«ألتا روما» في يومها الثاني تلتقي بالشرق

بين رامي العلي وفاوستو سارلي.. عرس من الانسيابية وفن الأوريغامي

TT

أكثر ما يثير الانتباه والإعجاب هنا في روما، تلك الرغبة القوية التي تتملك أوساط الموضة والمسؤولين عن «ألتا موضة» في إعادة مجدها الذي كان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فهنا كانت النجمات من مثيلات أودري هيبورن وإليزابيث تايلور وأنيكا إكبورغ وغيرهن يتسوقن خلال تصوريهن أفلاما خالدة مثل «الحياة اللذيذة» لفليني و«إجازة رومانية» وهلم جرا. حلم روما في السنوات الأخيرة ينصب على ضخ دماء جديدة ومتميزة على أسبوع يتخصص في الأزياء الراقية يكون لها وحدها، وتستطيع من خلاله استرجاع بعض البريق الذي سرقته منه جارتها ميلانو، التي تشتهر أكثر بأسبوعها الخاص بالأزياء الجاهزة، وجعلها الوجهة المفضلة لصناع الموضة من مشترين ووسائل الإعلام، كونها أكثر تسويقا. وما يبدو واضحا أن روما تتبع خطة مدروسة، لا تقبل الفشل رغم «المطبات» التي تمر بها بسبب الأزمة المالية العالمية، والمشكلات التي تعاني منها بسبب نزوح الكثير من المصممين العالميين إما شمالا أو إلى باريس. فهي تقول إن تميزها وقوتها يكمنان في تخصصها في الـ«هوت كوتير»، مؤكدة أن مصمميها لهم باع كبير في هذا المجال، وبالتالي يصعب عليهم تغيير جلدهم واتجاههم، رغم إدراكهم أن زبائنها معدودون في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى. وسبب تشبثهم بهذا المجال لا يعود إلى عدم قدراتهم الفنية دخول مجال الجاهز، بل لاقتناعهم بضرورة التخصص أولا، ولأن تقديم أزياء جاهزة تحتاج إلى طرح كميات كبيرة منها، وهذا يحتاج إلى آليات أكبر وإمكانيات مختلفة تماما. فمعظمهم مثل غاتينوني، ولورانزو ريفا، وريناتو باليسترا، وسارلي، لا يزالون يعملون في ورشات صغيرة وقديمة، تعتمد على التقاليد الرومانية القديمة في إنجاز وتنفيذ كل قطعة لتأتي مطعمة بكل عناصر «الحياة اللذيذة» فعلا. لكن من الخطأ الاعتقاد أن الأسبوع يقتصر على الرومانيين فحسب، فهنا يتلقى المصممون الأجانب الكثير من الترحاب، خصوصا إذا كانوا يتحلون بميزات الدقة والجودة وغيرها من العناصر التي تتطلبها. من هؤلاء، وخلال موسمها الحالي الموجه إلى خريف وشتاء 2009، نذكر السوري المقيم في دبي، رامي العلي، الذي قدم مساء يوم الأحد، في فندق كافيلييري، تشكيلة عصرية ترقص على نغمات شرقية صاخبة بالألوان والنقوشات. والطريف أنه عندما تلقى الحضور بطاقة دعوة تقول «احتفلي بالطاووس بداخلك» لم يكن أحد يتوقع أن تكون هذه الدعوة حرفية تقريبا من الناحية الفنية، إلا أن الواقع أكد أنه كان غير مبالغ في الأمر، فمعظم ما قدمه، أي 38 قطعة، كان مستوحى من هذا الطائر الساحر، سواء من حيث الألوان أو التطريزات أو التصميمات التي بدت وكأنها تمنح لابستها أجنحة لكي تطير بها. أول قطعة طالعتنا كانت عبارة عن فستان من الشيفون بالأخضر الزمردي منقوش بالريش يجلس فوق الركبة، تلته مجموعة من الفساتين الطويلة تتراقص على درجات متنوعة من الأخضر الزمردي والأزرق الفيروزي، مرة من الساتان ومرات من التافتا أو الشيفون أو البروكار. وما إن تعودت العين على هذه الدرجات حتى داهمنا بمجموعة أخرى بالبيج الذهبي والفضي والأرجواني، أحيانا برقبة عالية وأحيانا دون رقبة وأكمام، لكن حتى هذه كانت بها تطريزات تشير إلى أن الطيور لا تزال هي «تيمة» التشكيلة. الجميل في معظم ما قدمه من فساتين أنها لا تحتاج إلى أي جواهر بالنظر إلى تطريزاتها الغنية والمرصعة بالأحجار التي لا تترك مجالا للمزيد، ومع ذلك فهي لا تعطي الإحساس بالمبالغة، لأنها مرصعة بشكل يتناغم مع القطعة ويلتحم معها وكأنه جزء منها. ولم تقتصر التفاصيل الغنية على الأحجار والترتر فحسب، بل كانت هناك أيضا تقنية الأوريغامي وتقطيعات الليزر التي تجعل القماش يبدو وكأنه ريش. وأنهى العرض بفستاني زفاف في غاية الرومانسية والبذخ، الأول مصنوع من قماش من الذهب، 24 قيراط، تمت معالجته حتى يبدو مثل التول، والثاني من الأورغنزا مطرز باللؤلؤ وأحجار شواروفسكي بكل درجات الفضي.

