الأفارقة المقيمين بأوروبا، حيث قال إنها «تجتهد لنشر الفن الأفريقي في كافة أنحاء العالم».

وفي ساحة «مقام الشهداء» الفسيحة بالعاصمة، تابع عدد كبير من هواة الرقص الشعبي عروضا فلكلورية قدمتها فرقة الرقص الكونغولية «لي موي أوتانتيك»، وهي عبارة عن رقصات كانت تؤديها قبائل الموي الكونغولية في فترات الحرب التي عاشتها البلاد قديما. وتفاعل أعضاء فرق رقص شعبية جزائرية، مع أنغام من التراث الأفريقي في أجواء احتفالية تابعها باهتمام سكان العمارات المجاورة من شرفاتهم. وقالت سيدة تسكن بالقرب من المكان حضرت الرقص مع أبنائها: «لقد خرجنا بفضل هذه العروض من الروتين اليومي القاتل، حيث أقضي معظم أوقات النهار في القيام بأعمال البيت ومنذ أن بدأ المهرجان أخرج يوميا إلى الساحة الكبيرة لأشاهد العروض مع أطفالي، فهي فرصة للترويح عن النفس واكتشاف ثقافات الشعوب أيضا».

ويقول رئيس فرقة «لي موي أوتانتيك» جان كلود ماكودا، إن الرقصات التي اختيرت لعرضها في المهرجان الثقافي كانت في السابق حكرا على الرجال دون النساء، وإنها ترمز إلى محاربي قومية الموي الأشداء. ومع التطور الذي عرفه المجتمع في الكونغو، أصبحت النساء، حسب ماكودا، يشاركن في الحروب مثل الرجال، الأمر الذي جعلهن محاربات وبالتالي مؤديات لهذا النوع من الرقص. والموي، قوم يعيشون اليوم على ضفاف نهر الكونغو، كانوا في السابق عرضة لاعتداءات من طرف قبائل أخرى بهدف الاستيلاء على مواقع زراعية قرب النهر. ولصد الاعتداءات، أنشأت القبيلة جماعات من المحاربين الأقوياء للدفاع عنها.