شارل أزنافور فارس في ثمانيناته ويغني الجاز في «بيت الدين»

احتفاء رسمي وشعبي بالنجم الفرنسي في لبنان

أزنافور خلال الحفل (تصوير: جوزف أبي رعد)
TT

حاملا سنواته الست والثمانين خفافا، وحنينه إلى بلد استقبله منذ خمسينات القرن الماضي، صعد شارل أزنافور خشبة «مهرجانات بيت الدين» يوم أول من أمس، كشاب يتحدى العمر والمسافات والزمن. غنى للمهاجرين، والعشاق، وباريس، والطفولة، كما الشباب الهارب، وهو يعرف أن جمهوره يأتيه مشتاقا إلى زمن الأغنية الجميل. فهو الذي رافق إيديث بياف في جولاتها، وتربت على أغنياته الأجيال، وغنى في لبنان تكرارا، في أيام العزّ، كما حين كان يعصف به الموت والبارود. تحدث أزنافور عن النادي الليلي اللبناني في شارع فينيسيا، الذي استقبله أول مرة، ومنه افتتح قصته مع لبنان، الذي زار مناطقه وعرف فنادقه. وبحضور شخصيات سياسية وثقافية، بينهم برنارد كوشنير، وزير خارجية فرنسا الذي صادف وجوده في لبنان، ووليد جنبلاط ووزير الثقافة تمام سلام، والسفير الفرنسي لدى لبنان آندريه باران. أعاد أزنافور جمهوره الذي أتاه مشتاقا إلى الأغنية الرومانسية الهادئة التي تخترق كلماتها القلب، وكأنه يريد أن يؤكد أنه أبعد ما يكون عن الاعتزال. أوليس هو الذي غضب واستشاط لأن إحدى الصحف التونسية قالت إنه يقوم بجولاته الوداعية، وإن قرطاج بعد عدة أيام، ستكون محطته الفنية الأخيرة. في «بيت الدين» ملأ الجمهور المدرجات وانتظره على الشرفات والأسطح، واقتعد الأرصفة، ليستمع له على مدى ساعة ونصف الساعة، ألحانا حفظها عن ظهر قلب، حتى إنه رددها معه، ودندنها بحبور. وبتوزيعه الجديد الأقرب إلى الجاز، المبتعد قليلا عن طراوة البيانو، أدى ما يزيد على عشرين أغنية، من دون استراحة، رافقته ابنته الجميلة كاتيا على المسرح، مؤدية معه إحدى الأغنيات. هذا الملحن والمؤلف والممثل، لم يدخر موهبة إلا وأطلقها، ليحيي جمهوره اللبناني، بقفشات وذكريات، ووقفات، ورقص هادئ وانفعالي في آن، مع فرقة موسيقية صغيرة وماهرة، كانت كافية لإطلاق البهجة في القصر الذي أضيئت كل جنباته على شرف سيد الأغنية الفرنسية الذي باع حتى اليوم 100 مليون أسطوانة، وأقام حفلاته في معظم دول العالم، وغنى إضافة إلى الفرنسية، بالإنجليزية والإيطالية والإسبانية والألمانية، وألف 740 أغنية، وشارك في ستين فيلما. وكان قد بدأ أزنافور جولة في السنوات الأخيرة قادته إلى أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية واليابان، وبعد حفلته اللبنانية الوحيدة، سيحط في قرطاج التونسية يوم 21 يوليو (تموز)، ليغني في حفل يعتبر تاريخيا بسبب الأهمية التي أوليت له، والعدد الكبير من الجمهور الذي يرغب في حضوره، حتى إن أزنافور اشترط عدة أمور، منها أن يلتزم الحاضرون بالاستماع جلوسا، وعدم الوقوف أثناء أدائه لأغنياته، ربما خوفا من فوضى قد تعصف بحفله بسبب حماسة عشاقه هناك.

وفي «بيت الدين» غنى أزنافور «الموت حبا»، و«الوقت الضائع، و«الأصدقاء والأحبة»، و«قصة حياتي»، و«أسافر من دون حقيبة» و«على المرء أن يعرف كيف يخفي دموعه»، كما أنه لم ينس أصوله الأرمنية، هو الذي عين أخيرا سفير أرمينيا لدى سويسرا، وممثلا لها في الأمم المتحدة، فذكر الجالية الأرمنية في لبنان التي أتته إلى «بيت الدين» لملاقاته. وبالجاكيت الرسمية السوداء كما في حلة أكثر تخففا حين بدا بالحمالات التقليدية التي اعتاد جمهوره أن يراه يلبسها، أراد أزنافور في لبنان أن يخاطب جمهورا شرقيا بما يختزنه من روح هذا الشرق، متحدثا عن تأثره بمحمد عبد الوهاب، مستوحيا أنغامه مغنيا بالأرمنية لحنا أقرب إلى الموسيقى القوقازية. وبعد أن حياه جمهوره وقوفا وتصفيقا، رافضا وداعه ومستزيدا من عذب أغنياته لم يجد أزنافور بدا من العودة إلى الغناء مودعا جمهورا متحمسا كانت غالبيته من النساء. وقد أقيمت مأدبة عشاء في القصر الشهابي تلت السهرة الأزنافورية على شرف هذا المغني الفرنسي المولد، الأرمني الأصول الذي لا يزال منذ نصف قرن، أشبه بسفير للفن الفرنكوفوني في العالم، ولا يزال يحاول أن يجدد ويبدل في أسلوبه الغنائي، حيث ينتظر أحبة فنه في العالم صدور ألبومه الجديد، المشبع بالجاز هذه المرة، وذلك في الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويغادر أزنافور لبنان بعد أن نال وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، مضيفا إياه إلى أوسمته الكثيرة التي حظي بها تكريما لعطاءاته، أثناء تجواله الذي لا يتوقف حول العالم.