الحديث عن فن الأوريغامي يجرنا للحديث عن مصمم مخضرم تفتخر به روما، ويعتبر من ركائزها ومن أكثر من أخلص لها، ألا وهو فاوستو باليسترا، الذي قدم هو الآخر تشكيلة أكدت أنه رغم تعديه الثمانينات لا يزال في جعبته الكثير. والأهم تأكيده أنه متابع جيد لمستجدات الموضة، إذ كانت هناك الكثير من التصميمات العصرية والفنية على حد سواء. استهل العرض بمجموعة من التايورات المحددة عند الخصر والعالية الأكتاف، كانت فيها الأكمام أحيانا بأشكال أنبوبية ضخمة إلى حد الاستعراض، لكنه يبقى استعراضا فنيا يشد الأنفاس. بعد مجموعته الخاصة بالتايورات والفساتين القصيرة التي كانت بالفعل تبدو وكأنها منحوتة على يد مايكل أنغلو، أرسل مجموعة من الفساتين التي كان فيها الأوريغامي هو السيد. فقد جاء الطيات بكل الأحجام وفي كل الأجزاء، مرة عند الصدر على شكل مراوح مفتوحة بشكل دائري أو هلالي، ومرة على شكل ورود عند الظهر، وأخرى على الأكمام. فإذا كانت المرأة عند رامي العلي طاووسا مزهوا بنفسه وجماله، فإنها عند سارلي فراشة تطير من مناسبة إلى أخرى بمنتهى السهولة والأناقة الكلاسيكية، التي تجمع الخطوط الهندسية مع الأناقة البسيطة والمبالغة مع الفنية. فهذه أولا وأخيرا تشكيلة «هوت كوتير»، أي للمرأة التي تريد تحفا وليس فساتين عملية بالضرورة. لكنه بعض التايورات الخاصة بالنهار وفساتين وتايورات الكوكتيل، أعطاها أيضا مجموعة متنوعة من فساتين السهرة تخلصت من هندسيتها وخطوطها الصارمة لتحل محلها الانسيابية وأسلوب الدرابيه. ولم ينس العروس أيضا، فقدم لها مجموعة من الفساتين المتباينة الطول والأساليب حتى تجد كل مقبلة على الزواج بغيتها، فقد يكون سارلي يريد أن يؤكد أنه من الكبار في مجال الهوت كوتير، الذي يبقى متشبثا في بعض الأحيان ببرجه العاجي، لكن عندما يتعلق الأمر بفساتين العروس فهو يعرف أنها يجب أن تخاطب الحلم وفي الوقت ذاته تخاطب الجمال، كما تفهمه غالبيتنا ونتقبله في أرض الواقع، ومن هنا كانت هذه المجموعة الرائعة التي أنهاها بفستان مرصع باللؤلؤ الكبير الحجم وأحجار الكريستال التي تبدو وكأنها ماس مرصوص، ليؤكد أنه مصمم مخضرم يفهم نفسية المرأة وكيف يخاطبها