«الكرات الملونة».. لعبة رياضية أم تمرين على القتل؟

جدل في ألمانيا حول مطالب بحظر ممارستها

لعبة «الكرات الملونة»، التي اكتشفها هيز نويل في السبعينات في الولايات المتحدة، لعبة مشتركة تتنافس فيها الفرق أو الأفراد فيما بينهم. ويستخدم أعضاء الفريقين أسلحة تعمل بضغط الهواء لتصفية بعضهم البعض («الشرق الاوسط»)
TT

لا تنتشر لعبة «الكرات الملونة» في ألمانيا كما تنتشر في الولايات المتحدة وبريطانيا، لكن الخشية من استخدام الأسلحة في تنفيذ المجازر في المدارس دفعت البرلمان الألماني للنظر في إمكانية حظر مثل هذه اللعبة.

المقلق بالنسبة لمعارضي تجارة الأسلحة الخفيفة هو أن اللعبة تتسع كل يوم في ألمانيا كما يزداد عدد المساهمين فيها، وخصوصا من الشباب. وجاء في تقرير لدائرة الإحصاء المركزية أن عدد نوادي «الكرات الملونة» ارتفع إلى 200 في ألمانيا وارتفع معها عدد ممارسي اللعبة إلى 20 ألفا. وللمقارنة فإن الإحصائيات الأميركية تشير إلى أن 1,5 مليون أميركي يلعبون لعبة الكرات الملونة أكثر من 12 مرة في السنة، وهناك 5 ملايين عضو ثابت في نوادي اللعبة.

وما زالت اللعبة حتى الآن محصورة في الملاعب المغلقة في ألمانيا، لكنها تنتشر حاليا في الحقول المفتوحة والغابات في الولايات المتحدة، وتقترب شيئا فشيئا من الحروب الصغيرة والمناورات العسكرية التي تنفذها القوات الحقيقية. وخرجت بعض الفرق من الملاعب والغابات إلى المدن وصار المتراهنون يلعبون اللعبة في البيوت ودوائر العمل، وفي أي وقت، كما هي الحال في فيلم «اللعبة» من تمثيل مايكل دوغلاس، ويمكن للكرات الملونة أن تنطلق في أي لحظة لتصيب اللاعب الغافل وهو في طريقه إلى العمل.

ولعبة «الكرات الملونة»، التي اكتشفها هيز نويل في السبعينات في الولايات المتحدة، لعبة مشتركة تتنافس فيها الفرق أو الأفراد فيما بينهم. ويستخدم أعضاء الفريقين أسلحة تعمل بضغط الهواء لتصفية بعضهم البعض، وتطلق كرات ملونة على اللاعب الذي يصاب بها. وعلى اللاعب الذي يصاب مغادرة الملعب، ويعلن الفوز للفرد الآخر الذي يتبقى أو للفريق الذي يلون كافة أعضاء الفريق الآخر.

تطلق البنادق الكرات الجيلاتينية، من قطر 1 ـ 3 سم، بسرعة 320 كم في الساعة. وتسبب هذه الكرات كدمات وإصابات أخطر وهي تنطلق من مكان قريب، ولذلك تجري ممارستها في ألمانيا بعد لبس معدات خاصة تقترب من معدات لعبة هوكي الجليد. فالخوذة والترس الواقي للأعضاء التناسلية مهمان جدا لحماية اللاعب، كذلك الملابس المطاطية السميكة. ويبلغ وزن التجهيزات نحو 6 كيلوغرامات عدا وزن السلاح والكرات الملونة.

ويقول أصحاب النوادي إن اللعبة تطورت بيئيا كثيرا لأنها صارت تستخدم الألوان الطبيعية المستخرجة من النباتات بدلا من الأصباغ الصناعية. لكن معظم الأسلحة تستخدم اسطوانات غاز ثاني أوكسيد الكربون المضغوط الذي يعتبر ضارا بالبيئة. ويقولون أيضا إن المخاطر المتأتية عنها لا تزيد على مخاطر لعبة الجولف أو كرة القدم، واستشهد أحدهم بمقابلة لبطل العالم بالملاكمة للوزن الثقيل، الأوكراييني فلايدير كليتشكو، الذي قال إن كرة القدم أعنف من الملاكمة.

وهناك دوري لفرق «الكرات الملونة» في الولايات المتحدة وتنقل بعض البرامج الرياضية وقائع الألعاب مباشرة على التلفزيون، إلا أن السلطات الألمانية لم تشجع مثل هذا التطور. وهناك الآن دوري صغير للعبة في ألمانيا ينوي ثلاثة من رعاتها تطويره إلى دوري أوروبي على غرار كأس الأندية الأوروبية لكرة القدم. كما بدأ الألمان يتبادلون العضوية في نوادي اللعبة بمثابة هدية في عيد الميلاد، أو كهدايا عامة في موسم عيد ميلاد المسيح ورأس السنة الميلادية. وعبر بعض السياسيين الألمان عن قلقهم من ظاهرة ذهاب عوائل بأكملها، مع المراهقين من أطفالها، إلى هذه النوادي.

