فنانون عراقيون قلقون على مستقبل أقدم مصهر للتماثيل في الشرق الأوسط

أنتج أعمالا شهيرة لا تزال تنتصب في ساحات وشوارع بغداد

من أعمال المصهر، الواقع في منطقة الشيخ عمر التي تكثر فيها الورش الصناعية، تماثيل لفنانين بينهم الرحال ومحمد غني حكمت ونداء كاظم وإسماعيل فتاح الترك وغيرهم (أ.ف.ب)
TT

يبدي فنانون عراقيون قلقا على مستقبل أقدم مصهر للنصُب والتماثيل في الشرق الأوسط بسبب نقص الدعم الحكومي الذي يفترض أن يعيد إليه الحياة ليكمل رحلة إبداعاته مجددا بعد أن باتت محدودة جدا.

ومعظم معدات المصهر التابع لدائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة أصبحت قديمة وغير صالحة نتيجة غياب الدعم، مما دفع بالعاملين إلى الاستعانة بالوسائل البدائية.

ويقول مدير المصهر، النحات طه وهيب، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الكساد الذي يواجهه النحت العراقي دفع الفنانين إلى العزوف عن النصُب والتماثيل فضلا عن غياب المستلزمات والمعدات المتطورة والحديثة لصهر المعادن».

ويشير إلى «عدم توفر كميات كافية من البرونز ومعادن أخرى والاعتماد على وسائل بدائية في الصهر والتذويب أسفرت عن تراجع الإمكانيات الفنية التي كانت متوفرة للنحاتين».

ويؤكد «عدم إمكانية شراء معدات حديثة نظرا لعدم وجود موارد مالية تخصصها الوزارة بل لا نستطيع حتى إزالة الأنقاض من المكان الذي يبدو مهملا وكأنه مهجور». وقد تأسس المصهر مطلع ستينات القرن الماضي وكان عائدا لأمانة بغداد. وصنع هذا المصهر أعمالا شهيرة لا تزال تنتصب في ساحات وشوارع بغداد.

وفي المصهر ست قاعات كبيرة مسقوفة مخصصة للصهر وتذويب المعادن وأخرى لصنع القوالب وباقي مراحل العمل في حين تتوزع على باقي القاعات وبطريقة عشوائية تماثيل منفذة قبل 2003 لم يحسم أمرها حتى الآن.

وتعود التماثيل وعددها 31 إلى عسكريين من الجيش السابق من مختلف الرتب والوحدات قضوا أثناء الحروب قبل عام 2003 وكان يفترض نصبها في الوحدات العسكرية التي كانوا ينتمون إليها.

وفي إحدى القاعات، ينتصب تمثال كبير للخليفة العباسي هارون الرشيد أنجزه الفنان الراحل خالد الرحال كان في إحدى ساحات بغداد مطلع الثمانينات قبل أن يزال بأمر من جهات حكومية بعد اكتشاف تفاصيل تحاكي مدلولات فارسية في عدته وملابسه الحربية.

ومن أعمال المصهر الواقع في منطقة الشيخ عمر التي تكثر فيها الورش الصناعية، تماثيل لفنانين بينهم الرحال ومحمد غني حكمت ونداء كاظم وإسماعيل فتاح الترك وغيرهم.

ويعمل في المصهر حاليا أربعة نحاتين و12 فنانا يحتاجون إلى خبرات متطورة تساهم في رفع مستوى مهارتهم لكنهم يأملون بتعويض ذلك عبر إرسالهم إلى دورات خارجية.

ويرى النحات نجم القيسي أن «تخصيص الدعم المالي للمصهر يساهم في إعادته إلى الحياة عبر تحديث وسائل العمل وتوفير معدات متطورة تدخل في صهر البرونز والمعادن وبطرق أفضل».

ومما أنجزه المصهر أيضا تمثال شهريار ونصُب كهرمانة لحكمت ونصُب المسيرة للرحال الذي أزيل من مكانه بعد عام 2003 وتمثالي الواسطي وعبد المحسن الكاظمي للترك.

وصنع المصهر أكثر من ثلاثين تمثالا للرئيس السابق صدام حسين بينها ذلك الذي أسقطه الأميركيون في التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 في ساحة الفردوس في وسط بغداد.

كما أنجز تماثيل للشاعر بدر شاكر السياب وعالم النحو أحمد بن خليل الفراهيدي للفنان نداء كاظم ووضعا في البصرة.

ويكشف وهيب أن «الجهات الحكومية وعدت بتقديم 500 مليون دينار (430 ألف دولار) لتطوير المصهر ثم رفعت سقف الوعود إلى مليار دينار وفي النهاية لم نحصل على دينار واحد».

ويؤكد أن «المصهر ورغم المصاعب الفنية يستعد لتنفيذ نصبين بتكليف من الأمانة العامة لمجلس الوزراء أحدها لـ«شهداء الأهوار» سيتم نصبهما في محافظتي ذي قار وميسان» في الجنوب.

ويعاني العاملون في المصهر من غياب وسائل صهر وتذويب مخصصة لحماية المعادن من الاحتراق فيضطرون للاستعانة بما متاح لهم من أفران تعتمد على النار والهواء، الأمر الذي يعرضهم للخطر.

وآخر ما أنجزه المصهر إعادة تأهيل تمثال المتنبي الذي سرق من المكتبة الوطنية أثناء دخول القوات الأميركية بغداد، ثم عثر عليه وقد فقد أكثر من ثلاث قطع من عباءته وإحدى يديه.

وأعيد ترميم الأجزاء المكسورة للتمثال الذي أنجزه حكمت قبل إعادته إلى مكانه القديم.