مسرحية «غريس» الغنائية تعيد اللبنانيين نصف قرن إلى الوراء

الحب على طريقة «ساندي» و«داني» في جبيل

لقطات من ميوزيكال «غريس» (تصوير: جوزف أبي رعد)
TT

من منا لا يعرف فيلم «غريس»؟ هذا الفيلم الذي شغل المراهقين في العالم نهاية سبعينات القرن الماضي. فيلم من لم يره سمع عنه أو حفظ على الأقل أغنياته العذبة ودندنها. وأول من أمس، تقاطر إلى مدينة جبيل كبار وصغار ومراهقون، جاءوا جميعهم، طامعين في استعادة هذه الأغنيات التي عرفوها أيام الصبا أو سمعوا أهلهم يرددونها، ما دامت قصة «غريس» تأتيهم ممسرحة مغناة هذه المرة. ليس مهما أن يكون مستوى الميوزيكال على قدر الأحلام التي رسمها الفيلم الشهير في مخيلة العشاق أجيالا وراء أجيال، فالمهم في مثل هكذا حالات أن يرى الناس أبطالهم، وهم يغنون ويرقصون ويمرحون على المسرح. وبالفعل فإن ساندي وداني، العاشقين اللذين خلبا عقول المراهقين في سبعينات القرن الماضي في فيلم «غريس» الذي جاب صالات الدنيا، ولعب بطولته جون ترافولتا وأوليفيا نيوتن، بديا حين ظهرا على المسرح وكأنهما خارجان من الأحلام، على وقع موسيقى الأوركسترا الحيوية التي شيدت لها منصة خاصة اعتلت الخشبة الأساسية وشكلت خلفية جميلة لها.

وما لا يعرفه الكثيرون ربما أن قصة «غريس» التي كتبها جيم جاكوب ووارن كايزي، انطلقت كمسرحية غنائية عام 1972 في برودواي في نيويورك، ولاقت نجاحا كبيرا، ولم تتحول إلى فيلم إلا سنة 1978، وبتحولها إلى فيلم شقت شهرته الآفاق، صارت أغنياته على كل لسان. ومن يومها أصبح العمل سينمائيا ومسرحيا، من الكلاسيكيات المعروفة.

ورغم مرور الزمن لا تزال قصة ساندي وداني تغري الجماهير. فالشابان التقيا في عطلة صيف، ثم أسعفتهما الظروف في لقاء آخر، حين تبين أنهما طالبان في مدرسة واحدة. ساندي الناعمة الخفرة لا تبدو قادرة على جذب داني بالقدر الكافي، رغم إعجابه بها، بسبب كثرة معجباته. وشلة البنات المحيطة بها تحاول أن تخرجها من خفرها. ساندي من أجل حبيبها الذي ترى أنه في كل مرة يفلت من يديها، تفهم اللعبة، فتغير هندامها، وتخرج من إرباكها، فيصعق داني بحبيبته الجريئة والجميلة، التي ترقص بمهارة حاذقة، ويقدم الحبيبان أحلى أغنياتهما والوصلات الراقصة مع رفاق المدرسة.

هذه الأجواء تستعاد هذه الأيام في جبيل على مسرح مفتوح في الهواء الطلق، وتلك القصة الطالعة من الأجواء الطلابية لخمسينات القرن الماضي في أميركا، تحط رحالها في لبنان، فيخرج الشبان بالجاكيتات الجلدية السوداء والبنطلونات الضيقة، والشعر المصفف بالجيل، فيما الفتيات بأزيائهن الجذابة والبراقة تخطف البصر. وقصة «غريس» أخذت عنوانها من هذه المواد الدهنية والشمعية التي تستعمل لتصفيف الشعر بطريقة باتت من حينها نموذجا للشبان الذين قلدوها. وكما في الفيلم كان داني يخرج مشطه من جيبه بين الحين والآخر، ليمشط شعره، ويضبط هندامه. وكما يحدث في المسرحيات الغنائية، فإن كل تفصيل صغير يمكن أن تندلع منه أغنية جديدة، ورقصة مبتكرة جديدة، تعيد الحرارة إلى الجمهور.

صحيح أن القصة لم تفقد رونقها، والملابس بدت وكأنها لا تبتعد كثيرا عن الزمن الذي نحن فيه، والقصة هي من الصنف الإنساني الذي لا يموت، إلا أن المسرحية بدت أقل حرارة من الفيلم ولا تمتلك حيويته، ولولا الأغنيات التي يحفظها الناس عن ظهر قلب ويودون سماعها على وقع موسيقى حية، لبدا العمل باهتا بالنسبة لمتفرج لبناني أو عربي بعيد عن الأجواء الأميركية في منتصف القرن العشرين. فالنكات والقفشات لا تعبر القارات أحيانا، وقد لا تكون الأمزجة متقاربة بالضرورة. على أي حال، فإن بدا أن هذا العمل الآتي من وراء البحار إلى ميناء جبيل خافتا وباردا في بعض لحظاته، فإن اشتعال حرارة الحب بين ساندي وداني في اللقطات الأخيرة، إضافة إلى الأغنيات الشهيرة، التي تلاحقت مع الرقص الجميل والسريع الذي انتهى به العمل، عدا القبلات الطويلة بين العاشقين، كل هذا جعل الجمهور يصفق طويلا، لعمل أحبه على الشاشة وجاءه سعيدا به على الخشبة. وسيتاح للعديدين رؤية هذا الميوزيكال الشبابي الذي يقدم في أربع حفلات ويستمر حتى يوم السبت.