ويمكن للكرة الجيلاتينية التي تنطلق بهذه السرعة أن تتسبب بكدمات ونزيف عند وقوعها على قطعة غير مصانة من جسم الإنسان. ويمكن أن تتسبب بقلع عين اللاعب، الذي لا يلبس خوذة، عند إصابتها عينه. وأحصت نوادي لعب «الكرات الملونة» في الولايات المتحدة نسبة الإصابات في العين بأنها لا تزيد على 0,2 في الألف.

وتستخدم شركات الإنتاج الأميركية لعبة «الكرات الملونة» الجماعية لتقوية روح العمل الجماعي بين الموظفين. كما تقوي عزيمتهم على التقدم وتعزز لياقتهم الجسدية والفكرية للمنافسة في السوق الحرة. وتستخدم الوحدات العسكرية الأميركية، ووحدات الناتو، لتدريب القوات على الاقتحام والمناورة.

وحفزت جريمة «الترفيللة» الأخيرة المطالبات بحظر هذه الرياضة التي اعتبرها بعض السياسيين تمرينا على القتل. وكان المراهق تيم ك. قد استخدم أسلحة والده المحفوظة في البيت لتنفيذ مجزرة في مدرسة الترفيللة في جنوب ألمانيا راح ضحيتها 16 تلميذا وتلميذة ومعلمة وانتهت بانتحاره في مارس (آذار) 2009. وقررت الحكومة الألمانية على خلفية هذه المجزرة تشديد قانون حيازة إجازات السلاح. وشملت المطالبة منع نوادي «الكرات الملونة» باعتبارها «رياضة خطيرة» تحفز الإنسان على ممارسة العنف.

ووصف فولغانغ بوسباخ، نائب رئيس الكتلة النيابية للمحافظين، اللعبة على أنها «محاكاة الموت» ووصفها بأنها رياضة لممارسة القتل. وشاركه في الرأي انطون روتفيشر، عمدة ميدنة فورتر البافارية، الذي اعتبرها رياضة تحفز على العدوان وتدريبا غير مباشر على السلاح. وكان روتفيشر فشل أمام مجلس المدينة في حظر ناد للعبة الكرات الملونة في فورتر.

وتساءل كريستيان كراوزة، من حزب الخضر، عن مغزى تفضيل الفرق للون الأحمر في الكريات التي يستخدمونها. وقال إن اللون الأحمر يقرب للاعب صورة الدم والموت الحقيقية، فالفائز باللعبة هو أكثر الفريقين دموية في تصفية الفريق الآخر. واعتبر النائب اللعبة لا تقل خطرا عن ألعاب القتل الكومبيوترية التي تنتشر كالفطر في مختلف أنحاء ألمانيا.

عموما، وبعد مناقشات طويلة، أقر البرلمان الألماني بعض القوانين المتشددة في الرقابة والسيطرة على انتشار الأسلحة وحيازتها، وفشل في حظر لعبة الموت الملونة، لكن النقاش حول الموضوع يلتهب مجددا كلما حدثت جريمة قتل في هذه المدرسة أو ذلك البيت. وقررت السلطات الألمانية البدء بأرشفة كل الأسلحة إلكترونيا والانتهاء من حصر كل هذه الأسلحة حتى عام 2012. ويختلف الخبراء بتقدير عدد الأسلحة بسبب الأرقام الهائلة عن الأسلحة غير المشروعة التي يحتفظ بها السكان في بيوتهم، وعلى أي حال فإن أكثر هذه التقديرات تساهلا تتحدث عن 10-12 مليون قطعة سلاح. وأعلنت السلطات الألمانية فترة عفو حتى نهاية العام الجاري للكشف عن الأسلحة غير الشرعية تحت طائلة المحاكمة والسجن بعد انقضاء الفترة. رفعت سن المشاركة في نوادي الرماية من 17 إلى 18 سنة، وقررت تشكيل فرق رقابة تقوم بزيارات مفاجئة لحملة الأسلحة المجازة للتأكد من التزامهم بشروط حفظ وصيانة الأسلحة في البيت.

فشل البرلمان في الاتفاق على حظر الأسلحة ذات العيار الثقيل، في منع حفظ الذخيرة في البيوت وفي حظر لعبة «الكرات الملونة». وكتبت مجلة «تزايت» الأسبوعية المعروفة تقول إن لعبة الكرات الملونة ليست لعبة «عسكر وحرامية يمارسها الأطفال» وإنما لعبة تتطلب التدريب الجسدي والنفسي العنيف، كما في ساحة القتال، ويلعبها محامون وأطباء وصيرفيون. واعتبرت الجريدة فشل البرلمان في حظرها كشفا لمدى تأثير قطاع صناعة السلاح على السياسة الألمانية. وتساءلت «تزايت»: من يجازف بالتجاوز على صناعة السلاح قبل 3 أشهر فقط من الانتخابات النيابية العامة التي يشكل حملة الأسلحة المجازة فيها ما يقدر بنحو 10 ملايين ناخب؟